الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2016-06-29

رسالة من روستوك نظرة مختلفة للاجئين واللجوء.....بقلم: د. محمد حبش

أكتب اليوم من روستوك في الشمال الألماني حيث تقوم جامعة روستوك التي تأسست عام 1419 وهي أعرق جامعة في الشمال الأوربي، تقوم بعقد ندوة فريدة عن اللاجئين تحت عنوان دراسات الترانس إيريا.
والمشروع في الواقع رؤية حضارية وإنسانية لهذا المنعطف الكبير من التحولات الديمغرافية في ألمانيا عبر ظاهرة اللجوء التي تعاظمت في السنوات الأخيرة وبشكل خاص من المشرق العربي في سوريا والعراق.
المخاوف كثيرة والتحديات كبيرة، والزعماء الأوربيون يطيرون من اجتماع إلى اجتماع وبين أيديهم قوائم تفاعلية بعدد المهاجرين وخرائط تحركهم، وفرق الأمن المدربة على مواجهة هكذا جحافل، والتعامل معها، فيما تقوم دوائر الأمن التي تعمل ليل نهار لتطويق ظاهرة التشدد الذي قد يتسلل مع اللاحئين ويضرب في أي لحظة كما ضرب في مسرح باتاكلان في باريس وأذهل المجتمع الفرنسي في دورة من العنف لم تشهدها القارة العجوز منذ انتهاء الحرب العالمية  الثانية.

وفي موقف يتسامى على مواقف السياسة والاقتصاد المرتبط بظاهرة  اللجوء تتقدم جامعة روستوك برؤية أكاديمية مفاجئة، يشارك فيها عدد من قادة الفكر في ألمانيا، ومفكرون إسلاميون تقوم على أساس النظر الى اللجوء في سياق التحولات الكبرى في التاريخ وامتزاج الحضارات وتواصلها وتكاملها وليس في سياق الغجريات التائهة الهاربة من المسؤولية والقانون.

قلت في رقتي: اللاجئون ليسوا مشرووع كارثة ينتظر أن تنفجر، اللاجئون في وعي قادة الفكر الألماني  لم يعودوا عبئا يثقل المجتمع وخطرا محتملاً، بل يذهب قادة الفكر الألمان إلى النظر بعين مختلفة لظاهرة اللجوء، فاللاجئون مشروع قيم وحضارة، إنهم مختلفون ومن حق المجتمع الألماني  أن يطالبهم بالاندماج في القيم الألمانية، ولكن الاندماج من طرف واحد هو لون من التعالي لا يمكن تبريره أخلاقياً، والمطلوب هو الاندماج المتبادل، فاللاجئون ليسوا متسولين تائهين، إنهم أصحاب  قيم ومثل وأخلاق  وتجارب، لقد جاؤوا إلى  ألمانيا لأنهم لا  يريدون الحرب ولا يرغبون ان يشاركوا بها وهذا وحده عنصر  إيحابي  بالغ الأهمية، لقد أفرزتهم الحرب  عشاق  سلام، ومن الواقعي أن يكون في جوانحهم ما يضيف لحياة الألماني ألواناً جديدة من الدفء والحيوية والأمل.
المهاجر في الغالب ليس مشروع متواكل ينتظر السوشل، إنه طاقة متوثبة وهو ينتظر الظروف المناسبة ليقوم بممارسة دوره الذي مارسه في بلاده، وفرضت عليه المظالم والحرب أن يتوقف ويغادر مكرهاً غير مختار، ولا شك ان هذا التوقيف القسري لمشروعه الطموح سيخلق فيه إرادة العطاء والبناء لدى أول فرصة تلوح لإثبات الذات.
قسمة العالم الى فسطاطين دار اسلام ودار كفر، لم تعد ثنائية  مقنعة، والمهاجر الإنساني صار يخجل من طروحات كهذه، ولو قراها في كتب  الأجداد، ويتواصى اللاجئون اليوم بتعرية هذا اللون من الفتاوى والرد عليه، لقد ظهر لكل ذي عينين أن المجتمع الإنساني حقق قفزات كبيرة وهائلة في سياق بناء الأسرة الإنسانية وأن الروح الاستعمارية والصليبية لم تعد هي التي تحكم القرار الإنساني في الغرب بل قيم حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية.
لم تعد تلك الصيحات الغبية التي رددها تكفيريون معقدون مقبولة لدى المهاجرين، ولم يعد مقبولاً خطاب التكفير الذي كان يقدمه أبو حمزة المصري وأبو قتادة الفلسطيني في قتال الغرب الكافر حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون.
أصبحت رواية أقوال وفتاوى كهذه مثاراً للسخرية والتندر أكثر مما هي رواية للفقه والفتوى، ولم يعد المهاجر المسلم يحتاج إلى إقناعه بان الغرب الاستعماري قد انتهى وان القوانين الأوروبية عموماً  قد أنجزت إصلاحها الجوهري في حقوق الإنسان، وأنها باتت مستعدة أكثر من أي  وقت مضى للتعرف عن قرب على قيم الإسلام  وحضارته على أساس التكامل  والتواصل وليس على أساس التبعية والاحتواء.

لن يخلو الأمر من عقول ضيقة محجورة، وقد تروى نصوص في تحريم الاقامة بين ظهراني المشركين لا تتراءى نارهما، وسيظل أفراد معقدون يقولون إنها دار كفر وإن الله أباح لنا أموالهم مغانم ونساءهم متع، ولكن فتاوى كهذه  لم تعد تحظى بأي احترام، ولم تعد تشكل ظاهرة في ثقافة اللاجئين، بعد أن قرا الناس جوهر الموقف الانساني الاوربي من معاناة اللاجئين وبعد أن عجزت البلاد الاسلامية قانونياً وسياسياً ومجتمعياً عن تقديم نظم لجوء إنسانية تشبه أو تقارب ما تقدمه القوانين الإنسانية في العالم الحر.
إنها دعوة لقادة الفكر الإسلامي ليدركوا هذه التحولات التاريخية في بركان الترانس إيريا المتدفق، والذي يضع أوروبا والعرب على ابواب طريق حرير جديدة يتم فيها تفاعل الحضارات والثقافات بروح إيجابية بعيدة عن فترات الاصطفاف العدائي المقيت الذي طبع العلاقة التاريخية بين شاطئي المتوسط في فترات متعاقبة.
هل تستطيع هذه الجهود التي يبذلها قادة الفكر الألماني في تحويل ظاهرة اللجوء من كارثة تحتاج إلى  حل، إلى مغنم ثقافي وحضاري وإنساني للأمة الألمانية، وسائر البلاد التي احتضنت اللاجئين السوريين.
وهل سينجح قادة الفكر الإسلامي في توضيح الرؤية للاجئ المسلم بأنه ذاهب إلى مشروع تفاعل حضاري حقيقي وليس إلى قاعة انتظار  كئيبة تسكنها المظلومية البائسة، وتفرز روح العداء والكراهية باستمرار.
السؤال برسم قادة الفكر الألماني وقادة الفكر الاسلامي الذين يجتمعون في روستوك لإطلاق هذه الحقيقة.





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق