الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2016-02-08

أعرابي في صلاة – بقلم: د. عثمان قدري مكانسي

روى معاوية بن الحكم السلميُّ قال: كنت قريب عهد بالإسلام أعرف أركانه، ولكنني أجهل كيف أؤدي الصلاة والزكاة، وما إلى ذلك، صلينا مرة وأمّنا رسول الله صلى الله عليه وسلم  فقرأ الفاتحة وسورة ثم ركع وسجد، ونحن نتابعه في صلاته، فنفعل ما يفعل، فعطس رجل إلى جانبي، ولكنه لم يحمد الله، فقلت في نفسي: عجباً لهذا الرجل أمَا علِم أن عليه أن يحمد الله بصوت مسموع كي نشمِّته؟! هكذا أمرنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ، ولعله يجهل هذه السنة فلْأبادر بتشميته فأنالَ ثوابَ الله تعالى، فبادرته قائلاً: يرحمك الله، فكأن القوم رمَوني بأبصارهم شزَراً وإنكاراً لما فعلت، وأحسست أن كل واحد منهم يؤنبني وكأنني أتيت كبيرة، ففاض ما في نفسي وصحت: واثكل أمياه، هلكتُ إذاً والله، لماذا تنظرون إليَّ هكذا؟ فأخذ المصلون يضربون على أفخاذهم ضربة أو ضربتين وكأنهم بهذا يريدونني أن أصمت، وغضبت لما يفعلون لجهلي بأن هذا يبطل الصلاة، فامتثلت لأمرهم وسكتُّ إلى أن انتهت الصلاة، وأنا أفكر هيّاباً مما قد يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بي.

بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لم تنظر إليّ مؤنباً ولم تعبس بوجهي ولا أسمعْتَني ما أكره، لقد كنتَ معلماً غاية في اللطف والحكمة. قلتَ مخاطباً الجميع دون أن تخصني بالنصح فأخجلَ من نفسي: ((إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هي التسبيح، والتكبير، وقراءة القرآن))، ولم تأمرْني أن أعيد الصلاة لقلة كلامي فيها ولأنني أجهل ما يُبطلها.
وهنا تجرأت وسألت النبي صلى الله عليه وسلم  فقلت: يا رسول الله إني حديث عهد بجاهلية، وقد جاء الله تعالى بالإسلام فلا تغضب مني إن سألتك أموراً أجهل حكمها، قال الرسول الكريم: ((لا تثريب عليك، سل يا معاوية أجبْك))، قلت: يا رسول الله إن منا رجالاً يقصدون الكهان ممن يدعون معرفة الضمائر وما تُخفى النفوسُ ويخبرون عن المستقبل وما غمض من الماضي.
قال: ((هم كذابون يستعينون بالجن ويتقوّلون فلا تأتهم، فالغيب يعلمه الله سبحانه وحده)).
قلت: وهناك رجال يؤمنون بالطِّيَرة، فإذا أرادوا فعل شيء رمَوا طيراً، فإن ذهب يميناً مضَوا في أمرهم، وإن ذهب شمالاً امتنعوا عن هذا الأمر.
قال صلى الله عليه وسلم : ((إن الطيرة وهْمٌ في النفوس لا مبرر له، فلا تأبه له يا معاوية، وامضِ فيما عزمتَ عليه، فالخير كله عاجله وآجله من الله تعالى، واستخِرِ الله وتوكل عليه، وعلى الله فليتوكل المؤمنون)).

رياض الصالحين: باب الوعظ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق