الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2013-09-23

لنهبط جميعا على الأرض التي نبتنا منها ونبني دولة- د. عبد الغني حمدو



في سوريا كان يحكمها حزب واحد له خطوط  حمراء التزم فيها الناس ونسوا مابعدها
الثورة السورية تجاوزت تلك الخطوط وتفتح أمام الجميع طرق شتى
خرج من رحم الثورة ايديولوجيات متعددة
وكل ايديولوجية مطروحة تقول أنا الفئة المخلصة  فاتبعوني بالرضى أو بالغصب
من البديهيات المعروفة أن السمكة تموت عندما تخرج من الماء
ومنها أيضاً كل فكر أو مشروع سياسي لايجد من يعتنقه ويدافع عنه من الملة , فسيكون المشروع منتهياً عاجلاً أم آجلا
وباختصار كل مشروع لاينتمي إلى الأرض فمصيره الفشل
فالمخرج هنا أن نهبط على الأرض ومن ثم إن أردنا الزراعة فعلينا معرفة الأرض المخصصة للمشروع , وقبل الزرع سنسأل أنفسنا ماهي الفائدة من الزراعة تلك , وهل ستقدم الخير لصاحبها وكذلك للمجتمع 

فإن كان الزرع نبات الخشخاش والذي يُنتج منه أخطر أنواع المخدرات , فستكون الفائدة لصاحب الزرع كفائدة مادية , ولكنها تكون تلك الفائدة المتوقعة محفوفة بالمخاطر , وقد ينتهي صاحبها في سجن أبدي أو أن تكون ثمناً لحياته , يقابلها شرٌ مقدم للبشر , فتكون النتيجة تعاسة لصاحب الزرع  وتعاسة تعم على المجتمع
أردت إقامة بناء وعندي كامل الامكانيات لإتمامه ,وبعد الانتهاء منه تبين لي أن المكان الذي بنيت فيه البناء يقع على خط الزلازل , وفي نفس الوقت الطرقات الواصلة إليه غير آمنة المسالك , ومع أن البناء جيد ومتين , ولكن العواصف والزلازل ستبقي ساكنيه في حالة من القلق , والوصول إليه محفوف بالمخاطر , عندها ستكون النتيجة الحتمية أن البناء ليس صالحاً للسكن ويكون الحلم الذي تحقق ببناء البيت قد ذهب إلى المجهول , وصرت سخرية للغير لأنهم اعتبروني من البداية مجنوناً في أنني لم أراعي الواقع وتمسكت برأيي القاطع أن هذا البناء سوف يصمد ويكون منارة لمن حولي لإنشاء مجمع يليق بنا جميعاً في هذا المكان , فقد جرب قبلي البناء في هذا المكان وكانت النتيجة عينها إن لم تكن أقسى منها , وكان أول المتخلين عن السكن في البناء هم أصحاب البناء نفسه
إن كل جهة تفكر باستلام الحكم في سوريا على مقاس عقيدتها ستجد في النهاية أن بناءها لن يصلح للسكن وسيتهدم فوق رؤوس أصحابها وسيعم البلاء بعدها على الجميع
لندع الأحلام جانباً ونهبط من عالم الخيال إلى عالم الأرض التي نبتنا منها , في أن نضع أمامنا الحقائق والإمكانيات والمتطلبات ومن ثم نسير في تحقيق الأهداف التي انطلقت منها ايديولوجيتي العقائدية
انتصرت الثورة وسقط نظام الحكم وجاءت (داعش) واستلمت نظام الحكم في سوريا , وأرادت أن تبني بناءها على الأرض السورية فما المطلوب منها ؟
تحتاج في البداية من خمسين إلى مائة مليار لإعادة اعمار ماتهدم  والسؤال هنا : هل عندها الإمكانية لتأمين هذا المبلغ ؟
وهل الطرق المؤدية  إلى هذا البناء ستكون سالكة وأمينة ؟
وهل البناء سيكون صالحاً للسكن وهو معرض في الوقت نفسه لكل أنواع الشرور البشرية ؟
والأهم من ذلك أن موارد الدولة  في السنين الأولى ستكون معطلة ومن  أهم مواردها هو الضرائب  , وكذلك القطاع العام المعطل والذي يحتاج لإعادة بناء وتأهيل , بالاضافة إلى الموارد الطبيعية والتي لاتملك سوريا مايفيض عن حاجاتها الذاتية إلا القليل منه
إن التفصيل في العوائق أمام (داعش) والغور في تفاصيلها يمكنها الوصول إليها بالإستناد على ماأسلفنا أعلاه , والسؤال الأهم الذي سيطرح نفسه دائماً وأبداً
هل بناؤكم يستطيع الصمود وصالحاً للسكن وتحقيق الأمن والأمان لجميع ساكنيه ؟
وتسكنه وتحيط فيه كل المعوقات والأوبئة الموجودة والمحتملة
أعتقد جازماً أن أية جهة منفردة ستفشل وستكون النتيجة وبالاً عليها وعلى ساكني البناء , وسيعم الظلم والقهر بين الجميع وستكون الدماء البريئة المسفوكة في كل الأماكن ,وسينعدم الأمان والماء والغذاء وستتحول الغابة لصحراء قاحلة لاماء ولا حياة فيها
فالحل يكون في طبيعة البناء الرمزية  بحيث يكون متعدد الأجنحة وفي كل جناح له مسئول يعبر عن وجهة نظر رواده , غربي وشرقي وشمالي وجنوبي وسمائي , تجمع المسئولين جميعاً مصلحة استمرارية صمود البناء وفي نفس الوقت السير على تطويره وتجميله وتحسينه وتحسين مستوى ساكنيه بمشروع مفتوح متطور له مسارات عبر عقود قادمة , يحقق فيها التوازن بين الاحتياجات  والتطلعات والرغبات الانسانية والتي تعمل على استقدام الخير لساكني البيت وعبر امتدادات  خطوط الطول والعرض على الكرة الأرضية كلها .
د.عبدالغني حمدو


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق