الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2016-08-17

النظام الفيدرالي وسورية – بقلم: د. حسين إبراهيم قطريب

بتاريخ 17/ 3 / 2016م، وتحت عنوان: "سورية الاتحادية الديمقراطية ضمان للعيش المشترك وأخوة الشعوب" أعلن حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي عن إقرار وثقة نظام الاتحاد الفيدرالي، وتشكيل مجلس تأسيسي، ونظام رئاسي مشترك في مناطق يسميها "روج آفا" ما يعني كردستان الغربية في شمال سورية.
وأشارت وثيقة لذلك النظام نشرتها وكالة فرانس برس "إنه سيتم إنشاء مناطق الإدارات الذاتية الديمقراطية التي تدير نفسها في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والصحية والتعليمية والدفاعية والثقافية، وسوف يتم تحديد حدود هذه المناطق وصلاحياتها وفقا لقوانين النظام الجديد، وأن النظام الجديد سيحقق مشروعيته من خلال إرادة الانتخاب الحر من الشعب والجماعات المحلية”.
ونظام الاتحاد الفيدرالي هو نظام سياسي ينشأ عن حالتين: من حالة اتحاد عدد من الدول المستقلة في دولة واحدة تحكمها سلطة مركزية في بعض الشؤون، وسلطات محلية في شؤون أخرى، ومن تفكك دولة مستقلة إلى ولايات عدة تتمتع بقدر من الاستقلال الذاتي، وتبقى مرتبطة بالسلطة المركزية لدولة الاتحاد الفيدرالي.

والنظام الفيدرالي هو عبارة عن إدارة لعلاقات متنوعة متشابكة، ومصالح مشتركة على ساحة جغرافية واحدة، وصلاحيته محكومة بجملة من العوامل والظروف، أهمها ما يلي:
1- درجة الصفاء السياسي والاجتماعي داخل الأقاليم الفيدرالية.
2- مدى ترابط الأقاليم الفدرالية وحرصها على أمن الدولة المركزية والمصالح العامة.
3- مدى نجاح السلطة المركزية في إدارة العلاقات البينية لحكومات الأقاليم بما يخدم المصالح المشتركة، ويحقق العدالة والمساواة والاستقرار السياسي.
4- مدى التوازن بالتأثير بين المكونات السياسية والعرقية والدينية على مستوى النظام الفيدرالي العام وفي الأقاليم الفيدرالية.
النظام الفيدرالي الجيد هو من تتشكل وحداته أو أقاليمه الفيدرالية على أساس حدود إدارية واضحة، وحقائق جغرافية وسياسية نقية، وفي حال عدم توفر ذلك، لا شك سيكون نظاماً سياسياً فاشلا، وسيزيد من مشاكل الدولة إدارياً وسياسياَ وأمنيا، فهل يوجد في سورية أقاليم جغرافية تتصف بحقائق سكانية عرقية أو دينية نقية؟.
الأقاليم الفيدرالية المتوقعة أو المقترحة:
-     اقليم انتشار الأكراد في شمال سورية.
-     اقليم انتشار العلويين في منطقة الساحل.
-     اقليم انتشار الدروز في جنوب غرب سورية.

فهل تشكل الأقليات المذكورة أغلبية سكانية في مناطق انتشارها؟، وهل تملك حيزا جغرافيا متصلا خاصا بها؟.



الأقلية الكردية في سورية:
يشكل الأكراد في سورية نسبة 8،5% من مجموع السكان، حسب الإحصاءات الرسمية للدولة، وحوالي 11% حسب تقديرات أخرى محايدة، ومعظمهم من المسلمين السنة، ويتوزعون في إقليم انتشارهم الرئيسي في شمال سورية على المحافظات السورية كما يلي:
-     محافظة الحسكة 35،6% من مجموع سكان المحافظة.
-     محافظة حلب 12,8% من مجموع سكان المحافظة.
-     محافظة الرقة أقل من1% من مجموع سكان المحافظة.
ويشكل الأكراد في محافظة الحسكة حوالي 40% من أكراد سورية، وتتكون المحافظة من /4/ مناطق إدارية، ومن /16/ ناحية، ومن /1717/ قرية، وتتلخص الحقائق السكانية فيها بما يلي:
-     يشكل العرب أغلبية سكانية في منطقتين إداريتين هما: الحسكة ورأس العين.
-     يشكل الأكراد أغلبية سكانية في منطقتين إداريتين هما منطقتا القامشلي والمالكية.
-     يشكل العرب أغلبية سكانية في /10/ نواحي من نواحي محافظة الحسكة.
-     يشكل الأكراد أغلبية سكانية في /6/ نواحي من نواحي محافظة الحسكة.
-     عدد القرى العربية /1161/ قرية، ما يعادل 68% من مجموع عدد قرى محافظة الحسكة.
-     عدد القرى الكردية /453/ قرية، ما يعادل 26% من مجموع عدد قرى محافظة الحسكة.
كل المؤشرات الديمغرافية الحضرية تشير إلى أن الأكراد لا يشكلون أغلبية سكانية في محافظة الحسكة، والغالبية السكانية فيها هي للأثنية العربية.


أما في منطقتي عين العرب وعفرين "محافظة حلب" فتتكون منطقة عين العرب من ثلاث نواحي، هي: ناحية مركز المدينة، وناحية شيوخ تحتاني، وناحية صرين، ويشكل الأكراد أغلبية السكان في ناحية مركز مدينة عين العرب، بينما يشكل العرب الأغلبية السكانية في ناحيتي شيوخ التحتاني وصرين، وأغلبية السكان على مستوى المنطقة بكاملها.


أما منطقة عفرين فتتكون من سبع نواحي، وحوالي 360 قرية صغيرة، تعد المنطقة الإدارية الوحيدة في سورية ذات طابع سكاني كردي، وهي منطقة إدارية صغيرة لم يتجاوز عدد سكانها في عام 2004 الـ 173 ألف نسمة.

النصيرية (العلويون):
تقدر الأوساط الموالية للنظام نسبة العلويين في سورية بـ 10,2% من مجموع السكان، ويتوزع العلويون في إقليم انتشارهم على المحافظات السورية كما يلي:
-     محافظة طرطوس 69% من مجموع سكان المحافظة.
-     محافظة اللاذقية 57,6% من مجموع سكان المحافظة.
-     محافظة حمص 25,5% من مجموع سكان المحافظة.
-     محافظة حماه 16,9% من مجموع سكان المحافظة.




الدروز:
الدُّروز عرب من قبائل تنوخ هاجروا من اليمن إلى بلاد الشام، ويعود أصلهم المذهبي إلى الإسماعيلية، قبل أن يقولوا بألوهيَّة الحاكم بأمر الله سنة (408هـ).
ويشكل الدروز من سكان سورية نسبة 1,8%، ويتوزعون على المحافظات السورية في إقليم انتشارهم كما يلي:
-         محافظة السويداء 80% من مجموع سكان المحافظة، وهي مركز ثقلهم الأساسي.
-         محافظة القنيطرة 0،6% من مجموع سكان المحافظة.
-         محافظة درعا لا يوجد





نتائج وتوصيات:
لا يصلح النظام السياسي الفيدرالي للتطبيق في سورية من أجل حل مسألة الأقليات وذلك للمبررات التالية:
     الأقليات المعنية بالأقاليم الفيدرالية لا تشكل أغلبية سكانية في أقاليم انتشارها، وإنما هي أقليات سوف تحكم أكثرية وتنوع ديمغرافي اثني وديني مذهبي.
     ولأنه سيكون نموذجاً سياسياً سيئاً في سورية، ومنبعاً لمشاكل وأزمات محلية بين المكونات السكانية المتنوعة في جميع أقاليمه المفترضة.
     ولأن التنوع الديمغرافي الاثني والديني الموجود في سورية، ستبقى صورته ماثلة على مستوى الأقاليم الفيدرالية المتوقعة، كما هي على مستوى الجغرافية السورية العامة، ولا يوجد في سورية أقاليم خاصة تتمتع بالصفاء والنقاء على أساس عرقي أو ديني.
     ففي إقليم انتشار الأكراد، سوف تحكم الأقلية الكردية بموجب النظام الفيدرالي الأكثرية العربية، بالإضافة إلى اثنيات عرقية أخرى كالسريان والتركمان والآشوريين.
     وفي إقليمي انتشار العلويين والدروز، سوف يحكم العلويون والدروز أغلبية مسلمة سنية، بالإضافة إلى أقليات اثنية ودينية ومذهبية أخرى، كالمسيحيين، والأكراد، والاسماعيلية، والتركمان، والشركس.
     إن تطبيق النظام الفيدرالي في سورية سيكون بمثابة إعادة إنتاج أو توريث حكم الأقلية الواحدة "العلويون" لأقليات أخرى.
     النظام السياسي الفيدرالي سيكون غطاءً لتقسيم سورية وإضعافها كدولة في مواجهة الكيان الصهيوني.
     النظام السياسي الفيدرالي سيشكل اختراقاً أمنياً وسياسيا لسورية، لأن الأقليات بموجبه لن ترتبط ارتباطا وثيقا بالدولة السورية المركزية، بقدر ما سوف ترتبط بالجهات الدولية التي ساعدتها على تحقيق أهدافها بالحكم الذاتي الفيدرالي.
     على جميع السوريين الوطنيين الشرفاء أن يكونوا أكثر عقلانية في أمر معالجة مسائل الحقوق السياسية والثقافية.
     وعلى الأكراد بشكل خاص توحيد رؤيتهم السياسية بشأن حقوقهم، والبحث عن تأمينها بوسائل مشروعة في الإطار الوطني والحكم الرشيد.
     إن حل مسألة حقوق الأقليات ضمن الإطار الوطني، لا ينجح إلا من خلال نهج سياسي مؤسس على قيم العدالة والمساواة، واحترام الدستور، والاعتراف بالآخر، واحترام الخصوصيات والهويات الثقافية، وتعزيز روح المواطنة.
     عندما تمر الدولة في ظروف حساسة وبتحولاتٍ سياسية كبرى، كما هي سورية حالياً، فإن العلاقة بين الدولة والأقليات ستشكل تحدياً كبيراً للدولة ونظامها السياسي، الأمر الذي يتطلب حكمة التصرف مستقبلا.
     إن ضمان حقوق الأقليات، واحترام هوياتها وثقافاتها الخاصة بها في سورية، لا يعني أبدا أن يكون ذلك على حساب الهوية العربية الإسلامية لسورية، فسورية جزء حيوي من أمتيها العربية والإسلامية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق