الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2014-03-18

إيجابيات الثورة السورية وسلبياتها (نقاط القوة والضعف) - د/ حسين إبراهيم قطريب

النظام–الثورة–الزمن-المكان:
تحليل إيجابيات الثورة السورية وسلبياتها، هو تحليل متشابك بين الواقع العسكري والسياسي والاجتماعي والاقتصادي، وفهمه العميق يستوجب ربطه بخصوصيات الثورة السورية الأربع، وهي طبيعة النظام الحاكم في سورية، والثورة ضده، والزمن الذي رافق كلا منهما، وخصوصية المكان.
فالنظام الحاكم في سورية اتبع خلال وجوده في السلطة منذ العام 1963م، بداية وصول حزب البعث الحاكم إلى السلطة، اتبع سياسة بناء نظام أمني استبدادي طائفي استئصالي، حوّل سورية إلى مزرعة لأسرة حاكمة ودولة فئوية طائفية يقودها أصحاب النفوذ والامتيازات.


وأخضع النظام فئة الكوادر -وخاصة الأولى منها-للترهيب والترغيب والتجويع ولسلسلة من الشروط والضوابط القاتلة لأي معطى من معطيات الإبداع والحرية، وأوصلها إلى مرحلة فقدان القدرة على المواجهة وإحداث التغيير. فأصبح التغيير في سورية وفق الحسابات الحسية المادية مستحيلا في الدولة الشركة بين أجهزة الأمن والعسكر ورأس المال.
مثال:(المنشقون عن النظام لم يستطيعوا إثبات وجودهم في الثورة)
ونشأت الثورة السورية على أكتاف حاملٍ اجتماعي شعبي غير مؤطرٍ سياسيا أو غير منضوٍ تحت هيكلية مجتمعية واضحة، وهو حال عددٍ من الثورات التي أرخ لها ودرسها باحثو العلوم الاجتماعية والسياسية، وأبرزها الثورة الفرنسية 1789م، ويصف الرئيس الألماني السابق الثورة السورية بالانتفاضة الشعبية، ويفرق بين الانتفاضة والثورة، وينصح الغرب أن ينظر إليها على انها انتفاضة شعبية لا ثورة ، وأن يتعامل معها على أنها ماضية حتى تحقيق أهدافها في اسقاط النظام. 
والثورات عموماً تفرز قياداتها التي توجه سلوكها وتقود مسيرتها نحو الوصول للسلطة وقلب النظام الحاكم، وهو مالم يتوافر للثورة السورية حتى اللحظة. وتجدر الإشارة إلى أن تكوين منظومة المفاهيم السياسية والثقافية والقيمية الأخرى الخاصة بالثورة السورية لم يأتي على أيدي المفكرين والمثقفين الذين لم ينخرطوا بها من بدايتها تحت وطأة الخوف، ولم يستطيعوا اثبات وجودهم فيها لاحقا.
وتحمل الثورات في مجملها خليطاً من التداعيات، وتترافق بأنماطٍ مختلفة من التفاعل الاجتماعي نتيجة غياب قوى الضبط المجتمعية، وتُنتِج حالة من الفوضى. تقل حدتها أو تزيد اعتماداً على وحدة الجماعة الثورية وثقافتها التي تشكل نواة الفعل الثوري، وتتزايد حدتها في حال افتقاد الجماعة الثورية لنواتها المركزية التي تقود فعلها وتتولى قيادة مراحلها كافة بتبصر وعناية. فالثورة أية ثورة قد تبدأ على شكل تحركات شعبية إلا أن نضجها ووصولها لمرحلة قطف ثمارها يرتبط ارتباطاً وثيقاً ببنية ثقافية سياسية وهيكلية توجه عملها الثوري.
وطال الزمن في حالة النظام وتجذرت شموليته ودولته الأمنية وثقافته، حتى صار التحدي يكمن في صعوبة تفكيكه وكيفيته؟ وإنتاج البديل عنه على أسس جديدة تعطي الدولة طابعاً آخر يوحد المطامح الوطنية العامة، ويؤسس لفاعلية جديدة تستوعب عناصر المجتمع كافة.
وتعد المدة الزمنية التي مازالت الثورة السورية تخوض غمارها، الأطول في تاريخ الثورات، ولم يذكر التاريخ ثورةً استمرت – وهي مرشحة للاستمرار-كل هذا الوقت لقلب نظام حكم واحلال آخر مكانه.
وساهم طول المدة الزمنية للثورة -في ظل عدم الاستقرار وفقدان آليات الضبط الفعال للأنظمة والقوانين-في زيادة معاناة السوريين من اجرام النظام وبطشه في القتل، ووحشيته في الاعتقال والتعذيب، ومن الرعب والخوف والتشريد، ومن النقص في مقومات الحياة الإنسانية ومتطلباتها كافة، وحار الناس في التساؤلات.
-هل طول المدة الزمنية هو السبب في كثرة سلبيات الثورة؟
-أم أن كثرة سلبيات الثورة هي السبب في طول مدتها ؟
-وهل تحتاج الثورة إلى ثورة تصحيحية أم إلى اصلاح النفوس واستقامتها؟
-وهل مازالت الثورة ثورة؟ أم أنها تحولت إلى شكل من أشكال الصراع؟
وللمكان خصوصيته وأهميته الاستراتيجية، فبلاد الشام هي الأرض التي باركها الله، وجعل فيها الخصوصيات للأديان السماوية الثلاثة، اليهودية والمسيحية والإسلام، وخصها السياسيون وأصحاب المصالح والنفوذ بأهمية استراتيجية مميزة، لأن في موقعها وفوق أرضها تتقاطع أهم المصالح الإقليمية والدولية ومشاريعها الاستراتيجية.
لذلك لا يمكن أن تجري الأمور في سورية بمعزل عن الأدوار والتأثيرات الخارجية الإقليمية والدولية ذات النفوذ والمصالح المتقاطعة أو المتضاربة في المنطقة، إسرائيل وإيران والغرب الرأسمالي والشرق الاشتراكي وبعض الدول الشقيقة والصديقة، مما يضفي على الثورة السورية من الخصوصيات ما يميزها عن باقي ثورات الربيع العربي والعالم بشكل عام.
وفي قراءة موضوعية لإيجابيات الثورة السورية وسلبياتها، على ضوء معايير نقاط القوة والضعف، يبرز فيها الآتي:
أولا-إيجابيات الثورة السورية (نقاط القوة):
1-انهيار جدار الصمت والخوف بل الرعب في نفوس الثوار بشكل خاص وعامة الشعب السوري بشكل عام.
2-ارتفاع معدل الشعور الوطني بالعزة والكرامة والفخر والحرية لدى الثوار والشباب السوري في الداخل.
3-نجاح الثورة في فرض نفسها على الواقع السوري ونزع الشرعية من النظام وتعزيز فرضية ان الشعب هو الاقوى.
4-إظهار روح التحدي لدى الشباب السوري والايجابية الشديدة في الإصرار على إسقاط النظام.
5-القدرة على التضحية والصبر عليها دون جزع أو خور، الأمر الذي فاق كل التوقعات.
6-زيادة سقف المطالب باستمرار يزيد من الضغط على النظام ويرسل رسالة للخارج ان الشعب ذاهب لتحقيق ما يريد إلى النهاية وبلا تراجع.
7-إعادة الحراك السياسي إلى الفضاء السوري العام، بعد أن غاب عنه لعقود، والحرية تعني له آفاقاً مفتوحة سوف تحول سورية إلى خبرات سياسية واجتماعية واقتصادية مشتركة.
8-التأكيد على وحدة التراب السوري في كل المشاريع السياسية التي أفرزتها المعارضة السورية والثورة، واعتبار الوحدة الوطنية والتشاركية أمراً جلياً ومقدساً لدى القطاعات الأكبر والشعبية من الثورة السورية.
9-التأكيد الدائم على توجهات الثورة الوطنية وقيمها الإنسانية في الحرية والكرامة والعدالة والمساواة واحترام القانون.
10-وجود إيمان راسخ وعميق بالتغيير والإصرار على عدم التراجع والعيش كما كان الحال سابقاً، ويتعاظم هذا الإصرار رغم كل ضنك الحياة اليومية ووصولها إلى حدود غير مقبولة ويصعب تحملها، إلى درجة ترجيح كفة الموت على الخضوع للقهر والاستبداد.
11-هدمت الثورة السورية واجهة فساد النظام ومرتكزاته، وكشفت مدى تماهيه مع المشروع الايراني في المنطقة ضد كل ما هو وطني وقومي، وفضحت شعارات الممانعة والمقاومة الكاذبة، التي لم تكن في يوم من الأيام أكثر من غطاء لتسويغ الاستئثار بالسلطة وامتيازاتها، وتبرير أعمال القهر والتنكيل بالأحرار وكبح مواقف الجماهير ضد الظلم والإجحاف، ويمكن وصفها بالثورة الحقيقية التي ستكون في حال نجاحها شرارة التغيير الحقيقي في مجمل المنطقة، فانتصارها هو تغيير جذري للمجتمع وبناه الفكرية والثقافية، كما أنها ستغير موازين القوى الإقليمية، وستعيد رسم خارطة المنطقة الجيوسياسية. الأمر الذي يثير الذعر منها في مختلف الدوائر الاقليمية والعربية والدولية، ويدفعهم لضبطها وتطويقها ورسم مساراتها.
12-الإدراك الجماعي بان ما يحصل هو لحظة نادرة للتغيير يصعب تكرارها، وفرصة للخلاص من السيادة المزمنة لمنطق الطائفية والقوة والتمييز والغلبة والقهر، وأن أي توقف أو عودة إلى الوراء هي الطامة الكبرى التي تضع البلاد والعباد والأجيال القادمة في شروط أسوأ بكثير مما هو قائم الآن، وهذا الادراك يزيد الحراك الثوري السوري تحفزا وديناميكية واستعدادا للتضحيات.
13-فشل النظام المجرم وعجزه بكل وسائله الدعائية والقمعية وأسلحته التدميرية عن الحسم وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه، بعد ثلاث سنوات من عمر الثورة، عزز ثقة الناس بأنفسهم وبثورتهم وبجدوى ما يقومون به، ومنحهم شعورا بأن قضيتهم أصبحت قضية عصية على القمع، ما أذاب بقايا الخوف من النفوس وشجع الكثير من المترددين على حسم خياراتهم والالتحاق بركب الثورة.
والأخطاء التي يرتكبها النظام في إدارة الأزمة واستهتاره بمعاداة الناس وبحجم الاحتجاجات الشعبية وطبيعتها، التي امتدت لتشمل عشرات المدن والبلدات السورية، لعبت دوراً متمماً، منح الانتفاضة كثيراً من الأمل والثقة بقدرتها على تحقيق أهدافها، وإن الحملات العسكرية والأمنية على اتساعها وشدتها لم تستطع أن تثن الناس عن الخروج إلى الشارع والتعبير عن شعاراتها ومطالبها، ولم تنفع في تغطيتها مناورات النظام السياسية.
14-خوف النظام من حدوث الانشقاقات في صفوف العسكريين أربك حركته الميدانية وخططه القتالية، وجعله يتمترس في حواجز ونقاط محصنه، ويقصف عن بعد، وكان لتلك الاستراتيجية تداعيات سلبية على معنويات مقاتليه، وآثارا إيجابية على رفع معنويات الثوار ومدهم بالثقة والأمان وهم يحاصرون قواته من جميع الجهات، ويستنزفونها بالخوف أكثر مما توفر لديهم من أسلحة وذخيرة متواضعة.
15-نجاح الثورة السورية في إفشال محاولات تشويهها أخلاقياً بالطعن في سلميتها ووطنيتها وبأغراضها السياسية وشعاراتها عن الحرية والكرامة.
16-تنوع التكوينات القيادية الميدانية التي أفرزتها الثورة وانتشارها في كل مكان وتواصلها وتفاعلها مع بعضها البعض بطرق غير مباشرة عبر وسائط التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت ما جعلها عصية على الاعتقال وقادرة على خلق لغة مشتركة بعيدة عن الرقابة الفاعلة نوعما.
       وعرفت هذه التكوينات باسم التنسيقيات كشكل تنظيمي مرن، ونجحت نسبياً في تنظيم التظاهرات وتلبية حاجاتها وتحويلها إلى ما يشبه الفعل اليومي أو الاسبوعي، وكان ذلك عاملا ضروريا لاستمرارها وتغذيتها بالحماسة.
       وما يبدو ظاهرا للعيان أن هذه التنسيقيات قد اكتسبت مع الوقت خبرة أكبر في التعامل مع الحدث وقدرة لافتة على التنظيم وتحمل مسؤوليات متعددة كالرصد والتوثيق ووضع الخطط الملموسة واستثمار الإعلام لكشف ما يجري. 
17-وضوح مطالب الثورة وعدالتها وانسانيتها في الحرية والكرامة، والتمسك بأهدافها، واتساع بنيتها التكوينية، وتنوع قياداتها الميدانية، وتطور مواقف المعارضة السورية وتماهيها مع مطالبها، كانت حوافز فاعلة في الاستمرارية.
 18-عززت الروح الإسلامية لدى غالبية الثوار القدرة على التضحية، وحب الشهادة رفضاً للظلم وطلباً للحرية والكرامة، وروح الوفاء للشهداء واستشعار معاناة الجرحى والمعتقلين، ثم الحماسة المنقطعة النظير لمن يفاخرون في تحرير مناطقهم وتذوق طعم الحرية والكرامة فيها، وصار الموت سهلاً دونها. هذا المشهد كسر تردد آخرين وضم فئات جديدة إلى الصفوف، وأكد أن ما يحصل هو المعطى الأصيل للخروج من حالة القهر والاذلال والانحراف المزمن الذي سببه استبداد النظام وبطشه.
19-تقاطع المصلحة الجيوستراتيجية لدول الخليج العربي وبعض دول الجوار في الوقوف إلى جانب الشعب السوري ودعمه لجهة الحد من الأطماع الإيرانية في المنطقة.
20-ارتباط الثورة السورية بأهدافها وتوجهها مع مشروع الأمة وضميرها وكسب التأييد الشعبي لها ودعمها.
21-وضعت الثورة السورية سورية على عتبة التغيير الحقيقي، وما هو قادم فيها هو ظهور إنسانها الجديد، الذي لا يقل عن ثورة دائمة في أشكال التعبيرات السياسية والثقافية والإنسانية.
       وفي سورية الجديدة والمتجددة لن تكون مصادرة حرية الرأي مقبولة، ولن يكون سجن صاحب الرأي ممكناً بلا مقاومة، ولن يكون انتهاك حقوق الإنسان مقبولاً، ولن يكون السكوت عن الفساد والتسلط أمراً طبيعياً.
       وفي المرحلة الجديدة القادمة بإذن الله لن يقبل الناس في سورية بعدم المشاركة الفعالة، ولن يخضعوا لحالة الطوارئ، بل سيتصرفون انطلاقاً من حقهم الطبيعي في الكرامة والعدالة والمساواة التامة في وطنهم. وهذا سيعني اعتبار الوطن ملكاً لجميع مكوّناته وليس لفرد أو حزب أو أقلية. فسورية بعد اليوم لم ولن تكون شخصاً او عائلة وإنما أرضا وشعبا وقيما اسلامية.

ثانيا-سلبيات الثورة السورية (نقاط الضعف)
1-السلبية الأساسية التي تعاني منها الثورة السورية إذا ما استثنينا التأثير الخارجي والتوازنات الدولية هي عدم فرزها قيادة مركزية منبثقة منها ومن بيئتها، تمثلها وتعرف متى وأين تقاتل؟، وكيف تستخدم السياسة في خدمة المعركة والمعركة في خدمة السياسة، ومتى تفاوض ولماذا؟، وتبدو قادرة أمام المجتمع الدولي على ضمان المصالح الإقليمية والدولية مع المصلحة الوطنية السورية، فهل يعقل بعد ثلاث سنوات أن ثورة شعبية لم تستطع أن تفرز قادة حقيقيين على مستوى عسكري وثقافي واجتماعي يكون همهم الوطني والمجتمعي طاغياً على مصالحهم الشخصية؟. حتى لأجزم بالقول أنه في حال توافر هذه القيادة فإن كثيراً من المؤامرات الدولية والاقليمية على الثورة سيقل تأثيرها، إن لم يختف نهائيا ويتماهى معها.
2-ضعف التنسيق والتواصل والتكامل بين التشكيلات الثورية المسلحة.
3-ضعف التخطيط الميداني في العمل المسلح، والنقص الحاد في مستلزماته كافة، العسكرية والإعلامية والفنية.
4-تنامي ظاهرة الولاءات الشخصية داخل الثورة وبروز الذات لدى عدد كبير من القادة الثوريين، والتفكير بالغنائم وتركيز الجهد على حماية المكتسبات أكثر من التخطيط لعمل فاعل يسقط النظام.
5-صعود البراغماتية لدى معظم قادة التشكيلات الثورية المسلحة، من أجل الحصول على الدعم، مما جعل خارطة الولاءات تتغير حيث مال الداعمون، ولكن الثورة اليتيمة من الدعم الخارجي، قرأت اللوحة العالمية جيداً، فأعطت بعض الولاء للمجلس الوطني ثم سحبته عنه، ورفعت بعض الشعارات لدولة ما ثم أسقطتها، وهكذا، لأنها بكل بساطة تريد المؤازرة ضد نظام يستخدم أدوات حرب لا تستخدم إلا في الحروب الخارجية.
وفي هذا الإطار قبلت الدعم الخارجي وهي مدركة أنه محسوب بدقة ومشروط بدقة، وهو دعم لا يستهدف الخلاص من النظام، بل يريد وراثته فقط وبأقل الكلف وعبر لغوٍ إعلامي وقليل من الدعم المالي وبعض الأسلحة التي تأتي بشكل متقطع وبائس بكل المقاييس، ولولا قوة الثورة وتصاعدها واعتمادها على السلاح المستولى عليه من مستودعات جيش النظام وثكناته، لانحرفت وتراجعت واتجهت نحو خيارات مأساوية أخرى، وبالتالي لا أدري هل يجري الحديث هنا عن سلبية مصطلح البراغماتية؟ أم عن إيجابية استخدامه كوسيلة لابد منها في الثورة السورية اليتيمة؟، ربما تنحصر سلبيته بتولد القناعة والشعور لدى بعض شرائح المجتمع السوري في المناطق المحررة أن معظم القادة والتشكيلات الثورية باتت تعمل تحت أجندة خارجية، وتتماهى مع الجهات الداعمة.
6-لم تعد الثورة في حالة صفائها الثوري الذي بدأت به، فتسلل إليها عددٌ كبير من اللصوص وقطاع الطرق، واخترقت من قبل النظام، إلى درجة باتت واضحة أن جهة تقاتل، وجهة تتلقف الدعم، وجهة أخرى تمارس السمسرة.
7-لم تستطع الثورة بسبب حالة الاستقطاب المصلحي والفكري بين أطرافها حتى الآن تشكيل بنيةٍ قانونية وإدارية متوافقٍ عليها في فرض الأمن المجتمعي، ما أفرز حالة من الفوضى وغياب القانون وضعف المحاسبة أو المجاراة فيها إلى حد ما، وتزايد حالات السرقة والاختطاف والابتزاز للأشخاص والناشطين، بفعل اللصوص وقطاع الطرق وعبر بعض فصائل الثورة المسلحة، مما جعل الكثير منها يعيد تمحوره حول العائلة والعشيرة.
8-عدم انخراط الطبقة المثقفة والوسطى والبرجوازية المحلية وسكان المدن الكبرى بشكل كبير في الثورة، وبقاء الثورة في طابعها الريفي العفوي، وعدم مشاركة الأقليات بالثورة بشكل كبير بسبب ضغط النظام وتخويفه لهم من البديل الإسلامي المتطرف.
9-زيادة معاناة السوريين في مختلف المجالات من قتلٍ واعاقة واعتقال وتعذيب وخوف ورعب وتشريد وتهجير وشحة في الطبابة والدواء وتفشي الأمراض، ونقص في مقومات الحياة الإنسانية ومتطلباتها كافة، اضافة إلى تراجع مستويات التعليم والكارثة التي أصابت الأطفال نتيجة المعاناة النفسية، والتهديد الخطير بوجود آلاف الأطفال الذين لم يتلقوا نصيباً من التعليم.
وحينما تتحدث الأرقام الصادرة عن الأمم المتحدة عن نزوح داخلي لنحو ثمانية ملايين سوري علاوة على أكثر من ثلاثة ملايين هاجروا خارج البلاد وخاصة إلى تركيا والأردن ولبنان ومصر، في بلد يقدر عدد بسكانه بحوالي 23 مليون نسمة، دون ان نتحدث عن عدد الشهداء من المدنيين الذي تجاوز 150 ألف شهيد، والجرحى ضعف هذا العدد والمفقودين نحو ربع مليون وأكثر وعشرات آلاف الضحايا والمعتقلين من الأطفال والنساء وكبار السن، فضلا عن أكثر من 100 ألف قتيل من جيش النظام وشبيحته. فإننا نكون أمام لحظة مرعبة من تفكك النسيج الاجتماعي – الاقتصادي.
10-بدء تململ الحاضنة الشعبية من الوضع القائم، وعودة النفسية الضعيفة المترددة التي خلفها قهر النظام الأسدي لدى معظم السوريين سابقا، وكذلك أزمة الثقة والتخوين التي زرعها النظام وعاشها الشعب السوري لعشرات السنين، وجعلت السوري يقابل السوري وهو يفترض بلقائه أجندة خفية تدعوا إلى الشك والحذر منه.
11-آفة المفاضلة والمقارنة فمن النادر أن تقابل سوريا إلا ويتحدث معك بمفاضلة بين المدن والمناطق السورية التي تحركت والتي لم تتحرك، والتي أخذت من أموال الدعم والتي لم تأخذ، وعن الحق المصادر والمسلوب، وهذه الآفة من أشد عوامل التحاسد والتباغض والتفتيت وتعزيز الفرقة والشقاق.
12-علة التنظير فلو سنحت الظروف لإحصاء النظريات التي خرجت من رحم الثورة السورية في جميع مراحلها واتجاهاتها كنظريات إعلامية ونظريات حربية وغيرها ستكون بآلاف النظريات عن الثورة السورية السلمية والمسلحة وغيرها.
13-عدم الحرص على مؤسسات القطاع الاقتصادي الخاص والعام بذرائع ومبررات واهية، مما أدى إلى إبعادها عن دعم الثورة، أو اضطرارها للهجرة أو التترس مع النظام ودعمه.
14-التعويل على التدخل الخارجي، والخارج له سياساته ومصالحه، ولم يقدم شيئاً حقيقياً للثورة السورية، وكان ذلك من أكبر الأخطاء التي ساهمت في بطء تطور الثورة وتأخير انتصارها.
15-ظهور الخطاب المتطرف والفعل الإرهابي باسم الإسلام، وانقسام المجتمع السوري والثوار حوله إلى محورين بعد أن كانوا ملتفين كلهم حول الخطاب الإسلامي المعتدل، محور توجه نحو الاعجاب بقوى التطرف وتأييدها لأنها بدت أكثر استقامة ونزاهة إلى ما قبل الأحداث الأخيرة مع داعش، ومحور آخر صار قلقا على مخرجات الثورة من احتمال البديل الإسلامي المتطرف، ويعده أسوأ من النظام.
16-ضعف التنسيق والتوافق بين قوى المعارضة السورية في الخارج وقوى الثورة في الداخل، مما أدى إلى اضعاف الموقف السياسي للثورة، وكثرة الخلافات والانقسامات والمهاترات في الصف المعارض.
17-عدم توفر حلفاء استراتيجيين للثورة، وتوفر ذلك للنظام ممن يقدمون له كل أشكال الدعم السياسي والدبلوماسي والأمني والعسكري والاقتصادي.
18-التأثيرات الخارجية، ورهن مال الدعم بالسياسة وبالأيدي غير الأمينة ولدى أصحاب النفوس الضعيفة من أجل الاستقطاب وكسب الولاءات، والنشاط الاستخباراتي الخارجي الإقليمي والدولي على الأرض السورية، والعمل بأجندة خاصة تهدف إلى خطف الثورة وتفتيت فصائلها وإعادة انتهاجها بما يتوافق مع مصالحهم.
19-الخوف من شبح التقسيم، وطول أمد الصراع، ومن شبح الفوضى والدولة الفاشلة.
20-الخوف من تدهور الحقوق والحريات للأقليات والعلمانيين.
وفي ظل واقع السلبيات المذكورة الخطيرة التي تكاد تغطي على ايجابيات الثورة وفكرتها ومكنونها، فهل نحن أمام سيناريوهاتٍ تخطف الثورة أو تعيد انتاجها بحيث تُحاصَر ايجابياتها تحت وقع وضغط السلبيات والمصالح الدولية والاقليمية؟
لا بد من القول إن الثورة السورية أمام تحدٍ جدي وخطير يتوجب عليه العمل من داخل الثورة على تصحيح مسارها وقيادتها قيادةً واعية منظمة تكسب حاضنة شعبية لا يمكن انكار تناقصها نتيجة السلبيات الكثيرة التي اعترتها، ولا أهمية هنا لإلقاء اللوم على طرفٍ دولي أو جهةٍ ما خارجية في هذه السلبيات، بل يتوجب العمل من داخل الثورة على محاصرتها وتقليلها إلى الحد الأدنى الذي يعمل على اعادة بناء الواقع الثوري وفق رؤية واضحة وقيادة تحمل الهم العام وبناء المجتمع المدمر خلال هذه السنوات الطويلة من عمر الثورة.
وفي النهاية يمكن استعارة ما قاله روبسبير المنظر العام للثورة الفرنسية، للدلالة على استحالة القضاء على الثورة أو الالتفاف عليها من داخلها، " فتيار الثورة الجبار يتصاعد باستمرار بفعل جرائم الاستبداد من جهة، وبفعل تقدم فكرة الحرية من جهةٍ أخرى"

نتائج وتوصيات:
- تتركز الايجابيات في الثورة السورية حول ما هو معنوي من المسألة، كالحالة المعنوية والأهداف والشعارات والقيم الانسانية والوطنية والاسلامية.
- وتتركز السلبيات في الثورة السورية حول ما هو مادي، كعدم وجود القيادة المركزية وعناصر الضبط والتنظيم، ونقص مستلزمات المعركة وتوازن القوى على الأرض، ونقص مستلزمات الحياة الانسانية، وعدم توافر الحلفاء والأنصار الاستراتيجيين.
-الثورة بحاجة ماسة إلى الارشاد والتوجيه المعنوي والتربوي والتركيز على الوسطية والاعتدال في الخطاب الاسلامي.
-المجتمع السوري بحاجة ماسة إلى إدارة العمل الاغاثي وتوزيعه بعدالة نحو الحاضنة الشعبية.
-تحتاج المناطق المحررة إلى الاسناد وتلبية الحاجات الأساسية من خلال التركيز على انشاء المشاريع النوعية الآتية:
       1-الأفران الأتوماتيكية لتأمين رغيف الخبز المدعوم بأسعار معقولة.
       2-المراكز الصحية والدواء.
       3-آبار المياه الارتوازية.
       4-المحطات الكهربائية الحرارية الصغيرة على مستوى القرية والحي.
       5-المؤسسات الغذائية الاستهلاكية غير الربحية.

                                                                     12/3/2014م

د/ حسين إبراهيم قطريب (مدير مركز سورية للبحوث والدراسات)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق