الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2016-03-04

التطرف الديني ومناهج التعليم – بقلم: د. أحمد محمد كنعان

التطرف الديني.. هو الغلو ومجاوزة الاعتدال في الدين والتشدد فيه، وقد شاع الحديث عن التطرف الديني في السنوات القليلة الماضية نتيجة حوادث العنف التي ارتكبتها بعض الحركات المتشددة التي تحمل شعارات إسلامية، وساهم الإعلام المناوئ للإسلام بإبراز وتضخيم هذه الحوادث في محاولة خبيثة لصبغ الإسلام نفسه بالتطرف والإرهاب، حتى شاعت فكرة الخوف من الإسلام ( إسلاموفوبيا) في العالم، مع أن الذين يرتكبون حوادث العنف إنما هم في الغالب أفراد معدودون أو حركات مشبوهة يرفضها عامة المسلمين وعلماؤهم بسبب انحراف هذه الحركات وضلالها ومخالفتها لأصول الشرع الحنيف !!

وقد عقدت ندوات ومؤتمرات عديدة لدراسة  وتحليل ظاهرة "التطرف الديني" وطرحت خلال هذه الندوات والمؤتمرات تفسيرات مختلفة لأسباب هذا التطرف، فذهب بعض الباحثين إلى اتهام مناهج التربية والتعليم في المدارس العربية والإسلامية بتغذية التطرف، وبناء على هذه التهمة دعوا إلى تغيير مناهج التعليم، متجاهلين بقية الأسباب التي تدفع إلى التطرف الديني التي يأتي في مقدمتها "التطرف اللاديني" إذ نرى بعض الباحثين يتطاولون على الإسلام، ويتناولون المقدسات الإسلامية، دونما حساب لما تمثله هذه المقدسات من مكانة في نفوس المسلمين ما يدفع بعضهم إلى ردات فعل متطرفة أحياناً! فماذا تنتظر من مسلم يرى قرآنه ونبيه يتعرض للإساءة والاستهزاء؟!! وماذا تنتظر غير ردات الفعل العنيفة وأنت تسمع وترى من يدعو إلى حذف نصوص من القرآن الكريم والسنة النبوية بحجة أنها تدعو إلى الكراهية وتحضّ على التطرف والعنف ؟!!

ولا تتوقف المسألة عندالتطرف اللاديني الذي يدفع إلى التطرف الديني، بل هناك أشكال أخرى عديدة تدفع إلى التطرف الديني كذلك، نذكر منها "الظلم" الذي يقع على الناس فيدفعهم إلى ردات فعل متطرفة، منه مثلاً الظلم الذي ترتكبه الأنظمة الدكتاتورية والحكام الفاسدين ضد المجتمع، ما يدفع شريحة من المجتمع إلى ردات فعل متطرفة، ومنه كذلك الظلم الذي ينشأ عن تخلي المنظمات الدولية عن القيام بدورها في الدفاع عن المظلومين، كما نراه مثلاً من تخلي "مجلس الأمن" و "منظمات حقوق الأنسان" و "محكمة الجنايات الدولية" وغيرها من المنظمات الدولية التي أسست بداية لإحقاق الحق وإنصاف المظلومين، لكن وجدناها تتخلى عن هذا الدور، وتسكت عن المظالم الرهيبة التي ترتكبها بعض الحكومات وبعض الحكام بحق الشعوب المقهورة، ما يدفع المظلومين إلى التطرف وارتكاب ردود أفعال متطرفة، تحت شعار الدين أو غيره !

إن هذه الأمثلة التي ذكرناها وأمثالها كثير في هذا السياق، تدل دلالة واضحة على أن للتطرف الديني أسباب ومنابع أخرى غير مناهج التعليم ، وهذا ما  يوجب علينا البحث عن تلك الأسباب والمنابع إذا كنا حقاً راغبين في معالجة التطرف الديني ، مع تأكيد رفضنا للتطرف بكل أشكاله الدينية وغير الدينية،

ولا يفوتنا في الختام، أن الشريعة الإسلامية ترفض التطرف والغلو في الدين وفي غيره، ومن ذلك مثلاً قوله تعالى: “قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق) (المائدة:77) يقول ابن كثير رحمه الله : “ينهي تعالى أهل الكتاب عن الغلو والإطراء، وهذا كثير في النصارى، فإنهم تجاوزوا الحد في نبي الله عيسى عليه السلام حتى رفعوه فوق المنزلة التي أعطاه الله إياها” (تفسير ابن كثير 1/589) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” هلك المتنطعون”  قالها ثلاثا (شرح النووي على صحيح مسلم 16/220) قال النووي: أي المتعمقون ــ الغالون، المتجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم (إعلام الموقعين، 4/150) وقال ابن مسعود: “إياكم والبدع وإياكم والتنطع وإياكم والتعمق وعليكم بالدين العتيق” (إعانة الطالبين 1/131) وقال ابن حجر : وفيه التحذير من الغلو في الديانة والتنطع في العبادة بالحمل على النفس فيما لم يأذن فيه الشرع، وقد وصف الشارع الشريعة بأنها سهلة سمحة (فتح الباري 12/301) وحذّر النبي عليه الصلاة والسلام المسلمين قائلاً : “إياكم والغلو فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين” (رواه الإمام أحمد 1/215، 247) ذلك أن الغلو والتطرف خطر عظيم يهدد بنيان الأمة، وفيه هلاك للأنفس! وهذا ما يوجب معالجة التطرف ومنع أسبابه!

                                  "وقانا الله من كل سوء وهدانا سواء السبيل"


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق