في
إنذاره الشهير للملك "فيصل بن الحسين" أشار الجنرال "غورو" الى
معركة وقعت في 4 كانون الثاني 1919 كان المهاجمون فيها بدو "محمود
الفاعور" الذين قتلوا الكثير من جنود "غورو" وأتباعه.
الأمير
"محمود الفاعور" هو من زعماء الجولان الذين برز اسمهم في بدايات القرن
العشرين، لعب دوراً كبيراً هو وأبناء الجولان في مقاومة الاحتلال الفرنسي، فكان
الزعيم السياسي الكفؤ والابن البار للوطن الذي أنجبه، فتزعم الحركة الوطنية في
الجولان وكان القائد السياسي المميز لتلك الفترة.
ولد الأمير "محمود" عام 1877 بقرية "العقدة" غربي مدينة "القنيطرة" التي تبعد (13) كم عنها، وتتلمذ من صغره على يد حفظة القرآن، فتعلم الفقه وأصول الشريعة الإسلامية، وكانت ثقافته تتألف من القرآن والسنة النبوية الشريفة، في عام 1905 تم تنصيب الأمير "محمود الفاعور" أميراً على "قبيلة الفضل" بعد وفاة أبيه.
عاش
الأمير "محمود الفاعور" فترة عصيبة تمثلت بتتابع الأحداث بين حكم
الاتحاديين وتعيينهم "جمال باشا السفاح" قائداً للجيش الرابع في بلاد
الشام، وقيام الثورة العربية الكبرى ودعمها، والوقوف إلى جانب جيوش الملك
"فيصل" والاحتلال الفرنسي ومواجهته، ففي عصر الاتحاديين حاول
"السفاح" التقرب إلى العرب من أبناء بلاد الشام لكسب تعاون العرب معه
لإعداد حملته العسكرية ضد الانكليز في مصر، وتخفيف نقمة العرب والتعرف على نوايا
الزعماء العرب فتوجه إلى الجولان، ورغم الفتور الذي قابله به الأمير "محمود
الفاعور" فور وصوله إلى الجولان بعد رفضه مطالبهم بالعفو عن بعض المناوئين
للاتحادين إلا أنه رضخ لهذه المطالب في البداية لتحقيق أهدافه السالفة الذكر فبقي
"بالقنيطرة" ثلاثة أيام لم يحقق فيها الأهداف المطلوبة.
كان
الأمير "محمود" على اتصال "بالملك فيصل" وفور دخوله جنوب
سورية انضم مع أبناء الجولان إلى الجيش العربي، وشاركوا بمعركتي "تل
المانع" و"دير علي" عام 1918 حيث وقعت المعركة بين الجيشين التركي-
الألماني والجيش العربي حيث أثبتت ضراوة أبناء عشائر الجولان القتالية، كما يؤكد
أهمية مشاركة الأمير "محمود الفاعور" بالثورة العربية الكبرى هو
والعريضة التي قدمها أبناء الحركة الوطنية في الجولان التي نشرتها جريدة
"العاصمة" الرسمية آنذاك بعددها 80 عام 1919 بعد بدء الاشتباكات مع
الجيش الفرنسي إذ كان عضواً بالمؤتمر السوري العام ممثلا لقضاء "القنيطرة"
التابع لدمشق ضمن منطقة سورية الداخلية، وقع عليها مع الأمير محمود الفاعور32
شيخاً وزعيماً وقروياً من العرب والشركس والتركمان.
أدرك
الأمير "محمود الفاعور" نوايا المستعمرين في وقت مبكر فعمل أبناء
الجولان على مساعدة أبناء "الشوف" بعد ارتكاب جيش الاحتلال الفرنسي
مجزرة في قرية "مزرعة الشوف" فتضامنوا مع أبناء "الشوف"
واستقبلوا أهالي المنكوبين وتدخلوا لمساعدتهم في مواجهة المستعمرين كما ورد في
البيان الثاني للحركة الوطنية بالجولان الذي نشرته جريدة العاصمة في نفس عدد
العريضة الأولى عام 1919 وكانت المجزرة قد ارتكبت بتاريخ 25/10/1919.
انكشفت
نوايا الفرنسيين فعليا عندما استفز الفرنسيون الأمير "محمود" بضم الحولة
إلى لبنان الكبير وفرض الضريبة عليه تمهيداً لدخول الجولان فدمشق، وهي الهضبة التي
تعد تاريخيا البوابة الغربية لدمشق، فأدرك الأمير خطورة الموقف وردّ بمعركة
"الخصاص" الأولى لمنع الفرنسيين من التفكير حتى بدخول دمشق عبر الجولان،
فانتقم الفرنسيون بتدمير قصره بالخصاص، وكان الرد معركة "الخصاص"
الثانية التي هزّم فيها الفرنسيين للمرة الثانية على التوالي في 5 كانون الثاني
1920 وقضوا فيها على حملة "ديسباس" الفرنسية بالكامل بعد أن شتتوا شملها
وهرب عناصرها وقتل فيها عدد كبير من الضباط منهم النقيب "دوتريز"
والمعاون "اللودي" فضلا عن عشرات القتلى فيما نجا العقيد
"ديسباس" فضلا عن أسر عدد منهم.
فانتقلت
المعارك إلى الجنوب اللبناني، حيث قاد زعماء العشائر بالجولان العمليات العسكرية
أمثال الأمير "نايف الفاعور" والشيخ "نمر الشحادة" والشيخ
"عيد المسعود والشيخ "زعل السلوم" والمجاهد "أحمد مريود"
وانضم إليهم جميع أبناء الجولان وكانت القيادة السياسية للأمير "محمود
الفاعور" فهاجم أبناء الجولان مواقع الحملات الفرنسية وسيطروا على مناطق
(الخيام والعديسة والطيبة وهونين وكفر كلا) وصولا إلى "المطلة" حيث
أحرقوا مكتب التلغراف وقتلوا 20 جندياً فرنسياً وقضوا على من بقي من جنود حملة
"ديسباس"، ما اضطر الفرنسيين إلى تشكيل حملة جديدة بقيادة العقيد
"ديفيل" وتحت إمرته العقيد "مونسيي" و"ريوكرو" من
خيرة القادة بجيش المشرق الفرنسي الذي قاتل بالحرب العالمية الأولى (1914-1918)،
فدمر ثوار الجولان "جسر الخردلي" الشهير وأحرقوا مؤن الحملة الثانية
ونصبوا لها الكمائن وقتلوا ضباطها وحاصروهم في "جديدة مرجعيون" لتكون
المعركة الحاسمة والتي سقط فيها مئات القتلى من الجنود الفرنسيين وأسر العشرات، ما
اضطر فرنسا إلى التفكير بدخول دمشق عبر "ميسلون" بعد فشل حملتين لها
بمواجهة عرب الأمير "محمود" بل حاولت تشكيل حملة ثالثة كانت ستفشل أيضا
لولا احتلال دمشق ومعركة ميسلون، واستمر عرب الجولان بالسيطرة على مناطق (حاصبيا
وراشيا وجبل عامل) ويرفعون علم المملكة السورية فيها حتى 17/آب 1920 وقد اعترف
القادة الفرنسيون بأن عرب الأمير "محمود الفاعور" هم الأكثر ضراوة ولم
يروا مثلهم قط حتى في الحرب العالمية الاولى 1914-1918.
كشف
المستعمرون عن نواياهم (فرنسا وبريطانيا) في الحلول محل السلطة العثمانية في وقت
مبكر، حيث بدأت المواجهة الأولى في منطقة الحولة، فقد تقدمت القوات المشتركة
(الفرنسية والبريطانية) إلى سهل الحولة لاحتلاله بموجب اتفاقية سايكس_بيكو، ونهبت
قرية "الدوارة" فاشتبكت عشائر الفضل معهم ، وطلب الأمير "محمود
الفاعور" من الأمير "فيصل" أن يسمح له بالتوجه إلى المنطقة ووافق
الأمير "فيصل" على طلبه، وأبلغ السلطات الفرنسية والبريطانية أنه كلف
الأمير "محمود" بمسؤولية إدارة مناطق (مرجعيون وصفد والجولان) بما في
ذلك "الحولة" ووضع تحت تصرف الأمير "محمود" وحدة عسكرية تضم
مئة عنصر، ويقودها ضابط وذلك في خطوة تهدف إلى دعم الأمير "محمود"
والتأكد من قيام الحكم العربي ميدانياً.
توجه
الأمير إلى مقره في الحولة المعروف بقصر "الخصاص" وتسلم المنطقة رسمياً
وأعاد المنهوبات إلى أهالي قرية "الدوارة" وجوارها في يوم 1/12/1918
وكان يرافقه الضابط الذي انتدبه الأمير "فيصل" ونحو ستمئة فارس.
وبعد
الاحتلال الفرنسي لدمشق أصدر الجنرال "غورو" وبقرار من المجلس الحربي
الفرنسي أحكاما بالإعدام في 9 آب 1920 على الأمير "محمود الفاعور" و1000
من أبناء الجولان، وهم أعضاء الحركة الوطنية والقادة العسكريون لمعارك الجنوب
والذين كانوا حتى تلك اللحظة مازالوا يرفعون العلم السوري "بمرجعيون" إلا
أن دخول الفرنسيين "للقنيطرة" منتصف آب أدى لانسحاب المقاتلين من أبناء
الجولان من جنوب لبنان والنزوح إلى شرقي الأردن للعودة مرة أخرى بقيادة الأمير
"محمود" فنزح عدد منهم مع الأمير للمطالبة من هناك باستقلال سورية وطرد
المحتلين وهناك تم تشكيل حكومة وطنية سورية بالمنفى وبعد مفاوضات استمرت 3 أشهر مع
زعماء الجولان أبرزهم: "عيسى أفندي" مختار المنصورة والشيخ "زعل
السلوم" أصدر "غورو" قرارا بالعفو عن الأمير وأبناء الجولان في
تشرين الاول 1920، فعاد الأمير "محمود" إلى الجولان بعدها بـ3 أشهر.
حاول
الجنرال "غورو" التقرب إلى الأمير "محمود" وإغراء أبناء
الجولان بمناصب متنوعة لقادة ثورة الجولان وعلى رأسهم الأمير "محمود
الفاعور" فقرر زيارة الأمير "محمود" في عمرته "بواسط"
عام 1921 وهنا جرت محاولة اغتيال الجنرال "غورو" بقيادة المجاهد
"أحمد مريود" وكانت الرسالة واضحة من أبناء الجولان "لغورو"
برفض المحتلين.
وفي
عام 1923 تقاسم الانكليز والفرنسيون حدود سورية وفلسطين بينهما بسهل
"الحولة"، فاشتبك رجال الأمير "محمود" مع القوات الفرنسية
وقتلوا عدداً من الجنود الفرنسيين فردت فرنسا بقسوة من قتل وتهجير وحرق قرى
ومصادرة مواشي فنزح الأمير مجددا إلى قرية "كفر سوم" شرقي الأردن حيث
اعتقلته القوات الانكليزية لتنفيذ مخططها بتقاسم سهل "الحولة" مع
الفرنسيين وسجنته بالقدس ونقلته منها إلى "طبريا" و"عكا" وبعد
تزايد ضغوط وجهاء فلسطين على السلطات الانكليزية وهجمات أبناء الجولان على القوات
الفرنسية تم العفو.
عاد
الأمير "محمود الفاعور" إلى الجولان وتوفي فيها ودفن في قرية
"واسط" في الجولان عام 1927 بعد أعوام طويلة أمضى حياته بالجهاد والدفاع
عن وطنه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق