الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2018-05-08

بالجهاد وحب الاستشهاد.. تحيا الأمة.. وتعيش الدعوات [باختصار، من مجلة الفرقان (العدد 11 – كانون الأول/2000م)، بقلم: د. عبد الله فرج الله] (نقله: محمد عادل فارس)


"مَن مات ولم يغز، ولم يحدّث به نفسه، مات على شعبة من النفاق". رواه مسلم وأبو دواد.
لماذا؟!.
هذا الحديث الشريف بالغ الأهمية والخطورة، فهو يؤكد أهمية الجهاد في سبيل الله، ويرشد إلى تربية النفس على حب الجهاد، فإن لم تُتَحْ فرصة الجهاد الحقيقية فلا أقل من أن يكون الجهاد حديثَ النفس، وهمس الوجدان، وشوق الروح.
فإن لم يحدث هذا، ولم يتحقق ذاك، فهنا تكون الخطورة البالغة، أن لا تجاهد، وأن لا تحدث به نفسك، ولا تمني به روحك، ولا يسرح فيه خاطرك، ثم تريد أن تكون بعد ذلك مؤمناً خالصاً... إن هذا لا ينسجم أبداً مع حقيقة الإيمان حين تستقر في الضمير والوجدان، ذلك أن الإيمان الحقيقي يستنفر الطاقات، ويشخذ الهمم، ويحيي الآمال، ويجدد الأشواق للشهادة في سبيل الله.
نعم، لماذا؟!.
لأن الجهاد – حقيقة- هو الأساس الذي يجب أن يتربى عليه الرجال، ولأنه المادة الرئيسة في منهاج الإسلام، المادة التي تغرس في نفوس أبنائه العزة والكرامة، والهيبة والمكانة العالية.
إنه الذروة (ذروة سنامه الجهاد)!!.
الدعوة التي تربي أبناءها على الجهاد وتحيي في نفوسهم حب الاستشهاد، وتذكّرهم بالمعاني العظيمة التي غرسها الرسول صلى الله عليه وسلم في نفوس صحابته الكرام رضي الله عنهم، حين قادهم في سبع وعشرين غزوة في عشر سنين، وحين جهزهم وأمرهم بالخروج لقتال العدو أكثر من مئة مرة!! وعندما كان يردد على أسماعهم دائماً – حتى تزداد تلك المعاني رسوخاً وثباتاً في نفوسهم- هذا القسم العظيم: "والذي نفسي بيده، لولا أن رجالاً من المؤمنين لا تَطيب أنفسهم أن يتخلفوا عني، ولا أجد ما أحملهم عليه، ما تخلفتُ عن سرية تغزو في سبيل الله، والذي نفسي بيده لوددت أن أُقتَل في سبيل الله ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل". رواه البخاري ومسلم.
ولطالما قال لهم صلى الله عليه وسلم، رابطاً الجنة بالجهاد والاستشهاد: "اعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف". أخرجه الشيخان.
ثم تراه بعد ذلك يؤكد أن الشهادة ثمرة توجه حقيقي، وسؤال صادق، ورجاء حار، ونية خالصة، إذ يقول صلى الله عليه وسلم: "من سأل الله تعالى الشهادة بصدقٍ، بلّغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه". أخرجه الخمسة إلا البخاري.
فهل بقي بعد هذا عذر لأحد؟!.
وهذا غيض من فيض نبوي عطر، فاضت به روحه، فغمرت أرواحهم، وأحيت نفوسهم، حين تشربت هذه المعاني الجليلة التي رسخت واستقرت فآتت أكلها: إقبالاً على الله، وجهاداً في سبيله، ونشراً وانطلاقاً بدعوته. شعار أحدهم: (وعَجلْتُ إليك ربّ لترضى). فتخففوا من أوحال الدنيا، وعافت نفوسهم حياة الدعة والسكون.. تركوا البحث عن الرفاهية في المتعة الزائلة.. فامتطوا صهوات خيولهم، وركبوا مطايا الجد والعزيمة، فكانوا "رهبان ليل فرسان نهار"، أمنية أحدهم رباط ليلة في سبيل الله تعالى، فتنافس في ذلك الأب والابن واقترعوا على المشاركة، وتسابق الأقران من الأبناء والصبيان...
بهذه النفوس المؤمنة المحبة للجهاد، الحريصة على الاستشهاد، رفرفت رايات العز والكرامة، فمكن الله لدينه، ودخل الناس في دين الله أفواجاً.. وصينَتِ المقدسات، وحُفظت الأعراض والأوطان.
وحين يبتعد الدعاة، وتنأى الدعوات بأصحابها ومناهجها عن هذه المعاني، ويغفُلون عن التربية الجهادية، سرعان ما يصيبهم داء "الغثائية" الناتج عن "فيروس الوهن" الذي ذكره صلى الله عليه وسلم وبيّن أنه: "حبّ الدنيا وكراهية الموت". من حديث رواه أبو دواد.
فقد أصبحنا حتى على مستوى النخب الدعوية الجادة كثرةً كاثرة، وأعداداً هائلة، نُعَدُّ بمئات الآلاف، من الطاقات الشبابية، التي لا تنقصها الحماسة، ولا تعوزها الحاجة. ونتساءل: ما الوزن الحقيقي لهذه الجموع الهائلة في ميدان الفعل الحقيقي؟ وما الإنجازات الكبيرة لهذه الجموع الهائلة على مستوى الأمة، وإلى متى تبقى هذه الجموع منشغلة بقضايا جزئية، وأمور هامشية، وحاجات سطحية، ومتطلبات حزبية؟!.
الإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله، الذي عاش الجهاد، وأدرك أسراره، وجهز كتائبه، وسير ركبانه، كان يعيش لهذا المعنى، ويسعى إليه بكل وضوح، فلم يمهلوا الرجل طويلاً، فجاءت الأوامر بقتله واغتياله، ذلك أن في أمثال هذا الرجل يكمن الخطر الذي يهدد عروش الظالمين ومصالح المستعمرين.
قتلوه – قاتلهم الله– لأنه أدرك سر الموت وكنهه، وأيقن أن الموت صناعة، وأن الأمة التي تُحسِن صناعة الموت، وتعرف كيف تموت الموتة الشريفة، يهب لها الله الحياة العزيزة في الدنيا، والنعيم الخالد في الآخرة.
وقد أكد التاريخ قديمه وحديثه أن أمتنا ما دلفت إلى الاستقلال والسيادة والريادة والمنعة ورهبة الجانب إلا من بوابة الجهاد والاستشهاد.. فلمَ لا يتصدر برنامج الجهاد سلم الأولويات عند الحركات الإسلامية، فيتربى على معانيه الأتباع، أو لنقل الصفوة من الأتباع، فالسكون والاستكثار من المباحات، والانغماس في كثير من الشهوات الطيبة، يُثْقِل الدعاة، ويزيد من ركونهم وأُنْسِهم بالدنيا، ويؤدي إلى برودة عند أصحاب الدعوات.
والواقع ومتغيراته ومتطلبات الظروف الراهنة، تقتضي نفرة دائمة، وتأهباً يقظاً، واستجابة سريعة، وحركة دائبة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق