الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2016-12-19

المجاهد الفراتي: رمضان باشا شلاش – بقلم: محمد فاروق الإمام

المجاهد الفراتي رمضان باشا الشلاش‏ صقر من صقور الثورة السورية وبيرق من بيارقها التي شمخت في وادي الفرات العظيم حيث الخير والعطاء، يحكي قصة البطولات ويقدم للأجيال دروساً عبر التاريخ كيف تحدى هذا الشعب وكيف قاوم المحتل وصنع ملحمة البطولة والفداء.
هذا الشعب الذي قدم دماء زكية غالية كانت ثمناً لاستقلاله وحريته وكانت نتيجة لجلاء المستعمر الفرنسي عن أرض الوطن.‏
ولد عام 1882م في قرية الشميطية غربي دير الزور وكانت متصرفية مستقلة ملحقة مباشرة بعاصمة السلطنة العثمانية.
تعلم في الكتاتيب وأخذ قيم البداوة الأصيلة من بيئته وهي عامل مهم من عوامل تفتح شخصيته وتمسكه بكل ما هو أصيل. وفي عام 1892 م أرسله والده إلى استانبول للدراسة في مدرسة العشائر العربية التي افتتحها السلطان عبد الحميد وتخرج منها سنة 1897م ليلتحق بالمدرسة الحربية لمدة ثماني سنوات ويتخرج برتبة ملازم خيال، وفي عام 1907م انتخب عضواً في مجلس العشائر العثماني وعين حاكماً عسكرياً للجبل الأخضر ومقره بنغازي، وأثناء خدمته في الموصل انتسب إلى جمعية الضباط العرب الأحرار وكانت جمعية سرية تنادي باستقلال البلاد العربية عن الدولة العثمانية. بعد أن اندلعت الثورة العربية في 10 حزيران 1916 عين الضابط رمضان الشلاش قائداً للسرية الخامسة في لواء الهجانة في المدينة المنورة، عينه الأمير فيصل بن الحسين قائد الجيش الشمالي، وفي عام 1919م عينته الحكومة العربية وبالتعاون مع جمعية العهد العربية حاكماً عسكرياً على الرقة والفرات والخابور، ومقره في منطقة الرقة، من أجل التهيئة لثورة عارمة لطرد الانكليز من دير الزور. وقاد حملة عسكرية من ثلاثة آلاف مقاتل حيث استطاعت تلك القوة من احتلال دير الزور، وتحرير المناطق حتى (عانة) في العراق وأعاد دير الزور إلى الوطن الأم سورية.
وفي عام 1920م قابل الأمير فيصل ملك سورية في دمشق، وكلفه فيما إذا هاجمت القوات الفرنسية سورية بإشعال نار الثورة في منطقة الفرات، ووقف رمضان وعشائر الفرات في وجه الحملة ا لعسكرية الفرنسية القادمة من حلب بقيادة القومندان ترانكا، يرافقه أحد زعماء البدو البارزين وبعض المرتزقة من الذين باعوا ضميرهم ودارت معركة حامية في منطقة عياش غربي دير الزور بين قوات رمضان الشلاش والقوات الفرنسية. وفي عام 1921م أصدرت الإدارة العسكرية الفرنسية حكماً بالإعدام على رمضان شلاش، فهرب إلى شرق الاردن بعد معركة ميسلون وشكل قوة لتحرير سورية، وعندما علم الأمير عبد اللّه بذلك أمر بتفريق القوة.
وفي عام 1925م عندما اندلعت الثورة السورية الكبرى كان رمضان الشلاش من أوائل الضباط السوريين الذين التحقوا بها، فقد عبر الحدود الأردنية مع مجموعة من الفرسان وقابل الزعيم سلطان باشا الاطرش الذي عهد إليه بقيادة قوات الثورة في المنطقة الشرقية، وكانت أولى أعماله تحرير تدمر والاستيلاء عليها وطرد الفرنسيين منها. وقفل راجعا إلى جبل العرب وطلب من زعماء الثورة الخروج من دائرة الجبل الضيقة لإسباغ الصفة الوطنية على الثور.ة وبالفعل كان رمضان الشلاش أول من شكل قوة عسكرية من الدروز ورابط في منطقة المرج والغوطة واحتل الضمير والهيجانة والرحيبة والمعظمية وجيرود والنبك ودوما، وتمت محاصرته في منطقة سلمية وتم القاء القبض عليه، حيث نقله الفرنسيون إلى بيروت ووضعوه في الإقامة الجبرية في عهد المفوض الفرنسي دي جوفنيل، وذلك في أواخر كانون الثاني 1926م. وبقي إلى عام 1937م حيث أصدر الفرنسيون قراراً بالعفو عن الثوار. وفي عام 1942م عندما كان في مسقط رأسه في دير الزور قامت القوات الفرنسية بعملية غادرة وجبانة حيث اغتالت ابن عم رمضان الشلاش فثار ومعه خمسة عشر ألف فارس في منطقة البصيرة، ودامت الثورة شهراً كاملاً ولم تنته إلا باحتجاز حريته مرة ثانية حيث قبضوا عليه ونقلوه إلى بيروت مرة ثانية لكي يوضع تحت الإقامة الجبرية حتى عام 1946 م وبعد جلاء القوات الفرنسية عاد إلى أرض الوطن. وتوفي عام 1961م.
قامت بريطانيا باحتلال منطقة دير الزور وذلك حسب اتفاقية ( سايكس بيكو ) التي أوقعت هذه المنطقة من حصة بريطانيا على أن تكون الموصل في العراق من حصة فرنسا كان ذلك عام 1916، وكان كامير الحاكم الانكليزي على دير الزور، وقد عامل الأهالي معاملة سيئة جداً مما أغضب ذلك الزعيم رمضان شلاش، فقام بتأليف جيش من العشائر المجاورة بالإضافة إلى من كانوا معه من عشيرته البو سرايا حتى وصل عدد جيشه ( 500 ) رجل، منهم على الخيل والقليل منهم على الابل. وحين وصل إلى منطقة قريبة من دير الزور توقف هو وقواته حيث أعاد تنظيم الفرسان المقاتلين وأعطاهم التعليمات اللازمة كان ذلك يوم 10 كانون الاول 1919 على أن يبدؤوا بالهجوم على القوات الانكليزية في فجر (11 كانون من نفس العام). وبالفعل في فجر ذلك اليوم هاجم رمضان شلاش دير الزور واصطدم مع قوات الاحتلال الانكليزي ودامت الاشتباكات 8 ساعات متواصلة كانت كفيلة بتكبيد الإنكليز خسائر فادحة بالعدد والعتاد، ووقع ما تبقى من هذه القوات أسرى بيد رمضان وجيشه. قام أهالي دير الزور بتقديم كل المساعدة وشاركوا بالقتال وفي اليوم التالي قام شلاش بدخول إدارة الحاكم السياسي الانكليزي وأسره وتم الاستيلاء على الأموال والعتاد، ونسف خزانات الوقود وأخرج المساجين والقى القبض على كامير الحاكم الانكليزي للدير مع جميع عناصر الحامية البريطانية وابقاهم شلاش كرهائن حرب وهدد بريطانيا بقتلهم جميعاً إذا قامت بعمل ضد دير الزور، وما كان من بريطانيا إلا أن قبلت بالأمر الواقع.
تابع رمضان وجيشه من المجاهدين الأبطال زحفهم إلى البو كمال حيث اصطدم مع الانكليز فيها وجرت معركة كبيرة شارك فيها الكثير من عشائر العكيدات واستشهد فيها الشيخ عبيد الدندل، وقتل عدداً من أفراد القوات الانكليزية ودمر الكثير من سلاحهم ففروا هرباً إلى( عانة) القضاء الأول في العراق، مما أرعب تشرشل وزير المستعمرات البريطانية الذي وقف مذهولاً أمام جيشه قائلاً:‏

إن أكبر عدوين لبريطانيا العظمى في الشرق هما (لينين في الشمال ورمضان باشا شلاش في الجنوب).‏
كان لهذه الثورة الكبيرة ردة فعل عالمية إذ استطاع هذا القائد الكبير المجاهد رمضان شلاش أن يهزم أقوى دولة كانت موجودة آنذاك ويغير ملامح المنطقة ويقلب موازين السياسات الاستعمارية حيث ألغيت اتفاقية سايكس بيكو وطموحات الدول الاستعمارية الخبيثة.
‏في منطقة الفرات: بعد النصر الكبير الذي حققه رمضان شلاش على الانكليز أصبح هذا المجاهد محط أنظار الجميع، حيث لمع نجمه في جميع الأراضي السورية وبلاد الشام والحجاز والعراق وعندما بدأ التخطيط لاحتلال سورية من قبل فرنسا أستنجد الامير فيصل برمضان شلاش وقابله في دمشق، ورفعه إلى رتبة زعيم وكلفه فيما إذا هاجمت فرنسا سورية بإشعال نار الثورة في منطقة الفرات.
لبى رمضان النداء واتجه إلى منطقة الفرات واستنفر عشيرته والعشائر القاطنة في وادي الفرات وشكل جيشاً قوامه (3000) مجاهد، وحاصر دير الزور لمنع الفرنسيين من دخولها وجرت معارك كبيرة بينه وبين القوات الفرنسية، أستشهد فيها سبعة من المجاهدين وتم قتل عدد من أفراد القوات الفرنسية، ودام القتال والمقاومة عدة أيام. ولكن عدم التكافؤ في العدد والعتاد أدى إلى دخول الفرنسيين دير الزور وانسحاب رمضان شلاش بقواته، حيث تابع مع كتيبته من الفرسان إلى حوران والتقى هناك قائد الثورة السورية الكبرى سلطان باشا الأطرش ونسيب البكري وجميل مردم وتم تكليف شلاش بمقاومة الاحتلال الفرنسي في الغوطة.
 قام رمضان شلاش ومعه المجاهد حسن الخراط بمهاجمة قصر العظم في دمشق بعد أن وصلت أنباء عن وجود القائد الفرنسي (ساراي ) في القصر حيث حاصروا القصر وقتلوا الجنود الفرنسين فيه ولكنهم لم يعثروا على ساراي مما دفع هذا الاخير إلى قصف دمشق في اليوم التالي كان ذلك (2 تشرين الأول عام 1925).
‏انسحب شلاش من الغوطة مع قواته المؤلفة من 100 هجان و100 خيال وتوجهوا إلى دوما، يرافقه في قيادة الثوار الشيخ خلف النعير وهائل سلام بك، وبدأوا بمهاجمة دوما وانقضوا بغتة على الحامية الفرنسية وحاصروا الثكنة ونشبت معركة كبيرة تغلب فيها الثوار على الحامية وأحرقوا السرايا وقتلوا عدداً من الجنود الفرنسيين وغنموا الخيل والعتاد.
‏عندما سمع أهالي الضمير بالنصر الكبير الذي حققه رمضان شلاش في دوما سارعوا إليه يستنجدون به، بسبب وجود قوة من الهجانة الفرنسية فيها حيث ضايقت الأهالي هناك فلبى رمضان طلبهم وزحف إلى الضمير يرافقه موسى الشركسي وأبو شريف في قيادة الثوار، وعند الفجر في اليوم التالي هاجموا القوة الفرنسية وقتلوا عدداً من أفرادها واستولوا على العتاد، مما دفع الجيش الفرنسي إلى قصفهم بالطيران فتراجعوا قليلاً. وبعد أن سكت القصف عاد الثوار بقيادة شلاش فدخلوا قرية الضمير وتم تحريرها. كانت هذه الانتصارات المتلاحقة لرمضان شلاش قد جعلت منه شخصية حربية لامعة في جميع المناطق أدى ذلك إلى توافد المتطوعين من كل مكان حتى وصل تعداد قواته ما يقارب (800)من المشاة و(300) من الفرسان.
‏سار شلاش بهذه القوات إلى الرحيبة فحررها ومن ثم إلى جيرود والقلمون واستطاعوا احتلال سرايا جيرود ثم دخلوا المعظمية وقام بعدها شلاش بتحرير القطيفة حيث أحرق جميع الاوراق والمستندات الفرنسية ودعا أهلها للانضمام إلى الثورة.
‏هاجمت قوات شلاش النبك واحتلت اماكن الجند واعتقلت 31 دركياً، بعدها جاءت قوة فرنسية لتحريرهم ونصب شلاش وقواته لهم كميناً وفتكت بهم وقتلت عدداً منهم ودمرت مدرعات وسيارات فرنسية كانت برفقة القوات الفرنسية، ولم تسلم سوى مدرعتين للمستشار والقائد واستطاعت قوات شلاش ان تقتل سبعين سنغالياً. وحين سمعت قيادة الجيش الفرنسي بذلك كانت ضربة قوية حيث كانت النبك مركزاً لعملياتهم فقامت بإرسال حملة مشاه من الجنود السنغالين وخيالة الدرك وثلاث مصفحات لمهاجمة شلاش وقواته، حيث فتك بهم شلاش مرة اخرى وقتل معظم ضباط الحملة واستولى على كثير من البنادق والرشاشات الثقيلة وصناديق للذخيرة، ومن ثم توجه شلاش الى حمص وحماة يستنفر أهلها والعشائر المجاورة على الثورة والمقاومة وانتهى به المطاف في السلمية، حيث استطاع الفرنسيون القبض عليه وابقائه تحت الاقامة الجبرية الى عام 1937 في بيروت حيث تم اطلاق سراحه، وتوجه مرة اخرى الى دير الزور حيث ألف جيشاً من عشيرته "البو سرايا" والعشائر الاخرى قوامه 51 الف فارس واستمر يقارع الفرنسين إلى أن تم تحرير دير الزور و تم اجلاء آخر جندي فرنسي من ارض الوطن عام 1945.‏


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق