الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2012-12-06

الدولة العلوية الثانية ! بين الممكن والمستحيل وماهية الطائفة العلوية ؟! بقلم: رياض.ن.خليل


صباح الخميس/29/11/2012م
تمهيد:
تلك نظرة عامة عن الساحل السوري والعلويين . وهي غير أكاديمية ، بل اعتمدت فيها على ما تسعفني به ذاكرتي وخبرتي .

أحببت من خلالها أن أقدم صورة واقعية لمن يجهل الوضع في الساحل السوري . ولمن يظن أن الساحل السوري علوي بالكامل تقريبا ، وربما يقارنونها بالسويداء التي تكاد تكون درزية كليا . الساحل السوري ليس علويا كليا ، ولاسيما في مراكز المدن والمناطق .


لذلك رأيت أن أبدأ الكلام عن الخلفية والإطار الكلي للمكونات السكانية الساحلية ، ثم وفي ضوئها تقديم رؤيتي لماهية الطائفة العلوية : تركيبتها وعناصرها ومكوناتها وتناقضاتها ووفقا لتعدد المعايير التي يمكن القياس بها للتصنيف والفرز ، وتحديد هوية الفئات المجتمعية العلوية . والغرض هو الوصول إلى مقدمات يمكن التأسيس عليها في تكوين استنتاجات موضوعية حول ما يتم تداوله من إشاعات وأوهام حول إمكانية تأسيس كيان علوي منفصل عن سورية في الساحل السوري .

النسخة الأولى (الفرنسية) للدولة العلوية
1- النسخة الأولى للدولة العلوية كانت من تصنيع الانتداب الفرنسي ، الذي احتل الساحل السوري عام 1918 ، وكانت التجربة فاشلة ، وكان المنتج غير قابل للهضم . لأنه فرض بالإكراه على سكان الساحل  ، واعتمادا على قلة من الزعامات المؤيدة والداعمة لذلك المشروع الفرنسي غير الواقعي ،

      كان مشروع تلك الدولة المصطنعة يتناقض مع الواقع ، وشروط الحياة التي يستحيل فيها الفصل والعزل بين المكونات السكانية ، أقلها من الناحية الاقتصادية ، التي تفرض التواصل بين الريف (العلوي بأغلبيته) وبين المدينة ( السني بأغلبيتها) . مادفع سكان الساحل عموما إلى رفض الدولة/الكيان (الدولة العلوية أو دولة العلوييين) ورفض فصله عن سورية الوطن الأم.

وكان كثير من العلويين أنفسهم مع ذلك الرفض ، وعملوا جنبا إلى جنب مع باقي المكونات المسلمة السنية والمسيحية لإسقاط مشروع الدولة الكيان المنفصل عن سورية الأم . وانتهى الأمر إلى إذعان السلطات الفرنسية المنتدبة لإرادة أهالي الساحل ، ورغبتهم بالانضمام للوطن السوري الأم ، وتم لهم هذا بعد نضال طويل وشاق .

2- التركيبة الديمغرافية" السكانية" للساحل السوري :
يوجد أكثر من تصنيف لسكان الساحل السوري :
المعيارالديني: مسلمون ومسيحيون  (بشكل أساسي)
المعيار القومي : عرب وتركمان ( بشكل أساسي)
المعيار الطائفي : ( المسلمون) : المسلمون السنة ، والمسلمون العلويون
المعيارالسياسي : وهو ما ينطبق على كل السوريين : من أقصى اليسار السياسي إلى أقصى اليمين : بعثيون ، قوميون سوريون ، شيوعيون ، ليبيراليون علمانيون ، إسلاميون .. الخ .
وخلال تحليلنا للطائفة العلوية ، سوف نطبق معايير خاصة بها ، تلقي الضوء على حقيقتها وواقعها داخل المجتمع السوري . ولكن قبل هذا ، سنواصل الحديث عن البنية الديمغرافية لأهل الساحل . للتعرف عليه ، وإيضاح ما إذا كان بالإمكان تنفيذ فكرة قيام دولة علوية مستقلة ومنفصلة عن الجسم السوري الأم !

