الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2017-06-18

الإسلام في أفريقيا الحلقة (32) المذهب المعتزلي والانقسامات حوله – بقلم: محمد فاروق الإمام

المعتزلة أول فرقة نهجت نهجاً عقلياً في البحث، وتقدم براهين العقل على ظواهر النصوص والمأثورات. وسبب تسمية المعتزلة بهذا الاسم هو أن واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد وهما من تلامذة الحسن البصري لمَّا أحدثا مذهباً، وقالا إن الفاسق ليس بمؤمن ولا كافر، اعتزلا حلقة الحسن البصري وجلسا ناحية في المسجد. وكانا مع من اتبعهم يسمون أنفسهم: أهل العدل والتوحيد. أما التوحيد فلأنهم نفوا صفات الله وعدوا القول بها تعديداً لله، وأما العدل فلأنهم نزهوا الله عما يقوله خصومهم من أنه قدر على الناس المعاصي ثم عذبهم بها، وقالوا: إن الإنسان حر فيما يفعل، ومن أجل هذا عذب على ما يفعل، وهذا عدل. وفي عهد واصل بن عطاء (80-131هـ/699-748/)وعمرو بن عبيد (80-144هـ/699-761م)حدث انقسام في (أهل العدل والتوحيد) بسبب الرأي الذي استحدثه واصل بن عطاء في تقييم الدولة الأموية وأنصارها.
ونمت الأصول الفكرية للمعتزلة لتصبح خمسة، تتكون منها نظريتهم ومقالاتهم، وهذه الأصول هي:

1-العدل: ويعني القول بحرية الإنسان واختياره، وقدرته على خلق الأفعال الصادرة منه بحسب قصده إليها وإرادته لها، واختراعه لهذه الأفعال.
2-التوحيد: ويعني تنزيه الذات الإلهية عن المشابهة والمماثلة مع المخلوقات والمحدثات، بما في ذلك نفي الصفات الزائدة عن ذات الخالق، وكذلك القول بخلق القرآن حتى لا يكون هناك قديم آخر غير الله.
3-الوعد والوعيد: ويعني صدق وعد الله لأهل طاعته، ووعيده لأهل المعاصي.
4-المنزلة بين المنزلتين: ويعني الحكم على مرتكبي الذنوب الكبائر، الذين يموتون دون توبة نصوحة، الحكم عليهم بالخلود في النار، وتسميتهم (فسقة) ، وجعلهم في مرتبة أدنى من المؤمنين وأعلى من الكفار.
5-الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: ويعني المشاركة الإيجابية من كل مسلم مؤمن في تقويم المعوج من أمور الحياة العامة ونظم المجتمع الذي يعيش فيه المؤمنون.
لقد كان المعتزلة - على عهد بني أمية - إحدى الفرق المعارضة، وتحالفوا مع الخليفة عمر بن عبد العزيز(99-102هـ/717-720م)، وأسقطوا بالثورة المسلحة حكم الوليد بن يزيد(88-126هـ/706-743م) ونصبوا بدلاً منه خليفة أموياً كان على مذهبهم هو يزيد بن الوليد)(86-126هـ/705-743م). وفي عهد مروان بن محمد - آخر الخلفاء الأمويين - (72-132هـ/691-749م) عملوا للعودة بنظام الحكم في الدولة إلى لخلافة الشورية، فأخذوا يجمعون البيعة لمحمد بن عبد الله بن الحسين -النفس الزكية - (93ت145هـ/711-762م)، ولكن التيار الشعوبي في حركة الثورة ضد بني أمية، بقيادة أبي مسلم الخرساني(قتل سنة 137هـ/754م)، أزاح المعتزلة عن القيادة ونقل الخلافة إلى الفرع العباسي، واتخذ المعتزلة موقع الثورة والمعارضة حتى أزاحت نكبة البرامكة سنة (188هـ/803م) السيطرة الشعوبية، فعلا نجمهم. ونال المعتزلة تأييد خلفاء بني العباس من أيام المأمون إلى عهد المتوكل، وبعد أن كان المعتزلة من قبل عرضة للقمع والاضطهاد من جانب السلطة الزمنية أصبحوا ممتحنين لعقائد الناس يحلون السيف محل الدليل.
وذهب المعتزلة - كما قلنا - إلى أن الاعتقاد بقدم القرآن إلى جانب قدم الله شرك. وذهب بعض الخلفاء إلى رأي المعتزلة، فأعلنوا رسميا (أن القرآن مخلوق)، ومن أنكر ذلك عاقبوه على رؤوس الأشهاد.
وخلاصة القول: فإن المعتزلة ساروا مع مذهبهم إلى أقصى النتائج، فأخرجهم ذلك عن إجماع الأمة الإسلامية، وبعد بهم حتى صاروا في واد، ودين الجماعة في واد، وكانوا أول أمرهم يحفلون بالإجماع، وأرادوا أن يجعلوا رأيهم إجماعا لما كانت السلطة السياسية تنزع منزعهم وتشد أزرهم، غير أن ذلك لم يدم طويلاً، وسرعان ما عرفوا بالتجربة درسا عرفه كثيرون بعدهم، وهو أن استعداء الجماعات البشرية لقبول دين تفرضه سلطة عليا أكبر من استعدادهم لقبول مذهب يقوم على العقل.
يتبع


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق