الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2016-05-25

بين القصور الذاتي والمؤامرة الخارجية - بقلم: محمد عادل فارس

من يقرأْ حال الفرد المسلم، والجماعة المسلمة... والعالم الإسلامي، يجد مبشّرات ومحبطات.
تتمثل المبشرات في صحوة إسلامية متنامية، تفرض نفسها في أنحاء العالم الإسلامي، بل في أنحاء العالم كله، وتتمثل في إقبال قطاعات متزايدة من الشباب، ذكوراً وإناثاً، على الالتزام بالإسلام، والسعي لإقامة الحياة الإسلامية، على المستوى المحلي والعالمي، وإحياء العلوم الإسلامية، والثقافة الإسلامية، والتراث الإسلامي...
ويتبع ذلك دخول عشرات الآلاف، كل عام، في الإسلام، ممن كانوا يعتنقون ديانات أخرى، فضلاً عن توجّه مئات الآلاف إلى الإسلام، ممن كانوا محسوبين على الإسلام –بحكم شهادات الميلاد- ولم يكونوا قبل ذلك يكترثون بالدين، بل ربما كانوا يحاربونه!.

ويترافق ذلك مع انتشار الكتاب الإسلامي، التراثي منه والجديد، وشريط الكاسيت والأقراص المدمجة، بما تحويه من ترشيد للصحوة، ومن تعليم، ومن وعظ، ومن ترفيه ونشيد ومسابقات...
كما يترافق مع إقبال على حفظ القرآن الكريم، والطلب المتزايد على الإجازة في تجويده وقراءاته، والإقبال على الدراسات الإسلامية في الجامعات والمعاهد...
*******
وقد ينغّص على هذه المبشّرات اضطراب سُلّم الأولويات في رؤية بعض الإسلاميين، كأن يختار أحدهم الدراسة والتحقيق في بحوث لا تمسّ حياة المسلمين وحاجاتهم ومشكلاتهم في شيء، أو يتحمس أحدهم للدفاع عن الإسلام وحرماته، لكنه يوجّه جهاده نحو الهدف القريب السهل وإن كان هدفاً خاطئاً، ويتوه عن الهدف الصحيح... ومثاله ما نجده من مخاصمة المسلم لأخيه الذي يخالفه في الرؤية والاجتهاد! هذه المخاصمة التي تنتهي أحياناً إلى استباحة دمه!
وهذا الأمر يضعنا على عتبة المحبطات:
فكم من صيحة لمفكرين إسلاميين (كابن باديس وحسن البنا ومالك بن نبي وشكيب أرسلان وعبد الرحمن الكواكبي ونجم الدين أربكان...) على اختلاف مشاربهم، لم تأخذ مداها، وتحقق غاياتها!! وكم من مشروعات عُقدتْ لها المؤتمرات، وأُنشئت لها المنظمات، وبذلت فيها الجهود والأموال، وصدرت عنها التوصيات والقرارات... وأسمعتْنا جعجعة، ولم تُرنا طِحْناً!! أو كان ما ترينا إياه أشبه بالشكليات والرسوم!
ولسنا هنا نسأل عن أهداف عريضة كعودة الدولة الإسلامية العالمية، بل نذكر أهدافاً أقلّ كجامعة الدول الإسلامية، بل أقلّ كمجموعة الدول الإسلامية الثماني، بل مشروع خط الحديد الحجازي، وتقريب الفجوة بين تيارات العمل الإسلامي...
ولدى دراسة كل حالة من الحالات نجد أن عوائق خارجية قد حالت دون ظهور الجدوى، بل لعل بعض التحركات قد بادرت إليها جهات سيئة النية، لتحول دون وقوعها في أيدي أصحاب النيات الحسنة.
وفي عصر التداخل السياسي والثقافي والإعلامي والاقتصادي، عصر العولمة، لا يمكن الفصل تماماً بين ما هو ذاتي وما هو خارجي، فالأفراد والمؤسسات والدول كلها تخضع لتبادل التأثير، والأقوى هو الأقوى تأثيراً...
المؤامرة قائمة مرئيّة رأي العين، وهي تتخذ صوراً عدّة، فالسماح لأهل الضلال والفساد، والرعايةُ لهم والتأييد والتشجيع، بنشر ضلالهم وفسادهم باسم الحرية، وإسناد المسؤوليات إليهم في المؤسسات الرسمية وغير الرسمية... بمقابل التضييق على أهل الحق والخير والصلاح، مرة باسم تجفيف منابع الإرهاب، ومرة بحجة أن الدعوة باسم الدين تشقّ المجتمع طولياً!، ومرة بأن هذه الدعوة تتجاوز على الأقليات، ومرة بأنها رجعية أو أصولية أو عميلة أو سلفية... هذا الأمر يضع دعاة الإسلام أمام خيارات صعبة:
إما أن يَمْضُوا في الطريق الذي آمنوا به، وهذا يجعلهم في صدام مباشر مع القوى المضادّة...
وإما أن ييئسوا فينكفئوا على أنفسهم، ويرضوا من الغنيمة بالإباب!.
وإما أن يختاروا العمل (أو اللعب) في الميدان الذي يجود عليهم به الآخرون، فيسمحوا لهم بالعمل فيه، وهم يراقبونهم، لعلهم يتجاوزون الخطوط الحمراء في غفلة من حُماة الخيانة والرذيلة! وهذه الخطوط قابلة للتراجع والانحسار كلما ضاق أهل الباطل بها ذرعاً!.
********
وحتى لا نطيل في تحليل الواقع، نسجل بعض الخلاصات:
1- هناك مؤامرات على الفرد المسلم، والأسرة المسلمة، والجماعات والأحزاب الإسلامية... تتمثل بالغزو الثقافي، والحصار الاقتصادي والسياسي والأمني...
2- وهناك رقابة على الأفراد المسلمين، والمنظمات الإسلامية، بل على الدول الإسلامية... لضمان الاستحواذ على ذلك كله، أو ضمان بقائه ضمن الحدود المرسومة، لئلا يحدث شيء لم يكن في الحسبان.
3- وهناك حرب إعلامية على دعاة الإسلام، وتشويه لسمعتهم، لتخذيل الشعوب من حولهم، والحيلولة دون تمكنهم من قيادة تلك الشعوب.
4- وهناك –في المقابل- قصور شديد لدى المسلمين أنفسهم. وإذا كان بعض القصور يعود إلى العوامل الخارجية، فإن كثيراً من القصور يتسبب به المسلمون أنفسهم. ومع الاعتراف بأن المؤثرات الخارجية صارت من السَّعة والثِّقَل والنفوذ... ما يجعلها تتسرب في جوانب الحياة الشخصية والجماعية، والمادية والأخلاقية والثقافية... فإن على المسلمين أن يراجعوا مواقفهم ومسالكهم، ويأخذوا بأسباب النهوض، ويفرضوا احترامهم على العالم، وينقدوا أنفسهم نقداً بنّاء إيجابياً، لا يصل إلى التقريع وجلد الذات والتثبيط... إذ ليس كل ما في حياتهم من خلل ومرض وتخلُّف، راجعاً إلى ضغط الآخرين وتآمرهم. أليس بإمكان المسلمين أن يتمسّكوا بقيم الإسلام العليا من صدق وأمانة ونظافة، وضبط للموعد، وصيانة للوقت، ومحافظة على البيئة، وتأكيد لكرامة الإنسان، وتوعية بالواقع السياسي، ومقاومة للظلم والاضطهاد، ونصرة للمظلوم...؟
5- لو قرأنا كتاب الله تعالى (ومعه السنّة المطهرة) لوجدنا الإشارة إلى الأمرين جميعاً: تآمر الأعداء وكيدهم، وقصور المسلمين وغفلتهم.
فالله تعالى يقول: )قد بدتِ البغضاء من أفواههم، وما تخفي صدورهم أكبر( )لا يرقُبون في مؤمن إلّاً ولا ذمّة( )ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردّوكم عن دينكم إن استطاعوا(.
ويقول سبحانه كذلك: )أوَ لمّا أصابتكم مصيبةٌ، قد أصبتم مثليها، قلتم: أنّى هذا؟! قل: هو من عند أنفسكم( )إن الله لا يغيّرُ ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم( )إن الذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا: فيم كنتم؟ قالوا: كنا مستضعفين في الأرض(.
وعندما بيّن النبي صلى الله عليه وسلم -في الحديث الذي رواه أبو داود- حال المسلمين يوم تداعى عليهم الأمم، وهم كثير، لكنهم غثاء كغثاء السيل... ذكر أن قلوب المسلمين يومئذ مبتلاة بالوهَن، الذي هو: "حب الدنيا وكراهية الموت".
6- هناك مجالات يسمح بها الآخرون للمسلم أن يتحرك فيها، إما لغفلتهم عنها، أو غفلتهم عن خطورتها... وعلى المسلم أن يستثمر هذه المجالات، فالفرصة التي تضيع لا تعوّض، ولا ينفع البكاء عليها بعد فواتها. ولكن لا يجوز للمسلم أن يكتفي بهذه المجالات، بل عليه، أو على مجموع المسلمين، أن يحرصوا على سد الثغرات، والقيام بالواجبات، والاستعداد للتضحيات. ومن اختار مجالاً يعمل فيه فلا يحسبنّ أنه –بالضرورة- يسدّ الثغرة الأهم، وأن غيره يعبث ويلهو ويطيش... بل ليتسعْ صدرُه وعقله لاجتهادات الذين اختاروا مجالات للعمل أخرى!
7- إذا استعرنا المصطلح الذي أبدعه المفكر الجزائري مالك بن نبي، وهو "القابلية للاستعمار" فيمكن أن نقول: هناك استعمار وتوابع للاستعمار من دول ومنظمات وأفراد... وهو ما يمثل الطرف المتآمر والضاغط والمدمّر... وهناك القابلية للاستعمار التي تتمثل في الخوف والقعود والكسل والبلادة والخيانة والجهل والفقر والشعور بالتقزم والتبعية والتقليد الأعمى والانبهار... وهذه الأمراض لم تظهر في المسلمين بين عشية وضحاها، بل امتدت عبر سنين طويلة، وأصبح بعضها عميق الجذور في حياتهم... وعلاجها كذلك يحتاج إلى جهود طويلة، ومجاهدة دؤوب.
)وقل: اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون، وستردُّون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون(.
)والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سُبُلنا. وإن الله لمع المحسنين(



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق