الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2018-04-05

ولكنّ المسكوت عنه أعظم! - بقلم: محمد عادل فارس


مِنَ الناس مَن يملك الرؤية للحدث من وجوهه كافة، ويملك التجرد والجرأة ليقول ما يعتقده... وهو ما أخذ البيعة عليه رسولنا صلى الله عليه وسلم، ففي الصحيحين من حديث عبادة بن الصامت: "بايعْنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة... وعلى أن نقول الحق أينما كنا، لا نخاف في الله لومة لائم".
ولكن كثيراً من الناس يذكرون جانباً من الصورة أو الحدث... ويُصدِرون حكمهم، مع أن الجانب الذي لم يذكروه قد يكون هو الأهم. وكم من مرةً قرأتُ تحليلاً سياسياً، أو سمعتُ خطبةً، وكان الكلام الذي ذكره الكاتب أو الخطيب صحيحاً بذاته، لكنه يقتصر على جانب من الموضوع، ويتجاوز جانباً منه آخر، هو الأكثر أهمية. يفعل هذا قصوراً في الرؤية، أو خوفاً من سلطان، أو طمعاً في أعطية، أو التزاماً بكلام جاءه مكتوباً فهو يقرؤه مقتنعاً أو غير مقتنع.

وشأن هؤلاء – وإن تفاوتت نيّاتهم- كشأن الحاوي (الساحر) يشير بإصبعه إلى بقعة ويقول: انظر انظر. وهو يقصد أن يصرف أنظارنا عن بقعة أخرى بعيدة، يمارس فيها خداعه.
وسأذكر ههنا ثلاثة نماذج لأمور، مما يحدث في بلدي سورية، يقتصر فيها التشخيص على الجانب الأقل أهمية، ويهمل الجانب الحاسم:
1- ينحبس نزول الغيث، ويهرع الناس إلى صلاة الاستسقاء، وهي سنّة ثابتة، ويتكلم الخطيب فيهم، ويبيّن أن هذا كان بسبب ذنوبهم، وأن الاستغفار هو السبيل لاستنزال رحمة الله، ويقرأ عليهم قول الله تعالى: (فقلت: استغفروا ربّكم، إنه كان غفّاراً، يرسل السماء عليكم مدراراً...). وهذا كله حق بلا ريب، ولكن الحق في الجانب الأهم هو أن إقصاء شريعة الله عن الحياة، والاحتكام إلى غير شرع الله في شؤون الحياة العامة؛ الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية... هو أساس البلاء ومنبع الآثام، وأن معظم المعاصي ستنحسر تلقائياً فيما لو أقيم حكم الله في الأرض، وأن أي دعوة للتوبة والاستغفار سيكون مردودها ضئيلاً ما دامت شرائع الكفر تحكم حياة الناس.
أليس هذا الجانب الذي سكت عنه الخطيب هو الأهم؟!.
2- نشأ في سورية، منذ عقود، هيئة للرقابة والتفتيش، مسؤولة عن رصد حالات الفساد الاقتصادي من رشوة وسرقة للأموال العامة... وربما نشأ في دول أخرى مثلُ هذه الهيئة. فماذا كانت النتيجة؟!.
أما الحيتان وكبار الفاسدين، ممن تقدّر سرقاتهم بالملايين وعشرات الملايين ومئاتها... فهؤلاء محميّون، أصحاب حصانة، لهم دعم من أجهزة الدولة الأمنية وغيرها... فلا تطولهم محاسبة، ولا يجرؤ أحد على مساءلتهم.
وأما السارقون من الدرجة الثانية، فمن كان ذا صلة و"محسوبية" فهو محمي كذلك. ومن لم تكن له هذه المزايا فهو الذي يقع في "الفخّ"، ويصبح عبرةً لمن يعتبر.
وأما السارقون الصغار فهم الوقود لعملية الرقابة والتفتيش.
لقد طُبّقت العدالة على الضعفاء، وتُرك أصحاب البطون الكبيرة يرتعون في أموال الشعب، وما رفعت الأسد وامبراطوريته المالية عنكم ببعيد.
3- منذ ثلاث سنوات وأكثر، وأنا أتابع إحصاءات القتلى في سورية، تلك الإحصاءات التي تصدرها هيئات ومنظمات محلية أو عالمية. وفي كل مرة أجد أن عدد من تقتلهم قوات النظام ومن يؤازرها من حزب اللات والمجوس والذين أشركوا من روس وغيرهم... يبلغ حوالي 90%، ومن تقتلهم فئات المعارضة المعتدلة والمتطرفة (وكلها في معيار نظام أسد إرهابية متطرفة مندسّة..) لا يتجاوزون الـ 10%.
ومع ذلك تقرع وسائل الإعلام آذاننا كل يوم "بالفظاعات والجرائم" التي ترتكبها بعض التشكيلات المتطرفة. وصحيح أن قتل إنسان واحد بغير حق يُعدّ جريمة في ميزان الله، كما في موازين البشر.. ولكن ما معنى إبراز الجرائم التي تتسبّب بقتل 2% أو 3% من الضحايا وغض البصر عن قتل التسعين بالمئة؟!.
أليس هذا المسكوت عنه أعظم من الذي تسلّط أجهزة الإعلام الضوء عليه؟!.
فهل الذي يرتكب النسبة الأقل من الجرائم هو الإرهابي، والذي يرتكب جُلّ الجرائم مظلوم بريء؟!.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق