الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2017-05-12

آذار وبحار الدم (الحلقة الثانية) التنظيمات العسكرية المنافسة لتنظيم حزب البعث داخل الجيش السوري – بقلم: محمد فاروق الإمام

يؤلف الناصريون على الصعيد العسكري اتجاهاً عريضاً يضم بين جنباته عدداً كبيراً من الضباط بالنظر إلى التكتلات الأخرى. ولكنه مع ذلك بقي تياراً عاماً، مجزأً، متناقضاً، وله عدة مراكز قوى للتقرير والتوجيه، ولم ينجح بالتالي في تكوين تنظيم موحد ومتماسك ومبني بناء قوياً، ولا في إيجاد خطة عمل تحدد الخطوات العملية وتتلاءم مع ظروف الواقع الجديدة. وكانت التعليمات والتوجيهات تأتيه من القاهرة أو من سفارة الجمهورية العربية المتحدة في بيروت. وكان يضع نصب عينيه هدفاً وحيداً، يتلخص في إزالة حكم الانفصال وإعادة الوحدة الفورية مع مصر.
مجموعات الضباط المستقلين

لقد كانت مجموعات الضباط المستقلين في الواقع، هي الأقوى من الناحية العددية.. ولربما الوحيدة التي يمكنها أن تقوم بعمل فعّال وحاسم ضد نظام الحكم. وإلى جانب الطموحين من كل نوع.. والفئات التي تسير مع التيار العام، فهي تحوي عناصر وحدوية وتقدمية دون أن نعطي إلى كلمة وحدوية وتقدمية معنىً محدداً وواضحاً. وإذا كان الضباط المستقلون وحدويين، ومتعاطفين مع القاهرة غير أنهم لا يفكرون أبداً في أن يتم هذا التعاون والتقارب بنفس طريقة الضباط الناصريين. لذلك فقد كان الاتجاه العام للضباط المستقلين أكثر ميلاً وأقرب للتعاون والتنسيق مع مجموعة الضباط البعثيين.
جماعة المقدم زياد الحريري
في النصف الثاني من عام 1962م، تجمع عدد من الضباط حول المقدم (زياد الحريري) قائد الجبهة السورية-الإسرائيلية، ثم انضم إليه اللواء (عدنان عقيل)، رئيس شعبة المخابرات، واللواء (نامق كمال) رئيس أركان الجيش والقوات المسلحة.
يقول اللواء عبد الكريم زهر الدين في مذكراته: (إن المؤامرة كانت تحاك في وضح النهار وبالعلن، دون أن يكون في استطاعة حكومة خالد العظم العاجزة من أن تضع حداً لتدهور الأوضاع التي ستؤدي حتماً إلى زوالها وزوال عهد الانفصال معها).
في مطلع عام 1962م، اتفقت المجموعات الثلاث داخل الجيش السوري على تنفيذ انقلاب عسكري مشترك، يطيح بالانفصال. ولكن رغم هذا الاتفاق فإن الحذر وسوء النية والشك وعدم الثقة فيما بينها كان طابع العلاقات بين الناصريين والبعثيين.
وقعت في أوائل عام 1963م حادثتان في غاية الأهمية: محاولة الانقلاب الفاشلة التي قادها (عبد الكريم النحلاوي) في 13 كانون الثاني. واستلام البعث السلطة في العراق في 8 شباط، والذي كان دعماً سياسياً ومعنوياً للضباط البعثيين السوريين.
بعد نجاح حركة البعث العراقي، وجد أعضاء اللجنة العسكرية أنفسهم مرغمين على تحسين صلاتهم بالقيادة القومية، التي من خلالها يحكم البعث في العراق. فقد صرح الحكام الجدد في العراق علناً بانتمائهم إلى اتجاه الأمين العام للحزب (ميشيل عفلق). عند ذلك لعب الضباط البعثيون السوريون بدهاء ورقة المقدم (زياد الحريري) الذي تحدد له بالفعل دور (حصان طروادة) وكان يخضع تحت مراقبة حذرة من قبل ضابطين بعثيين هما: (سليم حاطوم وسليمان حداد) اللذان كانا عضوين في قيادة الجبهة السورية-الإسرائيلية.
الشركاء المتربصون ببعض
وفي منتصف شهر شباط تقريباً، وضع منظمو الحركة الانقلابية لمساتهم الأخيرة على خطتهم الانقلابية: وقبل (48) ساعة من بدء عملية التنفيذ، سمّي (صلاح الدين البيطار) رئيس حكومة (اتحاد وطني)، بغض النظر عن التحفظات التي كان يبديها أعضاء اللجنة العسكرية بالنسبة لشخصه. وقد كانت لهذه التسمية أسبابها الجوهرية، وهي تتلخص في أن البيطار يحوز على ثقة القيادة القومية، ولا يثير كثيراً من مخاوف الناصريين. وقد تحددت ساعة الصفر في (7) آذار لانطلاق التحرك العسكري.
في هذه الأثناء بالذات حصل تعديل في قيادة الأركان العامة للجيش، وعين بعض الضباط الناصريين في مراكز مهمة، خاصة الشخصية القيادية فيهم اللواء (راشد القطيني) الذي سمي رئيساً لشعبة المخابرات، وكذلك اللواء (محمد الصوفي) العائد من الاتحاد السوفييتي، وعين قائداً للواء الخامس في حمص.
هذا التحول الجديد الذي لم يكن يتوقعه الناصريون، دفع القطيني والصوفي، في (6) آذار، إلى تراجعهما وإقناع حلفائهما من البعثيين بالرجوع كذلك عن قرارهم والتخلي عن مشروعهم الانقلابي. وفي حال إصرار البعثيين على تنفيذ خطتهم كما هي موضوعة، فإنهما لن يشتركا معهم في هذا التحرك العسكري. وكانت حجتهما أن الوضع العام في الجيش قد تحسن وأصبح أكثر ملاءمة من السابق للقيام بثورة (بيضاء).
لقد فرض على منظمي الانقلاب بعد تخلي الضباط الناصريين أن يدخلوا بعض التغيير في خطتهم، وأن يؤخروا تنفيذ عمليتهم مدة أخرى، فإن ابتعاد الناصريين وموقفهم السلبي من الحركة، أدى خدمة كبيرة لم يكن يحلم بها أعضاء اللجنة العسكرية، حيث أصبح الطريق ممهداً أمام الضباط البعثيين لكي يلعبوا دورهم كنواة وحيدة ومنظمة تنظيماً دقيقاً، وأن يكونوا محور الحركة الانقلابية، وبالتالي محور النظام الجديد.
لقد كان الضباط الناصريون - كما ذكرنا سابقاً - يشكلون على الصعيد العسكري، اتجاهاً عريضاً يضم عدداً كبيراً بالنظر إلى التكتلات الأخرى، ولكنه اتجاه مجزأ ومفكك وضعيف وغير متجانس ولا متلاحم، جمعتهم العاطفة ونشوة الوحدة، كذلك كان هذا التشكيل مخترق من قبل عناصر مدسوسة دسّتها اللجنة العسكرية البعثية بين أفرادها.. وفوق ذلك لم تكن لهم قيادة موحدة أو مرجعية يلتفون حولها.
أما الضباط المستقلون فقد تبلور موقفهم حول المقدم زياد الحريري، قائد الجبهة السورية مع إسرائيل، وكان معه من الضباط الكبار اللواء عدنان عقيل رئيس شعبة المخابرات، واللواء نامق كمال رئيس الأركان.
في منتصف شهر شباط تقريباً، وضع رجال اللجنة العسكرية لمساتهم الأخيرة على خطتهم الانقلابية. وقبل 48 ساعة من بدء عملية التنفيذ، سمي صلاح الدين البيطار رئيس حكومة (أتحاد وطني) وسبب اختيار اللجنة العسكرية لصلاح الدين البيطار، أنه يحوز على ثقة القيادة القومية، ولا يثير مخاوف الناصريين. وتحددت ساعة الصفر يوم 7 آذار 1963م لانطلاق التحرك العسكري.
أمام تخلي الناصريين عن المشاركة في مشروع الانقلاب، اضطر البعثيون إلى أن يدخلوا بعض التغيير في خطتهم، وأن يؤخروا تنفيذ عمليتهم 24 ساعة. فأصبح التاريخ الجديد لساعة الصفر صباح يوم الثامن من آذار، ومن ناحية أخرى شعر البعثيون بعد ابتعاد الناصريين عنهم وكأنهم أزاحوا كابوساً عن ظهورهم. وهكذا أصبحت الطريق ممهدة للانفراد بالانقلاب.
يتبع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق