الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2013-02-26

ألمان هتلر و(قَلْمان) الأسد أين يتشابهان وأين يختلفان - بقلم: طريف يوسف آغا


 لايمكن أن تكون قد عشت في سورية في عهد (الأسد الأب) ومن بعده (الابن) ولاتعرف أن كلمة (القَلْمان) بفتح القاف وتسكين اللام تعني (العلويين). فقد أدخل السوريون والدمشقيون خاصة الكثير من المفردات الجديدة التي تتحمل أكثر من معنى على اللغة العامية ليتمكنوا من الحديث عن رجالات عصابة النظام الأسدي والسخرية منهم دون أن يعرضوا أنفسهم للاعتقال. وقد سمعت بهذا المصطلح لأول مرة حين كنت طالباً في جامعة دمشق في النصف الثاني من السبعينيات بعد أن بدأت جرائم النظام تظهر على العلن وخيانته تنكشف للناس وبدأ الشعب بالتالي يتنبه إلى العامل الطائفي لأول مرة في تاريخه الحديث. فكان الأصدقاء ينبهون بعضهم أن هذا الطالب أو هذه الطالبة من (القَلْمان) ولايجوز التحدث أمامهم بالسياسة أو عن النظام. ولما سألتهم عن معنى الكلمة، ضحكوا وشرحوا لي معناها وأنها هي نفسها كلمة (الألمان) ولكن بلهجة (القاف) التي تستعملها الطائفة.


     وبالفعل قد لاحظت في البداية الشبه الواضح بينهم وبين الشعب الألماني من حيث البشرة البيضاء والشعر الأشقر والعيون الزرقاء أو الخضراء، بالاضافة للجسم الذي يميل إلى الضخامة. وهذا كما قلت مالاحظته ومايلاحظه أي شخص آخر له عينين، فالشكل الخارجي للانسان هو مايقدم الانطباع الأول عنه. ولكني وبعد أن وضعت النموذجين والتجربتين الألمانية الهتلرية والعلوية الأسدية وقارنت بينهما، وجدت أوجهاً مذهلة من التشابه تتجاوز بكثير مجرد التشابه في المظهر الخارجي ويمكن تلخيص أهمها بالأوجه التالية:
     التشابه الأول هو جوهر العقيدة. صحيح أن (هتلر) لم يصل إلى مرحلة ادعاء الربوبية، إلا أنه آمن وأقنع الألمان بنظريتة العنصرية بأنهم ينتمون لجنس متفوق يجري في عروقه دم أزرق وعليهم مسؤولية تاريخية بالسيطرة على العالم واستعباد شعوبه. وفعلاً آمن الكثير من الألمان بتلك النظرية، فقادهم الرجل بها إلى الدمار وأدى بهم إلى احتلال بلادهم حتى يومنا هذا. أما بالنسبة لأصحابنا فقد سبق لمؤسس فرقتهم في العراق في القرن التاسع الميلادي (ابن نصير) أن اقنعهم بأنه (الرب) وبأن من يتبعه سيكون من الصفوة المختارة، فصدقه الكثيرون واتبعوه. ثم، وبعد هجرتهم إلى سورية، اتبعوا القادة الذين أتوا بعدهم على أنهم (أرباب) أيضاً، مروراً بسليمان المرشد ووصولاً إلى الأسدين الأب والابن. وكما نرى اليوم، فقد انقلبت هذه العقيدة لعنة عليهم وباتت تهدد وجودهم لأن واحداً منهم استولى على الحكم ثم ورثه لابنه وارتكب الاثنان جرائماً يندى لها الجبين بمساعدة غالبية الطائفة أو رضاها، وأيضاً بالتعاون مع المستفيدين من بقية شرائح الشعب وخاصة التجار ورجال الأعمال منهم. الفرق بين الطرفين هنا أن (هتلر) اعتمد في إقناع شعبه بنظرية التفوق على أن ألمانيا في ذلك الوقت كانت فعلاً متفوقة على بقية الدول الأوربية وبقية دول العالم من حيث العلوم والتكنولوجيا والتصنيع، وبالتالي كانت تلك المهمة سهلة. ولكن مالذي اعتمد عليه (الأسد الأب) في إقناع طائفته على السير ورائه في مشروعه الجنوني وهم الذين لم يعرفوا قبل ذلك سوى مجتمعاتهم المتخلفة والمنغلقة على نفسها مبرهنين على جهلهم ببديهية أن الأمور تؤخذ بأسبابها. والمفارقة هنا أن (الأسد) لم يقنع طائفته بأنها متفوقة على بقية أطياف الشعب السوري فقط وتستحق استعباده، ولكنه أقنعها أيضاً بتفوقها على الشعوب المجاورة، واحتلاله لبنان خير دليل على ذلك.
     التشابه الثاني بين (هتلر والأسد) أن الاثنين أتيا إلى الحكم مع الرغبة في (الانتقام). فالأول كان يحمل في نفسه مرارة هزيمة بلاده في الحرب العالمية الأولى وتحالف كافة الدول الأوربية تقريباً ضدها. حتى اليهود الألمان أنفسهم كانوا قد قدموا الدعم المالي في تلك الحرب للحلفاء مما ساعد على انزال الهزيمة بألمانيا عام 1918. ومما زاد من مرارته كانت الشروط المهينة التي فرضت على بلاده في معاهدة (فرساي) التي وقعتها ألمانيا إعترافاً بالاستسلام وانهاء للحرب. ولذلك وحين وصل الرجل إلى سدة الحكم عام 1933 كان يحمل أحقاداً عميقة وكانت لديه قائمة طويلة وجاهزة ممن يريد الانتقام منهم، أفراداً وطوائفاً ودولاً، وهذا كان مافعله. أما بالنسبة لأصحابنا، فهم أيضاً كانوا يحملون أحقاداً وكراهية لكل من حولهم، وإن كانت من غير نوع. فهم كانوا منبوذين ومطاردين منذ نشأتهم، مما دعاهم لعزل أنفسهم في جبال عالية وجعلهم يعيشون تحت ظروف الفقر والتخلف بانتظار ظروف التمكن والانتقام. وقد سنحت لهم مثل تلك الظروف خلال الحقبات التي تعرضت فيها سورية للغزوات الخارجية، فساعدوا الغزاة ضد الشعب. ولكن أتت فرصتهم الذهبية مع استيلاء واحد منهم على الحكم، فكانت لديه ولديهم قائمة طويلة من تصفية الحسابات. ولكن وكما يقال أن (الحقد أعمى)، فقد عمي (هتلر) و(الأسد الأب) ثم (الابن) عن أمر في غاية الأهمية، وهو أن كل واحد منهم وضع نفسه وشعبه في مواجهة خصم أو خصوم يفوقهم بالعدد والامكانيات والارادة بأضعاف مضاعفة. وأن لاأمل لهم بالانتصار ولاحتى واحد بالمئة مهما طال أمد الصراع، وأن النتائج كما كانت كارثية للأول، ستكون كذلك للثاني. وكما أن (هتلر) كان يعول على تصنيع القنبلة الذرية قبل الحلفاء وعلى استعمالها (لولا أنه فشل) فمن الواضح اليوم أن نظام (الأسد الابن) يعول على استعمال سلاحه الكيماوي إذا حشر في الزاوية. ولكن لاأحد يعرف كيف ستتطور الأمور إن هو فعل ذلك وضد من سيستعمل في آخر المطاف؟
     التشابه الثالث والأخير الذي أسوقه في هذا المقال بين (هتلر والأسد) هو التوحش في سبيل تحقيق الهدف. فالمجازر التي ارتكبها الأول لاثبات صحة نظريته العنصرية كانت مجازر غير مسبوقة في ذلك الوقت. فهو أقنع الألمان أن بقية شعوب الأرض أدنى من مرتبة البشر، وبالتالي فان قتلهم لايترتب عليه مسؤلية دينية أو أخلاقية أو قانونية. والمحارق التي أقامها على اليهود الألمان وغير الألمان يمكن المجادلة بعدد ضحاياها الذي تدعيه الصهيونية، ولكن لايمكن إنكار حدوثها ولاوحشيتها. طبعاً هذا ماعدا المجازر التي ارتكبتها الجيوش النازية في أوربا وأسيا وافريقية والتي راح ضحيتها عشرات الملايين. ولم يكن بالمقابل مافعله (الأسد الأب) مختلفاً كثيراً، فمن مجزرة سجن تدمر عام 1980 إلى مجازر عام 1982 في حماة وحمص وحلب وجسر الشغور، إلى مجازر (الابن) الذي دشنها بمجزرة الأكراد في ملعب القامشلي عام 2004 ثم مجزرة سجن صيدنايا عام 2008، ثم مانراه يفعله اليوم. هذا بالاضافة لأعمال التعذيب والاغتصاب وسرقة الأعضاء والتجارب الجرثومية التي تجري في أقبية المخابرات. ودعونا لاننسى هنا آخر محاولة اغتيال تعرض لها (هتلر) عام 1944 ونجا منها باعجوبة، وتلك التي تعرض لها (الأسد الأب) عام 1980 ونجا منها أيضاً باعجوبة، فرفع الاثنين بعد ذلك من مستوى الوحشية وعدد المجازر. فلو أن أحداً نجح في اغتيال الرجلين، فكم من الملايين كانوا سينجون من الموت وكانوا سيعيشون حياة طبيعية مع أهلهم اليوم؟
     إذاً رأينا كيف أن التشابه بين النازية التي سحرت (الألمان) والأسدية التي فتنت (القَلْمان) هو أعمق بكثير من مجرد التشابه الخارجي بين العرقين. وهذا يقودنا إلى سؤال لايمكن تجاهله: هل ستكون نهايتهما أيضاً متشابهة؟ لا أشك من جهتي في ذلك، فالتاريخ دائماً يعيد نفسه، وإن كان هذا السؤال اليوم هو سؤال المليون، فغداً سيصبح مجانا.
***
بقلم: طريف يوسف آغا
كاتب وشاعر عربي سوري مغترب
عضو رابطة كتاب الثورة السورية
الاثنين  15 ربيع الآخر 1434، 25 شباط، فيبروري 2013
هيوستن / تكساس

هناك تعليقان (2):

  1. تشبيه العصابة الأسدية بالنازية الألمانية فيها إهانة للنازية لاترضاها بالرغم من سمعتها السيئة الصيت، ولو أن ألمان ألمانيا يعرفون أنهم يشبهون (بقلمان) سورية لانتحروا

    ردحذف