3- سكان الساحل السوري هم ثلاث مكونات رئيسية ، متقاربة من الناحية الكمية والنسبية  ، في عموم المنطقة الساحلية . ولكن التناسب يتغير من منطقة إلى أخرى ، حيث نجد في بعض المناطق تواجدا لمكون بعينه دون سواه . وفي مناطق أخرى تتواجد المكونات أو جلها بنسب متفاوتة . وبشكل عام ، وفي المناطق الحضرية أو شبه الحضرية ، كان التناسب السكاني للمكونات يتغير باطراد تلبية لظروف وشروط التطور الاجتماعي الاقتصادي السياسي ..الخ .
 وخصوصا في مراكز المحافظتين الساحليتين: اللاذقية ، وطرطوس ، وكذلك الأمر في مراكز المناطق(الأقضية) التابعة لها ، مثل : الحفة ، وجبلة ، وبانياس .

  4- المكونات الرئسية هي : السنة ، والعلويون ، والمسيحيون .
     تجتمع هذه المكونات أكثر ماتجتمع في مراكز المدن : في المحافظات والمناطق والبلدات سالفة الذكر ، وتتعايش معا تاريخيا . وفيها تكاد النسب الكمية للطوائف أن تكون متقاربة جدا ، ولم يكن الواقع كذلك في النصف الأول من القرن الماضي ، حيث كان السنة ويليهم المسيحيون .. يستأثرون بالنسبة الكبرى من عدد سكان تلك المدن والبلدات والمناطق ، مع قلة من العلويين، الذين كانت كثافة تمركزهم في القرى والأرياف المنتشرة على امتداد الجبال الساحلية ، والتي لهذا السبب سميت باسمهم : جبال العلويين ، حيث لايشاركهم الإقامة فيها سوى جيوب قليلة من المسيحيين . ويستثنى من تلك المناطق والأرياف والجبال .. منطقة الحفة ذات الأكثرية السنية هي  وبعض القرى والبلدات المحيطة بها والتابعة لها مثل : بابنا (بتشديد النون) والجنكيل وغيرها من القرى الممتدة حتى الحدود مع لواء اسكندرون التركي ، وكثير من تلك القرى السنية لطالما تعايشت بسلام مع جيرانها من القرى العلوية ، لدرجة أن العلاقة بينهم ارتقت لدرجت التآخي والمصاهرة . وخاصة في عهد محمد علي خليل زعيم عشيرة العمامرة ، وأبرز زعماء العشائر الخياطية التي تضم آل العباس وآل الخير . كان هذا في القرن التاسع عشر ، وأوائل القرن الماضي (العشرين) .

إضافة للحفة وبعض توابعها من النواحي والقرى السنية ، هنالك المناطق التركمانية السنية التي تستوطن الريف والجبال المسماة باسمها : جبل التركمان ، وهي تنتشر من مشارف اللاذقية الشمالية وحتى الحدود التركية شمالا ، ومن ضمنها المصيف المشهور : " كسب" .، ومنطقة البسيط ، والفرلق .  كذلك المناطق الشمالية الشرقية  من جبال العلويين المتصلة بجبل الأكراد هي للمسلمين السنة ، ومن مراكزهم المعروفة : بلدة " سلمى" ومصيفها المشهور .

      إذن من حيث الريف والجبال الساحلية ، نجد أن القسم الأكبر الممتد من شمال لبنان وحتى " صلنفة " شمالا ( مابين الحدود اللبنانية الشمالية ، وحتى مشارف الحدود الجنوبية للواء اسكندرون ، هي بشكل أساسي للعلويين وقلة من المسيحيين . والقسم الأصغر من تلك الجبال والأرياف الشمالية : الحفة وكسب وتوابعهما وجبال التركمان وامتداداتها ، وسلمى و جبل الأكراد هي بشكل أساسي للمسلمين السنة وقلة من المسيحيين .
      

5- إن التناسب العددي بين المكونات السكانية لأهل الساحل السوري لم تتغير كثيرا حتى الآن، ولكن الذي تغير هو التموضع وإعادة التموضع السكاني في المناطق الساحلية ، حيث أدى التطور السريع إلى هجرة كاسحة من الريف إلى المدن ، إثر النهضة الاقتصادية المتسارعة، والتي  كان للعلويين نصيب وافر منها ، بسبب العوامل والشروط السياسية التي منحتهم مكانة متميزة في السلطة والحياة الإدارية والعسكرية والأمنية وغير ذلك من شؤون الحياة العامة . وترتب على تلك التغيرات .. تزايد الحضور القوي للعلويين في المدن الساحلية ، وقد ظهرت أحياء بكاملها للعلويين منذا أكثر من نصف قرن . في اللاذقية مثلا : برز أول مابرز حي الرمل الشمالي العلوي الطابع ، وتتالى بعد ذلك ظهور أحياء علوية أساسا : مثل المشروع الأول في الستينات ، وبعده مشاريع السابع والثامن والتاسع والعاشر ،  ومشروع شريتح ، وحي الفاروس، وضواحي : تشرين، وبسنادا ، وشارع الجمهورية والدعتور ومساكن " دمسرخو" والشاطئ الأزرق ، ومناطق الشاليهات الشمالية بالقرب من الميرديان .  والمروج ، ومشروع قنينص وبوقا . وهنالك أحياء ذات أغلبية علوية مثل : مشروع الزراعة ، والبعث ، عدا عن تمركزالعلويين من التكنوقراط في الأحياء القديمة التقليدية التجارية كالأطباء والمهندسين والمقاولين والمحامين .. الخ في وسط ومركز المدينة مثل الشيخضاهر وشارع هنانو ، و8 آذار، والقوتلي والعوينة وانطاكية ، وهي مناطق المدينة التجارية القديمة في اللاذقية  
المسلمون السنة تكاد تبلغ نسبتهم السكانية النصف في مراكز المحافظات والمناطق ، والنصف الآخر من العلويين والمسيحيين . أما في الريف والجبال فهي للعلويين في القسم الأكبروالجنوبي منها ، وأما القسم الشمالي الأصغر: المناطق الممتدة من شمال شرق اللاذقية : سلمى والقسطل وغيرها من البلدات والقرى الممتدة حتى جسر السغور وجبل الأكراد ، ومناطق التركمان فهي في معظمها للمسلمين السنة .

6- استنتاج :
من الناحية الواقعية/وخصوصا الاقتصادية ، لايمكن عزل الريف عن المدينة ، ولا عزل المكونات السكانية عن بعضها ، أو الفصل الفيزيائي والرياضي فيما بينها ، لأن ذلك يتعارض مع مصالحها الحيوية المشتركة ، التي تجعل من الفصل نوعا من المستحيل . وضرورات الحياة المشتركة تفرض حدا من التفاهم والتعامل والتعايش المشترك في سائر المجالات الاجتماعية/الاقتصادية/الثقافية والسياسية . ولايمكن  إقامة أي نوع من الفصل العنصري مابين المكونات السكانية المتعايشة في اللاذقية أو طرطوس ، بل لابد من التفاعل والتعامل والتواصل بين سائر المكونات المسلمة السنية والعلوية والمسيحية والتركمانية وغيرها . وينسحب المثال على سائر جوانب الحياة التجارية والمدنية والثقافية . ولايمكن عزل الريف عن المدينة اقتصاديا على الحد الأدنى
     
      ساد الوفاق بين المكونات تاريخيا ، وخصوصا في القرن الماضي ، وكثيرا ماكان العلويون والسنة يتزاوجون فيما بينهم ، وتشابكت العلاقات المركبة ، وطغت العلاقات المدنية والسياسية في كثير من الأحيايين على ماسواها من العلاقات الأهلية التقليدية وانتماءاتها الكلاسيكيكة كالطائفية وسواها . مخيلة المكان نسبيا وبشكل قوي للعلاقات الاجتماعية العصرية الأقوى .

       وحتى في ظل إقامة دولة علوية تحت الانتداب الفرنسي ..لم يكن ليلغي التواصل والتشارك بين المكونات السكانية في الساحل السوري ، وقد انتهى ذلك إلى رفض فكرة إقامة الدولة العلوية ، وفصلها عن سورية الأم ، وقد تبنى الرفض كل المكونات ، وخصوصا من العلويين أنفسهم ، الذين كانت تحركهم مشاعر الانتماء القومي والوطني المشترك مع باقي المكونات السكانية ، وقد دأبوا على إسقاط المشروع الفرنسي ، وتحقق لهم هذا ، وعاد الساحل السوري جزءا لايتجزأ من الوطن السوري الأم .
 
   وانتشر العلويون في كل المدن السورية ، سعيا وراء العمل ، وانخرطوا في الحياة العامة للمجتمع السوري ، وبرزت منهم شخصيات فاعلة ومحبوبة سوريا وعربيا ، وفي سائر الميادين الأدبية والثقافية والعسكرية والساسية .. وحتى الاقتصادية . وكان الوفاق والمودة هي السمة البارزة بين السنة والعلويين في كل مكان من سوريا .

7- في مرحلة الديكتاتورية الأسدية
    خلال فترة الحكم الأسدي .. لما يقرب من نصف قرن ، تبدل التناسب السكاني الجغرافي: (إعادة التموضع والإقامة ) بشكل ملفت .. وبالتحديد في مراكز المدن والبلدات الساحلية والمصايف(صلنفة وكسب) لصالح العلويين ، الذين كان لهم الحظ الأوفر في ظهور طبقة من الأثرياء والمستثمرين ، طبقة صنعت ثروتها على حساب المال العام السوري في كل أنحاء سوريا . هؤلاء صنعوا ثروتهم عبر تبييض الأموال التي كانت تنهب من خلال كل أشكال الرشوة واستغلال النفوذ والسلطة والتهريب وتجارة السوق السوداء . ومن ثم تحولوا إلى أباطرة في مجال الأعمال والاستثمار من خلال سيطرتهم على القطاعين العام والخاص لاحقا . وعلى الرغم من التغير السكاني المذكور فإن التناسب السكاني بين المسلمين السنة والعلويين لم يختل ميزانه تماما .. بل إن ماحصل إنما هو تبدل في التموضع والإقامة جراء الانتقال المتواصل والمكثف للعلويين من الأرياف إلى المدن ومراكزها . وهو مايحصل عادة في كل مكان من بلدان العالم الثالث ، بسبب التطور الطبيعي الخاص بتلك البلدان من جهة ، وبسبب المكانة الخاصة والوظيفة الاستثنائية  للطائفة العلوية ، التي  حولها حافظ الأسد إلى خزان ومورد بشري أساسي لتدعيم وترسيخ حكمه وسلطته ، ولاسيما في الجيش والشرطة والأمن ، حيث كان للعلويين الأفضلية والأولوية على من سواهم في تولي المناصب القيادية الحساسة والأساسية . وقد جاء بشار الأسد ليبالغ في هذا الاتجاه بشكل سافر ومكشوف ، وبحيث يمكننا وصفه بسياسة علونة السلطة تدريجيا . ومع ذلك فقد حافظ على القناع السني الضروري لإخفاء عنصريته وغبائه وطائفيته الرعناء .

8- في الحقبة الأسدية ، وكما أشرنا ، جرت عملية إعادة توزيع العلويين جغرافيا ، في كل أرجاء سورية ، ولاسيما في دمشق وحمص وحماه ، وكان معظم هؤلاء من العاملين في الدولة وموظفيها ، خصوصا في الجيش والشرطة والأجهزية الأمنية .. وإلى حد أقل : المدنية .
 
    إن نسبة العلويين ال(10بالمائة) من عدد سكان سورية ، حاليا ، يتوزعون في كل أنحاء القطر العربي السوري ، إن بشكل مؤقت ( بسبب العمل والوظيفة ) ، أو بشكل دائم بسبب الهجرة والأعمال .. الخ . وإن نسبة ملفتة : ربما الربع تعيش وتقيم خارج المنطقة الساحلية ، وخصوصا في العاصمة وحمص وحماه ، والباقون يعيشون في المنطقة الساحلية ( محافظتي: اللاذقية وطرطوس ، والمناطق التابعة لها.

     ولو كانت ( فرضا )  نسبة العلويين في المنطقة الساحلية النصف ، فإن ذلك لايبيح لها أو لبعض من يدعون تمثيلها فرض فكرة إقامة الكيان الانفصالي الموهوم : ( الدولة العلوية ) . ولن يسلم السكان من الطوائف الأخرى بهذا المشروع ، ولن يذعنوا ، بل سيقاومونه ، ومعهم كثير من العلويين أنفسهم ، ممن حافظوا على نقائهم من التلوث والفساد الذي نشره آل الأسد في كل مكان من سوريا .

  9- نتيجة :
      نخلص إلى نتيجة مفادها : إن المنطقة الساحلية السورية ، ومن ضمنها الأرياف والجبال ليست صافية من حيث البنية السكانية ، بل هي مركب سكاني ، يمكن تطبيق أكثر من تصنيف عليه : من النواحي : الدينية (سنة ، علويون ، مسيحيون) والطائفية ، وحتى الإثنية العرقية: (عرب ، تركمان ، أرمن ، .. الخ) . هذا عدا التصنيفات الأكثر تفصيلا في كل مكون على حدة . كذلك يمكن تطبيق التصنيف السياسي الذي يؤكد عدم التجانس ، والذي يعيد إنتاج علاقات سياسية لاتتطابق مع التنصيفات سالفة الذكر ، حيث تجد التنوع من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين ( بعثيون ، قوميون سوريون ، شيوعيون ، يساريون ، ليبراليون ، .. الخ ) . إذن يمكن تطبيق أكثر من معيار وتصنيف على أهل الساحل : ديني ، طائفي ، عرقي ، ثقافي ، سياسي .. الخ . هذا يؤكد حقيقة أن سكان الساحل ليسوا كتلة متجانسة القوام ، ولامتماسكة البنية من جوانب عديدة ، بل هم خليط من الأنواع والأصناف ، ومركب متنوع ومختلف العناصر والمكونات .

10- ومن أهم النتائج التي يمكننا التوصل لها بناء على ماسيق عرضه هي : أن الساحل السوري لايمكن أن يكون ملكا لمكون من مكوناته السكانية من دون باقي المكونات ، وبالتحديد لايمكن أن يكون علويا محضا ، ولايمكن للعلويين الاستئثار به وبحكمه سياسيا من غير رضى ومشاركة القوى والمكونات الأخرى ، التي بالتأكيد سترفض هذا التوجه ، وتعتبره مجرد وهم وخرافة غير قابلة للتحقيق عمليا . وتجربة الدولة العلوية الأولى تبرهن على عدم فعالية وجدوى فبركة دولة علوية ساحلية ، تحت أي مسمى ، وهي ولو حصلت ، فلن تحقق المرتجى للعلويين، وهو احتكار السلطة السياسية في الساحل السوري ، وحكمه بأي صيغة كانت : سواء بالديكتاتورية ، أو حتى بالديمقراطية ، وفي كلا الشكلين سيسقط خيار إقامة الدولة العلوية في الساحل السوري ، من داخله ومن خلال مكوناته وعناصره بالذات ، فما بالك لو تدخلت عناصر أخرى من المحيط السوري  الذي يطوق " الدولة الموهومة " من البر .. ومن كل الجهات ؟ ! ، كما لايمكن التعويل على دعم دولي خارجي لتحقيق وهم الدولة العلوية ، هذا الوهم الذي لايعشعش سوى في عقول بعض من زعران العلويين وحشاشيهم من المهلوسين البجم . هؤلاء الذي يشكلون المدد الرئيسي لعصابة الجانين الأسدية القرداحية المجرمة .

11- ماهي الطائفة العلوية ؟ ومن هم العلويون ؟

مايطلق عليه : " الطائفة العلوية " هو مجرد مركب متنافر من الفئات والمكونات والجزئيات . إنه لايشكل بنية واحدة موحدة متجانسة ومتفقة ، لاسابقا ولا حاليا .
     توجد معايير كثيرة لتحديد المركب العلوي ، وهو يسمى علوى مجازا ، ولاتنطبق التسمية عليها تماما .

فكرة عن العقائد العلوية الدينية
     وهي من حيث العقائد الدينية/الطائفية تتميز بكونها خليط غريب وعجيب من الأديان التوحيدية والوثنية مجتمعة ، خليط يجتمع فيه مالايمكن جمعه من الأساطير والخرافات والأوهام، ولاسند لها سوى الروايات والمنطق السفسطائي الفارغ ، هي أشبه ماتكون بمرض فصامي ، ونوع من التطير الذهني الذي لاطائل منه ، ولاجدوى من التعاطي معه ، هي عقيدة لاضوابط لها من النواحي المنطقية  ، وتعتمد على اللامعقول في تقييم وتفسير الأشياء والوقائع،ولايمكن أن تلقى قبولا واستجابة عند الشخص الذي يملك ويتمسك بالحد الأدنى من المنطق والتمييز . إنها تتوجه إلى الجهلة المتخلفين المصدقين المسلمين دون تمحيص بكل ما يقال لهم وينسخ في أذهانهم من أوهام وخرافات وأساطير وشعوذة . إنها حلقة مفرغة من الهذر والهذيان والهروب والتبرير والهرطقة . ومايميز تلك العقيدة أيضا : الطابع العنصري الأعمى ضد كل ماهو غير علوي ، وكذلك : سمة الباطنية ، التي لايمكن أن تعني شيئا آخر سوى النفاق والخداع للآخر الغريب .. غير العلوي

  إذن هي السمات الأساسية المشتركة :
    الجمع بين الأديان التوحيدية والوثنية
     العنصرية : ( يعتبرون أنفسهم شعب الله المختار)
     الباطنية : ( نوع من الازدواجية السلوكية التي تظهر عكس ماتبطن وتضمر ، وهي نوع من الخداع والنفاق ، وهو سلاح ضد الغرباء من غير العلويين )
    وبما أن العقيدة العلوية قائمة على تلك الأسس ، فإنها سهلة الاختراق والتفكك والاختلاف في مكوناتها الداخلية ، حيث كل شيء يمكن أن يبنى على الخرافة والتبرير والسفسطة والهروب من المنطق .  إن تخلف العقيدة ، ومجافاتها لأبسط قواعد العلم والمنطق ، يجعلها عرضة للاضمحلال ، والتراجع والتقلص ، والتأثر بالعقائد الأخرى ، والذوبان في المحيط غير العلوي
     ولذلك فإن الطائفة العلوية غير محصنة من تأثيرات العقائد الاخرى الدينية منها وغير الدينية . خاصة وأنها تفتقد لمرجعية دينية موحدة في أي مستوى وفي أي تصنيف .  أي أنها غير قابلة للتنظيم الديني/ وشبه العسكري أو الميلشيوي ، كما هي الحال عند الشيعة : ( حزب الله ) مثالا غير حصري .

12- من هم العلويون ؟ ماهي تركيبتهم ؟
في الواقع يمكن النظر إليهم من زوايا عديدة ، فهم ليسوا كما يظن البعض : كتلة موحدة متجانسة ومتوافقة من نواح عديدة .
فمن الناحية الدينية : هم ينقسمون إلى ثلاثة أقسام رئيسية متناحرة ومتعادية :
أولا: الكلازيون
ثانيا : الحيدريون
ثالثا : المرشديون
 
     وبما أنه لاتتوفر إحصاءات دقيقة لحساب تناسباتهم العددية ( الكمية ) ، فإنني سأعتمد على تقديراتي الشخصية المرتجلة والمعتمدة على خبرتي ومعرفتي بهم ، وروايات تختزنها ذاكرتي عنهم في تحديد وزنهم وكتلتهم السكانية :
    
الكلازيون :هم الأكثرية في مناطق الساحل السوري .. في كل من محافظتي : اللاذقية وطرطوس ، وفي المناطق السورية الأخرى ، وحسب تقديراتي غير الدقيقة ، تبلغ نسبتهم الثلثين من مجموع العلويين السوريين . وإلى تلك الفئة ينتمي آل الأسد والعديد من مشاهير العلويين في المعرفة والعلم والأدب والسياسة . وينتشر هؤلاء من الحدود اللبنانية الجنوبية ، وحتى مشارف الحدود التركية ، ومن البحر وحتى سهل الغاب .

     الحيدريون : وهم الأقلية من علويي سوريا ، وهم الأكثرية من علويي تركيا : لواء الاسكندرون بشكل خاص . وفي سوريا يقيم في المناطق الشمالية من الساحل السوري ، وخصوصا في المناطق المتاخمة لمدينة اللاذقية شمالا وشرقا : دمسرخو ، مشقيتا ، عين البيضا، سقوبين ، وريف الحفة العلوي الشرقي . ويسمى الحيدريون باسم آخر هو المواخسة ، نسبة إلى آل ماخوس في قرية ماخوس .

    المرشديون : وهم في أغلبهم كانوا من الحيدريين ، وتشكلت هذه الفئة حديثا ، في فترة الانتداب الفرنسي ، وزعيمها سليمان المرشد ومن بعده أولاده ، وقد انتشرت هذه الفئة أكثر ماانتشرت في مناطق عشائر : الدراوسة ( صلنفة وتوابعها ) والعمامرة ( من تخوم سهل الغاب شرقا وحتى الحفة غربا ) وعشيرة المهالبة ( من الريف المتاخم للاذقية مرورا بقرى ونواحي عدة منها الفاخورة .. وقلعة المهالبة وجوبة برغال مسقط رأس سليمان المرشد ، ويكاد عدد المرشديين يقارب النصف مليون ، وينتشر بعضهم في مناطق متفرقة ونائية من سوريا .

والحيدريون يقارب عددهم النصف مليون أيضا ، وماتبقى من العلويين هم من الكلازيين ، الذين يقرب عددهم من المليون ونصف المليون علوي كلازي . وهذا يعني أن العلويين يقارب عددهم المليونين ونصف المليون ، وربما أكثر من ذلك ، لأن الرقم غير دقيق من الناحية العلمية ، ولايتطابق بالضرورة مع الواقع . وكما سبق ونوهت فإن هذا العدد من العلويين لايعيش ولا يتركز فقط في المنطقة الساحلية السورية ، بل ربما لايوجد في الساحل أكثر من مليون ونصف المليون منهم ، والمليون الآخر يعيش في أرجاء سورية ، منذ عقود ، وخاصة في دمشق وحمص وحماه وسواها من المناطق السورية .

13- ومن الناحية العشائرية : ينقسم العلويين إلى عشائر كثيرة ( الانتمائ العصبي ) :
   ماأتذكره منها ، والمعروفة جيدا : عشيرة الدراوسة ، يليها جنوبا عشيرة العمامرة ، ثم المهالبة ، فالكلبية ، والنواصرة ، والحدادين ، والنميلاتية ، والخياطين ، والمحارزة في طرطوس ومنها الشيخ صالح العلي . وآل الأسد ينتمون لعشائر الكلبية في القرداحة وتوابعها .

14- ولايمكن الاكتفاء بتلك التصنيفات أو اعتبارها المعيار المؤثر في حياة العلويين ومواقفهم . فقد نمت وقويت معايير أخرى منافسة لها في إعادة تحديد الانتماءات والسلوكيات والمواقف العامة المدنية والاجتماعية والثقافية والسياسية . إنها معايير الأفكار الفلسفية والسياسية والمدنية التي كانت تنافس الانتماءات التقليدية ، وتحدد بوصلة العلاقات بطريقة مختلفة عن العلاقات التقليدية للمجتمع الأهلي : الطائفي والعشائري . وفي هذا المجال برزت الخلافات الحادة بين أبناء الطائفة العلوية الواحدة ، ممتزجة بالخلافات التقليدية الأهلية . حيث في الوسط العلوي الواحد تجد صراعا أيديولوجيا وسياسيا بين تيارات عديدة : قومية وشيوعية وليبرالية ومحافظة وعلمانية ، وأخرى عائمة لابوصلة لها بعد ، وهذه كانت الحاضنة للوصوليين والانتهازيين والمرتزقة والمتعصبين طائفيا .  ومع هذا فقد فتت السياسة العلاقات التقليدية إلى حد بعيد ، ولم تعوضها بعلاقات متينة منطقية ، بل تركتها عائمة في محيط من التجاذبات والمصالح الفردية والفئوية الضيقة . وليس من رابط أو جامع عام شامل بين العلويين ، وليس من سلطة أو مرجعيات يتبعونها في تحديد هويتهم ومواقفهم العامة والخاصة . وساعد على ذلك ما قام به حافظ الأسد من محاربة شرسة لأية توجهات وحراك من أي نوع يتعارض مع حكمه وسلطته الديكتاتورية المطلقة حتى داخل طائفته ، بل عمد إلى تصفية معارضيه ، وقطع الطريق على أي نوع من المعارضة العلوية الأهلية والمدنية والسياسية ، تحت طائلة الحبس والتعذيب والتصفية الجسدية ، ولنا شواهد غير قليلة في ذلك : ( تصفية شخصيات : المقدم محمد عمران في طرابلس ، وصلاح جديد ، وغازي كنعان ، وشاعر من آل الخير ، .. الخ ) . وصارت الطائفة رهينة لآل الأسد ، وموردا بشريا مناسبا له لخدمة أغراضه ، والسهر على أمنه وأمن نظامه الديكتاتوري الطويل .

       خلاصة القول: إن العلويين في المنطقة الساحلية ، ليسوا وحدهم فيها ، بل يشاركهم وينافسهم السنة ( في المدن والأرياف) ، وكذلك المسيحيون . والمنطقة الساحلية ليست صافية ووحيدة اللون والانتماء والتصنيف ، بل هي مزيج من المكونات لايسمح بانفراد المكون العلوي بتقرير مصير المنطقة ، والسعي لفصلها عن سوريا تحت مسمى إقامة الدولة العلوية ، هروبا من الصراع الجاري حاليا مع السنة في سوريا كما يسوق آل الاسد . وهذا الهروب مستحيل ، ولايمكن أن يكون حلا واقعيا وممكنا لإنقاذ الأسد ومن معه .. أو كما يروج الشبيحة : لإنقاذ الطائفة . التي يجب إنقاذها من الأسد نفسه ، لامن الثورة التي يراها الشبيحة ثورة سلفية سنية طائفية ، ولايستطيع رؤيتها بغير هذا اللبوس .
    
ليس مهما مايريده الأسد وشلته من المتطرفين العلويين المؤيدين له ، بل مايريده سائر السوريين، ومن ضمنهم أهل الساحل من العلويين وغير العلويين ، وهؤلاء سيقاومون أي مسعى لإقامة كيان علوي انفصالي . وسيتوفر لهم الدعم اللازم من السوريين والعالم لقطع الطريق على أي مغامرة انفصالية قد تخطر في بال بعض العلويين من أتباع الأسد . وسوف تكون حتما مغامرة انتحارية قاتلة وفاشلة ، ولن يتمكن الروس والإيرانيون وغيرهم من تحقيق حلم يقظة بشار الأسد في إقامة دولة علوية مهما بذلوا له وقدموا من دعم ومساندة . إنه مشروع محكوم عليه بالفشل سلفا . وسيظل حلما عقيما في أذهان مريضة .

      المعركة الأخيرة .. ربما تكون في اللاذقية ، وسيجد الأسد نفسه عاريا معزولا ، وقد تشتعل المعركة بين العلويين أنفسهم ، في سياق تحطيم آل الأسد الفاسدين ، وسيشارك العلويون الأحرار في المعركة ضد بشار الأسد ، وضد شبيحته من المرتزقة والزعران والمجرمين الذين عاثوا فسادا وأذى في طائفتهم بالذات : نهبا وسلبا وعدوانا واغتصابا وسرقة وسطوا واستغلالا . وأؤكد القول : إن رهان إقامة كيان علوي منفصل عن سورية ، هو رهان خاسر ، وخسارته حتمية موضوعيا . وأدعو العلويين إلى الصحوة ، والتبرؤ من الحكم الديكتاتوري الأسدي الذي سود وجه الطائفة العلوية ، وأساء لها ، وقامر بها وبأبنائها ، وزجها في معركة ليست معركتها، وضحى بها وبمستقبلها ، وجعل منها وقودا في المحرقة التي ستحرقه وعصاباته عاجلا وليس آجلا .  ولايوجد عاقل من الطائفة العلوية يقبل ما قام به الأسد الأب والإبن ضد سورية والشعب السوري الحر ، والحر لايرضى لغيره العبودية ، ولا الإساءة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق