الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2012-08-27

الروضة الريَّا فيمن دفن بداريَّا - بقلم: إياس غالب الرشيد


هذا اسم كتاب يتحدث عن مدينة داريا، وعن الرجال الأفاضل الذين سكنوها، ودفنوا فيها ابتداء من الفتح الإسلامي، وفيه شذرات لطيفة عن تاريخ هذه المدينة قبل الإسلام، ورأي أهل العلم فيها، وقد ألف هذا الكتاب وهو رسالة صغيرة، الشيخ عبد الرحمن بن محمد العمادي ت(1051)هـ ، وقد طبع الكتاب عن دار المأمون 1988م، بتحقيق ابن داريا الأستاذ عبده علي الكوشك .


وداريَّا كلمة سريانية تعني الدور، وقد كانت قبل الإسلام مجمعا لدور آل جفنة من الغساسنة، ومنازلهم، وبعد الإسلام تقاطر عليها كوكبة من أهل الحكمة؛ أهل اليمن زرافات ووحدانا ، لتزداد ألقا على ألقها، وقد سكنها من الصحابة الكرام : بلال المؤذن، وقد تزوج من أهلها، ودفن فيها، وقيس بن عباية، وقد شهد بدراً وهو حدث السن ، وشهد فتوح الشام مع أبي عبيدة بن الجراح ،وأسود بن أصرم المحاربي، وأبو راشد الخولاني، وأبو مسلم الخولاني، الذي وفد من المدينة فوجد الرسول صلى الله عليه وسلم قد قبض؛ فمضى إلى الشام إلى داريا.

داريا شامة خد الشام برياضها الغناء، التي وهبها الله سبحانه وتعالى الكثير من الثمرات والأعناب، التي تعجب المرء لكثرتها ، وتنوعها، وكأن هذه الضيعة الممرعة فارة من الجنة، في غفلة عن عين رضوان، وهذا الجمال البهي الأخاذ لطالما ألهب ألسنة الشعراء على مر العصور كحسان بن ثابت رضي الله عنه في مديحه للغساسنة، والبحتري ، والصنوبري.

وروى عبد الرحمن بن يزيد بن جابر وهو من رجال الكتب الستة : ( من أراد العلم فلينـزل بين عنس وخولان بداريا) ويذكر محمد كرد علي في كتابه غوطة دمشق : (وفي أغلب العصور كانت داريا حاضرة العلم والأدب في الغوطة)
وهذه الأفنان الرائعة التي ألهبت الشعراء وأهل الفضل والعلم على مر الدهور المنصرمة، أثارت الحقد والغيظ في قلوب فرسان دولة البعث، منذ أن تسللوا إلى السلطة حين نام الدهر سراقا، وبدأوا يأكلون من جسد داريا، يمزقون ضياعها الغناء، التي كانت تمنح الأعناب بأسمائها المختلفة ؛( الزيني الأبيض ،والحلواني ، وخد البنات و و و)، و بدأوا يقتلعون من هذه الجنان الغناء لبناء كتل بيتونية، ليس لها روح أو هوية، كما فعلوا بالغوطة شرقيها وغربيها، تلك الغوطة التي قال فيها الخليفة العباسي المأمون: (عجبت لمن يسكن غيرها،كيف ينعم مع ها المنظر الأنيق الذي لم يخلق مثله!!) . ولو عاد المأمون إلى غوطة دمشق في أيامنا هذه لقال: إن ما يراه في غوطة دمشق لم يخلق مثله أيضا، حيث زحفت العشوائيات البعثية؛ لتمزق هذا الجسد الجميل، فبدت غوطة دمشق كأنها عروس مجلوة الوجه في يوم زفافها، وقد رشقها البعث بماء النار وشوه، بهاءها الإلهي؛ لأن الجمال الاستثنائي عبء على أهله إذا كان الغزاة من زمن الكهوف ، وقبل عصر الكلام، لقد استباحوا داريا يمزقون أهلها كبارا وصغارا، ويصورون فعلتهم النجسة، في مشهد سادي يفوق فعل القتل نفسه ، يكلمون الضحايا بدم بارد، وقد استجار القوم بمسجد أبي سليمان الداراني، وهو أحد أعلام المدينة علما وتقى توفي(215) هـ فتبعهم فرسان البعث يشدون أزرهم بقوة هولاكو، معتمدين على قوى استثنائية يمنحهم إياها جنكيز خان بعد الاعتماد عليه والحلول فيه.

إياس غالب الرشيد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق