الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2016-03-16

"عبد الناصر" شيخ الطريقة – بقلم: د. أحمد محمد كنعان


ومن منا نحن العرب ينسى " ناصر" زعيم العروبة الأوحد.. زعيم الوحدة العربية ... الزعيم الملهَم ... الزعيم الخالد ... وآخر الأنبياء على حد تعبير نزار قباني؟!!
من منا ينسى بصمات "ناصر" على تاريخنا المعاصر؟!!
وقبل هذا وذاك من منا ينسى "نكسة ٦٧ " التي توجت مشروع ناصر بهزيمة عربية نكراء أمام إسرائيل التي ظل "ناصر" وأبواقه الإعلامية على مدى نصف قرن يعدنا بإلقائها في البحر، تمهيداً للوحدة العربية الشاملة ... من منا ينسى ذلك ؟!!
لكن ... في الواقع أنا لم أفتح أوراق ناصر هنا للحديث عن النكسات والكوارث التي أصابتنا من ناصر!!

ولم أفتح هذه الأوراق الموجعة للحديث عن الإحباط وجلد الذات، وإنما فتحت هذه الأوراق في محاولة لقراءتها قراءة جديدة على ضوء أمنيات عريضة تمنيت لو أنها حصلت فعلاً على أيدي ناصر صاحب الشخصية الآسرة والكاريزما الفريدة التي استطاع بها أسر عقول العرب وكان بإمكانه توجبههم يمينا إن أراد ويسارا إن أراد، فكم تمنينا لو أنه سارت بنفسه وبالأمة العربية وجهة أخرى غير التي اختارها، لنرى كيف كان حالنا اليوم نحن العرب لو أنه فعلها ناصر لكانت حالنا اليوم غير ما نراها:
وعلى سبيل المثال : كيف كانت حالنا اليوم نحن العرب لو أن "ناصر" بعد انتصار مصر في مواجهة "العدوان الثلاثي" في عام ١٩٥٦، لو أنه بدلاً من تنصيب نفسه زعيما أوحد ، لو أنه أعاد الجيش إلى ثكناته ومنعه من العمل السياسي، ولو أن ناصر استقال من منصبه العسكري وتحول الى العمل السياسي المدني وساهم في إجراء انتخابات برلمانية ديمقراطية إلى جانب بقية الأحزاب الإسلامية واللبرالية الوطنية التي كان لها دور لا ينكر في المشاركة ضد العدوان؟!!
أقول كيف كانت حالنا اليوم لو أن ناصر فعل ذلك ؟!! إن هذه الأفكار لا نطرحها مجرد أمنيات معلقة في الهواء وإنما هي أفكار نريد بها العبرة من الماضي  من أجل تأسيس مستقبل أفضل فهذه الأفكار التي نطرحها اليوم على أنها أمنيات، لم تكن أمام عبد الناصر مجرد أمنيات، وإنما كانت خيارات متاحة أمامه ، لكنه للأسف اختار أسوأها .. فاختار الطريق العسكري والاستبداد الذي تجرعنا منه مرارات ... ومازلنا!!! ولو أن " ناصر" اختار الطريق الآخر لكانت حالنا اليوم غير حالنا، ولو فعل ذلك لقدّم مثالاً عملياً يقطع الطريق على موضة الانقلابات العسكرية التي ذقنا منها الأمرّين ، ولو أنه فعل ذلك لجعل من مصر دولة عصرية تضع قدمها بثبات على طريق التقدم والتطور، وجعل حالها اليوم أفضل بكثير من الدول الأخرى التي نالت استقلالها بعد مصر بزمن طويل، وأصبحت اليوم دولاً صناعية كبيرة تصدر منتجاتها إلى العالم كله بما في ذلك الدول الكبرى، بينما بقيت مصر دولة ضعيفة تعاني من رجس الانقلابات العسكرية ، وتعاني مل تعاني من تألُّه العسكريين على شعبها الطيب!!
نقول لو فعل ناصر ذلك واختار الطريق الآخر فأسس دولة مدنية ديمقراطية بدل الدول العسكرية البوليسية التي بناها إذن لحقق لمصر ، بل للعرب كلهم أكثر مما حققته تلك الدول التي سبقتنا بأشواط، وإذن لانتقل ليس بمصر وحدها وأنما بالعرب جميعاً نقلة تاريخية نوعية من عصر التخلف إلى "عصر الأنوار" الذي طالما انتظرناه!!
بل لو أن " ناصر" اختار هذا الطريق لحقق لنفسه زعامة أكبر بكثير من الزعامة التي حققها باختياره الطريق العسكري، حين اعتبر انتصار ٥٦ الذي حققه الشعب المصري بمختلف أطيافه، اعتبره ناصر نصراً شخصياً يبيح له التفرد بالزعامة، وجاء المنافقون حوله فكبروا في نفسه شيطان الزعامة، ما جعله ينصّب نفسه زعيماً أوحد لا معقّب لأمره !!
ولكي يستكمل ناصر أدوات الزعامة أسس جهاز أمن رهيب يحصي على الشعب أنفاسه، ويسوق الناس إلى السجون على الشبهة، وأضاف إلى ذلك تأسيس وسائل إعلام مردت على النفاق أصبح همها الوحيد أن تسبح بحمد الزعيم ، وتعدد إنجازاته وانتصاراته الوهمية وتضخمها، وليته اكتفى بهذا فقط، فقد أضاف إلى ذلك بدعة جديدة فكرّس نفسه رئيساً مدى الحياة ضارباً بالأعراف الجمهورية عرض الحائط ، واختط بهذه الخطوة منهجاً شيطانياً سار على دربه كثير من زعماء العروبة التي لم تعد تنبض!!
والعجيب ... أن صورة ناصر التي تمنيناها والتي كانت كفيلة  بتغيير تاريخنا المعاصر نحن العرب وكانت كفيلة أن تنقلنا بجدارة إلى عصر جديد يحترم حقوق المواطن ، نقول على الرغم من عدم تحقيق أمنياتنا تلك ، فإن الصورة المعاكسة التي اختارها ناصر لنفسه قد غيرت تاريخنا بالفعل، لكن باتجاه معاكس غير الذي تمنيناه، فهذه الصورة السلبية التي أسسها "ناصر" أصبحت صورة نمطية سار على نهجها كل الزعماء العرب، ليس الذي عاصروه فحسب بل كذلك الذين جاؤوا من بعده، فقد أصبح عبد الناصر عند الزعماء العرب "شيخ طريقة" تضمن لهم البقاء في الكرسي مدى الحياة، ويتوارثه بين أبنائهم وأحفادهم، ولهذا راح هؤلاء الزعماء يتبركون بهذا الشيخ صاحب الكرامات، ويقدمون له القرابين البشرية من شعوبهم بلا حساب مصداقاً لقدسيته وعصمته!
فهل نأمل من ربيعنا العربي الحالي أن يحقق لنا الصورة التي تمنيناها من ناصر ؟!! أم يسفر الربيع العربي عن مريدين يسيرون على خطى الشيخ .. قدّس الله سره !!!؟


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق