الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2016-02-01

العلاقة بين المرأة والرجل – بقلم: د. زينب بيره جكلي

   
تأذى الأدب العربي مما نشر فيه من فساد باسم دراسة موضوع أخذ منه مساحة كبرى ألا وهو  الغزل، إذ كان هذا الموضوع عن قصد أو غير قصد وسيلة لنشر الفساد في المجتمع العربي، وقد نسي الدارسون أن الغاية من رواية الشعر الجاهلي وغيره بما فيه من مخالفات شرعية كانت لحفظ اللغة العربية، لغة القرآن الكريم وذلك لفهمه وفهم النصوص الفاضلة التي تعين الإنسان على الرقي في حياته لا الانحطاط بها، إذ لا فائدة من الجهر بالسوء من القول، ومن هنا فإني قد استعضت عن لفظ الغزل بموضوع هو برأيي أهم وأجدى، وهو العلاقة بين الرجل والمرأة، وطبقت هذا في كتابي الشعر العربي في عصر الدول المتتابعة ، وبينت أن الحديث عن العلاقة بين الجنسين كانت داء الشعراء شيباً وشباناً، إذ كانوا يستهلُّون قصائدهم به، سواء أكانوا يعانون الوجد أم كانوا يقلدون، وقد شجعهم النقاد على هذا الاستهلال، لأن الحديث عن الحب برأيهم يساهم في انطلاقة الشاعر، ويفتّح القلوب إلى سماعه([1]).

ولكن هذه العلاقة يجب أن ننظر إليها بمنظار الإسلام، وهو أكثر واقعية ووعياً، فليست المرأة موطن غزل دائماً، بل ربما كان جلّ الغزل برأيي تقليدياً ونابعاً من خيال الشاعر، ولاسيما الغزل المادي ذلك لأن المجتمعات بعد العصر الجاهلي كانت إسلامية، ومعظمها يعاقب على اقتراف المنكرات، و قد تكون المرأة المتحدث عنها زوجة ودوداً دون أن يفصح عنها الشاعر غيرة منه، ولأن الفقهاء حرَّموا التغزل بامرأة معينة، وفي هذه الحال تكون العلاقة سامية نظيفة، وتنم عن الوفاء، وقد يكون الحديث رمزاً للحبيب المصطفى r، كما في مستهل المدائح النبوية، أو رمزاً للملك الضائع([2])، أو وسيلة تعبير عن العواطف الحميمة بين الأصدقاء والعلماء والمدرسين([3]) .
    وإذا نظرنا إلى حديث القرآن الكريم عن هذه العلاقة وعن موقفه من المرأة نرى أنها تمتاز بالعفة، وبالدعوة إلى الإيمان والتربية الفضلى، والإشادة بمواقفها الحسنى، والتنديد بالمواقف السلبية منها أو من الآخرين تجاهه، فهي والرجل سواء في الجزاء والعقاب، قال تعالى في سورة الأحزاب : " إنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (35) " .
فمن الإشادة بالمرأة الصالحة في القرآن الكريم موقفه من مريم بنة عمران وأمها، فقد كانتا صالحتين، وقد دعت الأم أن يرزقها ولداً يكون نذراً لله، وربى الله مريم على الصلاح والعفاف والتقى، قال تعالى يشيد بفضائلهما في سورة آل عمران : " إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي ۖ إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ(35) فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَىٰ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَىٰ ۖ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ(36) فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّاۖ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًاۖ قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَاۖ قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِۖ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ(37) " .
وقد أثنى المولى تعالى على السيدة مريم في قرآنه الكريم وذكر أنها المرأة المصطفاة الطاهرة، قال في سورة آل عمران أيضا : " وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (42) يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) " .
ومدحها وأثنى عليها وعلى زوجة فرعون التي صبرت وحافظت على إيمانها فقتلها الطاغية فرعون، قال تعالى في سورة التحريم :" وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11) وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ (12) " .
وكذلك أثنى على السيدة عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنهما، وزوجة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في قرآنه الذي يتلى صباح مساء، إذ بين أنها الطيبة الطاهرة، وزوجة أطيب المخلوقات كافة سيدنا  محمد رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، ووعدها بالجنة والرزق الكريم فيها، قال تعالى في سورة النور بعد نقضه ماحكي في قصة الإفك : " إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (23) يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (25) الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (26( " .
والله سبحانه يريد من المرأة المسلمة كالرجل أن يغضا من أبصارهما ليعيشا في نقاء من وسوسات الشياطين، قال تعالى في سورة النور: " قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ(30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(31".
 وقد جعل الله سبحانه حوريات الجنة قاصرات الطرف بعيدات عن الغيرة، فقال : " جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ (50) مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ (51) وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ (52) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ (53) " .
   وهن مصونات كالبيض المكنون لأن ذلك يمنع غيرة الرجل، قال تعالى عنهن في سورة الصافات : " يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (45) بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ (46) لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ (47) وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ (48) كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ (49( " .
    والمرأة المسلمة تحافظ على حجابها لتكون مصونة من الأعين، قال تعالى في سورة الأحزاب: " يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (59) " .
والمرأة الصالحة محافظة على سلوكياتها إن خرجت إلى العمل لضرورة، كمساعدة المعيل الذي لايقدر على العمل، وهي تتحاشى الاختلاط، وإن اضطرت إليه حافظت على حيائها، قال تعالى في سورة القصص مثنيا على  حياء ابنتي شعيب لحديثهما النقي مع موسى وأبيهما مما جعلهما أهلا للزواج من الصالحين : " وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24) فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25) قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27) " .
ولو قارنا بين نظرة القرآن الكريم إلى الاختلاط أو إلى العلاقة بين الجنسين، ونظرة الشعر العربي خيِّره وشرِّه لرأينا أن الشعر الذي نهل من نبع الإيمان صدر عن رؤية القرآن الكريم، فالشاعر عمر بهاء الدين الأميري تأثر بالقرآن الكريم، وصدر عنه في سلوكياته وأقواله، فراح يسدد خطا المرأة، ويبين لها أن التحرر ليس أن تتفلت من عقالها لتكون كالطائر يحوم في كل مكان، ويقع في كل مكان، كما يبين الشقاء الذي تعاني منه نساء الغرب، وكان قد رأى في مجونهن البؤس والشقاء والأذى الذي يفوح فيشقي الآخرين، وقد يعم فيفني البشرية كطوفان نوح، قال :
البائســــــاتُ المائساتُ كآلـــــة من غير روحْ
الناشراتُ شذًى وفي أعماقِهــــــن أذًى يفوحْ
الضاحكاتُ وقد طَوَيْنَ قلوبهن على جروح
وسلوا الشقاء وإنه بئس المصيرُ فقد يبوحْ
والجاهلية هكذا تمضي وإن لبســت مُسوح
يارِدة البشــــــريةِ الرعـــــناءِ عن هَدْيٍ سَبُوح
الآلةُ الصماء والشهواتُ والطبعُ الجموح
يانجدة الإنسان بالقــــــرآن بالخير النَّـــفــــوح
إني لأخشى قبل مُنْبَلَجِ السَّنا طُوفانَ نوح([4])
   هذه نظرة الإسلام إلى الاختلاط والانسياق وراء الشهوات، وهي نظرة تنأى عن التطرف الإلحادي الذي بدا في غزل بعض الشعراء المعاصرين أمثال الرصافي في قوله :
إذا الوجهُ منكِ بدا للعيانْ    له سجدَ العشقُ يرجو الأمانْ
ويخجــــل من نوره النيران    ويعنــــــو له جبــــــروت الـــــزمان
ويخضعُ حتى القضا والقَدَرْ([5])
   ويرد الأميري على أمثال هذا الشاعر، وعلى أصحاب هذه الشهوات فيقول لواحدة :
إني لأفـهم من لحاظِـــــك في الحشــــا ما تكتُمينْ
أرنـــــو إليك كما رَنَــوْتِ وأشتـهـــــي مـــــا تشــــتهيـن
لكننــــــي لا أستـــكـــــيـْـــــنُ لنـَـــزوتـــــي لا أستكيـــــــنْ
زجرُ النفوسِ عن التمادي في الهوى طبعٌ متين
لي في مَضـــــــــاءِ العــــــــزمِ صبرٌ إنــه كنزٌ ثمين
وإذا النفــــــــوس تهافتَــــتْ أَلْـــفَــيْتَـَني في الثابتيــن([6])
 فهل يقبل مسلم غزل الرصافي وعلاقته؟ أو يكون في الثابتين غير المستكينين ؟
 والله سبحانه أمر الصالحين والصالحات بالزواج من أمثالهما لامن الكفرة، وبين الهدف من ذلك وهو النجاة في الآخرة، وهذه الغاية الدينية هي الأهم من وراء دعوة القرآن الكريم في جميع موضوعاته، قال تعالى في سورة البقرة مبينا أهمية هذا الأمر : " وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221) " .
وكرر هذا المعنى في الزواج لأهميته فقال في سورة النور : وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (32) وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ " .
والعلاقة الزوجية يجب أن تكون قائمة على المودة والرحمة التي جعلها الله بين الزوجين ، قال تعالى في سورة الروم :" وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) " .
وتقديم هدية المهر هو تعبير أولي عن الرغبة بالزواج من المرأة، وحسن الصحبة، قال تعالى في سورة النساء : " وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا (4) " .
والمرأة الصالحة تحافظ على أسرار الحياة الزوجية، وتدرك معنى قوامة الرجل على الأسرة، وفي حال الخلافات الزوجية يطالب المولى تعالى رأب الصدع بالوعظ ثم بالهجران ثم بالضرب غير المبرح، فإن لم تنجح هذه المحاولات فاللجوء إلى الأهل، فهم أعلم بالحياة الزوجية، قال تعالى في سورة النساء : الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ۚ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34) وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا (35) " .
   ثم يقول في السورة نفسها محافظا على حقوق المرأة في جميع الأحوال سواء أكانت يتيمة يرغب الزواج منها، أم كانت في خلاف مع زوجها، أم كانت مع امرأة أخرى في بيت الزوجية :  " وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ ۖ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَىٰ بِالْقِسْطِ ۚ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا (127) وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا ۚ وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ۗ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ ۚ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (128) وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ ۖ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ ۚ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا(129) وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا (130) " .
وللوالدين ولاسيما الأم لها مكانتهما عند الله سبحانه، حتى إنه قرن عبادته بالإحسان إليهما، وبين ماتعانيه الأم في حملها، قال تعالى في سورة الإسراء: " وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًاۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا(23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24( " .
   وقال في سورة لقمان موصياً بالأم خاصة : " وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ۖ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ۚ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15) " .  
ودعا المرأة إلى الدعوة إلى الله سبحانه الذي علمهن من آياته، قال تعالى في سورة الأحزاب :
   " وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا (34) " .
وقد ندد القرآن الكريم بكراهية الجاهليين للأنثى لأنها لاتقدر على الحرب، لأنها كالرجل مخلوقة بأمر الله ولكل رسالة في الحياة يؤديها كما أمر الله ، قال تعالى في سورة النحل:" مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٩٧) " .
وقال في التنديد بكراهية الأنثى أيضاً في سورة الزخرف : " وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (17) أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ (18( " .
ولم يمنع الإسلام المرأة من المشاركة في قضايا الأمة، فهي تبايع الله ورسوله كما يبايع الرجل علامة على ارتضائها شرع الله سبحانه، قال تعالى في سورة الممتحنة : " يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12) " .
والإسلام يذم المرأة التي تنأى عن دين الله سبحانه وسلوكياته وتخون زوجها كامرأة العزيز، وامرأتي نوح ولوط، قال تعالى في سورة التحريم : " ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ ۖ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (10) " .
وهكذا كانت دعوة القرآن الكريم إلى حسن العلاقة بين المرأة والرجل القائمة على الاحترام والصون والعفة والتكريم .







[1] ) في النقد الأدبي – ظلام / 83
([2]) في كتاب خصوبة القصيدة الجاهلية يدرس المؤلف مطالع القصائد، ويرى أنها رمز لفكرة يدور حولها النص الأصلي، فغزل امرئ القيس رمز للملك الضائع/ 147-154، ورحيل أم أوفى في قصيدة زهير تشير إلى أثر الحرب في التفريق بين الأحبة /183 .
    أما رأي الفقهاء في الغزل فينظر في كتاب الالتزام الإسلامي في الشعر / 147
[3] ) ينظر كتابيَّ  الحركة الشعرية في حلب / 140-145 ، والشعر العربي في عصر الدول المتتابعة / 279 .
[4] ) الإسلام في المعترك الحضاري / 45 -46
[5] ) ديوان الرصافي / 528
[6] ) ألوان طيف / 113 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق