الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2016-04-08

وأعدّوا لهم - بقلم: د. أحمد محمد كنعان

يلاحظ أن حركات " الإسلام السياسي" كما شاع وصفها هذه الأيام تتخذ من " الجهاد" وسيلة أساسية لنشر الإسلام وللدفاع عن الأمة في مواجهة مؤامرات أعدائها ، وتتخذ هذه الحركات في جهادها عنواناً أساسياً من قوله تعالى : ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوةٍ ومن رباط الخيل تُرهبون به عدوَّ الله وعدوكم ) سورة الأنفال، الآية ٦٠، وقد سبق أن قرأتُ هذه الآية الكريمة عشرات المرات، بل مئات المرات فكنت أفهم منها الدعوة إلى ضرورة إعداد القوة العسكرية أو المسلحة ، لكني اليوم قرأتها فانقدح في ذهني معنى جديد لم يسبق أن أدركته من قبل، وهو أن الآية الكريمة تشير إلى نوعين من القوة :
- قوة عسكرية : أشارت لها الآية برباط الخيل ، لأن الخيل كان في زمن نزول القرآن الكريم هو العصب الأساسي في القوة العسكرية.

- قوة غير عسكرية : وهي التي عبرت عنا الآية بقوله تعالى : ما استطعتم من قوة، فالآية تورد لفظ القوة بصيغة نكرة ما يعني أشكالاً أخرى من القوة غير القوة العسكرية التي أشارت إليها بعد ذلك برباط الخيل ، وهذه القوة غير العسكرية هي ما أصبح يطلق عليه اليوم وصف " القوة الناعمة" فما هي القوة الناعمة ؟ وما تأثيرها في مقابل القوى العسكرية التي وصلت اليوم إلى درجة مرعبة قادرة على التدمير الشامل، لا تدمير المدن كما فعلت قنبلتا هيروشيما وناغازاكي في اليابان، وإنما أصبحت قادرة على تدمير كوكب الأرض ليمسي أثراً بعد عين، فما قيمة القوة الناعمة في مواجهة هذه القوة المدمرة ؟!!
الجواب أن القوة الناعمة استطاعت بجدارة أن تفعل ما لم تستطعه أسلحة التدمير الشامل، فما هي القوة الناعمة ؟ وكيف تفعل ؟
القوة الناعمة ( Soft power) : مصطلح صاغه الأمريكي "جوزيف صموئيل ناي" أستاذ العلوم السياسية في جامعة هارفارد، ونشره في عام ٢٠٠٤ في كتابه "القوة الناعمة: وسائل النجاح في السياسة الدولية"، وقد أراد بهذا المصطلح التعبير عن القدرة على تحقيق الأهداف السياسبة دون إكراه بوسائل غير عسكرية، واليوم أصبح المصطلح يستخدم على نطاق واسع في البحوث السياسية والاستراتيجيةق، ولعل أبلغ ما يعبر عن المقصود بالقوة الناعمة ما صرح به وزير الدفاع الأميركي "روبرت جيتس" الذي دعا إلى الحاجة لتعزيز القوة الناعمة الأمريكية عن طريق "زيادة الإنفاق على الأدوات المدنية ، وعلى الدبلوماسية والاتصالات الاستراتيجية، وتقديم المساعدات الأجنبية، وإعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية"
وهذا ما تنبهت له الصين مبكراً على عكس ما فعله الاتحاد السوفياتي الذي توجه إلى القوة العسكرية مع أن الاتحاد السوفياتي والصين كلاهما يتبنيان "الماركسية" فماذا كانت النتيجة؟ لقد امتلك الاتحاد السوفياتي أكبر ترسانة من الأسلحة النووية وكانت مركباته الفضائية تحط على سطح القمر، لكن كل ذلك لم ينفعه، ووجد نفسه آخر المطاف أمام أزمات طاحنة انتهت به الى الانهيار والتفكك، بينما أصبحت الصين قوة اقتصادية عظيمة جعلها تقف في وجه العالم باقتدار، وترفض دخول مجلس الأمن إلا أن يكون لها حق النقض ( الفيتو) أسوة بالدول العظمى التي تشكل هذا المجلس ! وهكذا حققت الصين هذه المكانة العالمية من خلال القوة الناعمة وليس من خلال القوة العسكرية التي أفشلت الاتحاد السوفياتي!! وكما يصدق هذا عن الصين وما حققته من خلال القوة الناعمة يمكن أن نقول الشيء نفسه على العديد من الدول التي اعتمدت القوة الناعمة في تطوير نفسها ، كما فعلت مثلاً دول جنوب شرق آسيا التي أصبحت توصف ب"النمور الآسيوية أو نمور شرقي آسيا  وهي ( تايوان، سنغافورة، هونغ كونغ، كوريا الجنوبية) التي حققت من خلال الاقتصاد ما لم يحققه الاتحاد السوفياتي بترسانته النووية، ويمكن القول نفسه عن اليابان التي خرجت من الحرب العالمية الثانية مدمرة، لكنها استطاعت بالقوة الناعمة المعتمدة على النمو الاقتصادي أن تقف على قدميها بقوة ، وتقول " لا" للولايات المتحدة التي أرغمتها على استسلام مهين قبل سنوات قليلة !!
من خلال هذه الشواهد وأمثالها  كثيرة هذه الأيام ندرك البعد الاستراتيجي الذي يشير إليه قوله تعالى : ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ... الآية) وهو البعد الذي  - للأسف - لم يدركه المسلمون حتى الآن ، ومازال نشيدهم المفضل : (السيفُ أصدق انباء من الكتبِ )فما زالوا يتلمظون لامتلاك القنابل الذرية،  وأسلحة التدمير الشامل، في الوقت الذي يئن كثير منهم تحت وطأة الفقر والأمية  والاستبداد والفساد ... فتأمل !!!؟


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق