الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2018-03-12

تنابلة الزمان وتنابلة السلطان - بقلم: مصطفى مفتي


الحمد لله أن منَّ علينا بشرف المشاركة بهذه الثورة المباركة كل بقدر استطاعته وعلى طريقته.
ومن نِعم الله وفضله علينا أن جعل هذه الثورة كاشفة فاضحة لكل دعيٍّ متسلق ولكل جبان.
جاءت هذه الثورة فرقاناً بين الحق وأدعيائه، فكشفت زيف المضللين والدجالين والمنافقين من شيوخ السلاطين، وأزالت القناع عن وجوه المتنكرين، وأنهت حفلاتهم التنكرية البغيضة.
وفي نفس الوقت كشفت هذه الثورة عن مواهب وإمكانات وقامات رفيعة شريفة تستحق أن تحمل على الأعناق وأن توضع على الرؤوس، وأن تحمل على الراحات، لأن معدنها أصيل نفيس، ولكن التراب وتعاقب السنين في ظل حكم شمولي لعين أذهبها بعضاً من رونقها ونضارتها، وكما هي السنة الكونية في المعادن النفيسة عندما تؤجج فيها النيران وتصطلي بلهيبها، ينقشع عنها التراب، وتنفصل الشوائب، ويرجع للمعدن بريقه وألقه وجماله.

وأكثر مخرجات هذه الثورة إثارة للجدل، وأكثر ما يشعرنا بالحزن والألم هو ظهور شريحة من التنابلة يعيشون على هامش القضية! وكأنهم جاؤوا من حقبة أخرى! لا يشاركون في أي نشاط أو حركة، ولا يجيدون أصلا عمل أي شيء إلا الكلام، والاستهزاء، والطعن في الأعراض، وكيل التهم وتوزيعها على من يستحقها في نظرهم، ويوزعون الأوصاف والألقاب الكريهة التي يرونها لائقة بخصومهم، وينتقصون من كل عمل دون أثارة من علم أو فهم.
غافلين عن قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12) ﴾
يجلس أحدهم وقد وضع رجله فوق أُخراه، ونفخ دخان سيجارته وأخذ يتتبع سحابة نفثته وهي تتراقص بشكل مغزلي إلى أن تتلاشى، ثم يأخذ تنهيدة عميقة، ثم ينطلق مغرداً بعباراته الحكيمة التي تلخص المشهد المزري للثورة والثوار، فيسب ويشتم ويكيل الاتهامات والشتائم لكل المنظمات والهيئات والمؤسسات والجمعيات، ولكل الفصائل والعاملين في الميدان العسكري، ولكل المشايخ والعلماء، ولكل صغير وكبير، فالجميع مقصر وهو ناقم على الجميع دونما استثناء، فعلى سبيل المثال لم تقم المنظمات بما يتوجب عليها من دعمه لشراء علبتين من الدخان ونفس من التنباك بالنكهة المناسبة يومياً، مما يعكر صفوه ومزاجه، وبالتالي سينعكس سلبا على أداء الثورة السورية حتماً ؟!
طبعا أنا لا أنفي وجود الأخطاء من قبل جميع المكونات بنسب متفاوته، ولكن كل من يعمل قد يقع في الخطأ ويكفيه شرف السعي والبذل والعطاء من وقته وماله ودمائه وقوت عياله.
ولا شك أن مقارنة هؤلاء التنابلة بتنابلة السلطان فيه إجحاف كبير حيث لم يتعدَ أذى التنابلة الأوائل إلى غيرهم بل استسلموا لكسلهم واستغلوا بيوت العجزة التي بناها السلطان وادّعَوا العجز ليأكلوا ويشربوا فيها دون أن يعملوا، ومع ذلك أمر السلطان برميهم في النهر ليغرقوا فيه، وأما تنابلة زماننا فلم يكفِهم الجلوس والكسل والتقاعس بل وجهوا ألسنتهم سهاماً حداداً في كل صوب واتجاه، ونصّبوا من أنفسهم لجاناً للمحاسبة والمراقبة والتقويم وقياس الشفافية الإدارية والمالية، وجعلوا من أنفسهم قيمين على ثورة شعب لم يشاركوا فيها، أو لم يقوموا بحقها، وقد غاب عنهم قوله تعالى: ( ويل لكل همزة لمزة). وجهلوا أو تجاهلوا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم - إلا حصائد ألسنتهم ؟)
وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان والفاحش البذيء).
هدانا الله جميعا إلى دروب الهدى والرشاد، وأصلح شأننا، ورزقنا الإخلاص في القول والعمل، ونصر أهلنا في الغوطة وفي كل سورية، وأخذ بأيديهم وخفف عنهم وكتب لهم أجرهم، فالله ولي ذلك والقادر عليه.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق