بسم الله الرحمن الرحيم
كثيرون أولئك الذين يريدون للثورة السورية
أن تنتصر، وتحقق أهدافها في الحرية والعدل والكرامة لجميع الذين يعيشون على تراب سوريا
أيا كان انتماؤهم..
وكثيرون من هؤلاء من يُفعم الأملُ نفوسهم بأن
هذه الثورة منتصرة لا محالة، ويدفعه إلى هذا ذلك الانبهار الكبير الذي تحس به نفوسهم
وهم يرون تلك البطولات والتضحيات التي لا يمكن أن تصدق لولا أن دماءً بالفعل تسيل،
وشهداء بالفعل يُدفنون، وبُيوتًا تقصف وتهدم، وأعراضًا تُنتهك... ثم يتساءلون في قرارة
نفوسهم أيُعقل أن يترك الله ذلك يذهب سدًى...
وبين هؤلاء وأولئك، فئة ثالثة، وهم كثيرون
أيضًا، أخذت بأحسن ما عند الفريقين، فكانت متفائلة ومراعية للواقعية في آن واحد، وكانت
تنظر إلى تلك الدماء على أنها وقود فعال؛ لتبقى الثورة مندفعة اندفاعًا ذاتيًا لا يُسهم
في تقوية هذا الاندفاع تفاؤل خلبي، ولا واقعية مثبطة...
وإن حالة الثورة على الأرض تحدد مدى طغيان
أحد الفريقين؛ الأول أو الثاني على الآخر... ويزيد من هذا الأثر حيوية أهل النصرة للثورة
من شعوب ودول... فإن أخذوا الأمر بعزم وقوة وجدية؛ معتبرين أن القضية قضيتهم؛ لأنها
خط الدفاع الأخير الذي إذا انهار فإن سيل الشعوبية والطائفية والمذهبية الضيقة سوف
يجرف كل ما يُصادفه أمامه من إيجابيات، أو قيم، هي في الأصل من السمات البارزة والمميزة
لشعب سوريا أولاً وللشعوب الأخرى ثانيًا تلك الشعوب التي تتطلع إلى يوم ترى فيه الثورة
وقد علت رايتها خفاقة في سماء المنطقة كلها وليس في سوريا فقط...
أجل، إن حيوية أهل النصرة من شعوب ودول يجب
ألا تقل عن حيوية الأطراف الأخرى المؤيدة للنظام... عليهم أن يضعوا نصب أعينهم قول
الرئيس الإيراني أحمدي نجاد: إننا سعداء بالطريقة التي تعاملت بها الحكومة السورية
مع الأزمة وإننا سنبقى ندعمها حتى النهاية!!! وكذلك يجب أن يضعوا نصب أعينهم كلمة الحليف
الرئيسي للنظام، روسيا، على لسان وزير خارجيتها : إننا نبدي تخوفنا من أن يؤدي دعم
الانتفاضة في سوريا إلى قيام دولة سنية!!!
وبعد أن يضعوا ذلك نصب أعينهم، ويُمعنوا النظر
في القولين وغيرهما مما يُصرح به هذا المؤيد للنظام من هنا أو غيره من هناك.. أقول:
وبعد أن يفعلوا ذلك فليتوجهوا إلى أنفسهم بالأسئلة الآتية:
1- هل نحن راضون عن الطريقة التي تتعامل بها
الثورة مع النظام؟
2- هل نحن بالفعل مستعدون لأن نبقى ندعم الثوار
بما هم عليه من حراك حتى النهاية؟
3- هل نحن أبدينا – ولو من باب المعاملة بالمثل
– تخوفنا من وجود دولة قائمة بالفعل تعلن عن نفسها بأنها تلتزم بمذهب معين يتناغم مع
النظام السوري ويؤيده؟
وأسئلة أخرى مماثلة تقابل تلك التي يجدون نظائرها
في الصف الآخر....
في الحقيقة حين يصل مستوى التفاعل من قبل أنصار
الثورة السورية (شعوبًا وحكومات) إلى هذا المستوى فإننا بالتأكيد نجد كثيري الفريق
الأول أصبحوا أكثرية مطلقة، وأن الثورة واقعيًا قد أوشكت على تحقيق النصر المؤزر على
خصومها.. وأن المسألة أصبحت مسألة وقت قصير لترتيب مراحل لا بد منها للوصول إلى النصر...
ولرب سائل يسأل: ما لكم أغفلتم دور الشعب السوري
نفسه الثائر في هذا الشأن؟ والجواب أوضح من وضوح الشمس في سماء يوم صائف لا غيوم فيها..
إن
الشعب السوري الثائر قد أدّى ما عليه وزيادة، ودفع مقدما ثمن النصر الذي ينشده، من
دمه الغالي، وماله الحلال، وعرضه المنتهك، وأسره المشردة، كل ذلك كان لقاء ثباته وإصراره
على نيل هدفه مهما كان الثمن باهظًا والتضحيات جسيمة فلا يملك أي إنسان أن يربط أي
نتيجة غير مرغوبة للثورة بهذا الشعب العظيم...
أما ((المعارضة)) فلها شأن آخر مع الموضوع
ذاته، وبالرغم من أن مكوناتها كلها من مكونات هذا الشعب .. فإن أمورًا كثيرة، عندها،
جعلتها تضعها تحت المسؤولية والمساءلة... ولتجلية الأمر فلنذهب إلى الأجنحة التي تؤيد
النظام ولننظر في هذه الأسئلة:
1- هل هي مختلفة في الوسيلة أو الطريقة التي
تقدم بها دعمها للنظام ؟
2- وهل أحدها طالب بمكسبٍ خاصٍ له؛ لا يتماشى
مع رغبات الآخرين وأصر على تلبية هذا المطلب وإلا سيتخلّى عن تأييد النظام، والانسحاب
من محور التأييد...؟!
3- وهل اعترض أحدها على تصرفات ذات طابع فردي
أو عقدي قام بها أحد الأجنحة وراح يثير البلبلة بين صفوفها فاضحًا وعائبًا وناقدًا
بطريقة تشمئز منها الفطرة الإنسانية السليمة؟!!!
إن الذي قلناه عن أهل النصرة من مؤيدي الثورة
حول إجابتها على أسئلة محددة ذكرت آنفًا؛ نؤكد
عليه بالنسبة للمعارضة. إذ عليهم أن يتوجهوا بأسئلة تُشتق من نظائرها لدى أطراف محور
تأييد النظام؛ مثل:
1- هل نحن مختلفون في الطريقة أو الوسيلة التي
ندعم بها الثورة؟ هل كلنا متفقون على تسليح الجيش الحر؟ هل كلنا متفقون على مفهوم
"سقوط النظام" وهكذا....
2- هل يوجد فريق منا طالب بمطلب خاص له يميزه
عن غيره؟ وهل اتفق الجميع على تلبية طلبه؟ وماذا كانت ردة فعله مقابل ذلك؟
3- هل قام مؤيد منا يعيب على آخر فعله أو طريقة
تأييده للثورة؟ وهل كان نقده بنّاء أم إن لغة السباب والشتم والتخوين كانت هي السائدة
فيما بيننا؟
ولينظروا
أين هم مما ينبغي أن يكونوا عليه بعد الإجابة الموضوعية والدقيقة لتلك الأسئلة...
أما أنتِ أيتها الثورة المباركة، وأنت أيها
الشعب السوري الثائر العظيم... فإن المتفحص لواقع مدّعي نصرتك (شعوبًا كانوا أم دولاً
أم معارضة) ولاسيما بعد معرفة أجوبة تلك الأسئلة السابقة؛ ليجد نفسه مندهشًا وحائرًا أمام سؤال كبير وعظيم بعظم هذا الشعب...
كيف استمرت الثورة بزخمها وقوتها وانتشارها
على مدى أكثر من عام وحال مؤيديها والمعارضة التي تنتسب إليها لا يخفى على أحد من حيث
الضعف والتفرق واختلاف الكلمة؟
لكن سرعان ما تزول دهشته، وتتلاشى حيرته، حين
يفطن إلى القوة الذاتية لدى الشعب الثائر... هذه القوة هي التي جعلت المؤيدين للثورة
والمعارضة المحسوبة عليها - بعد مرور أكثر من عام على قيامها – أن ينتبهوا إلى ضرورةِ
أن يأخذوا الأمر بقوة، وبجدية، ويستفيدوا من إجاباتهم عن الأسئلة السابقة ولاسيما وهم
على أعتاب انعقاد مؤتمر أصدقاء سوريا في إسطنبول؟!
إن المقدمات التي سبقت عقد هذا المؤتمر لتبشر
بخير، ولكن ليس بالقدر الكافي؛ فعلى الجميع أن يعوا ذلك؛ وأن يكونوا على مستوى المسؤولية،
ومستوى احترام وتقدير الدماء التي سالت سخية من أحرار هذا الشعب العظيم... وإن حكم
الشارع فيهم لا يظلم ولا يكذب... والثورة ماضية أيا كانت المواقف.. فالشعب قال كلمته
ولن يتراجع ، وسينتصر بإذن الله...وبالتالي فإن عين المحب لترجو من المؤتمرين أن يرتفعوا
إلى مستوى ما عليهم من مسؤولية، وأن يُروا أحباءهم من أنفسهم خيرًا قبل فوات الأوان،
وإن غدًا ليوم مشهود بأهميته، وشاهد على من يحضره، وفي إنجاحه فليتنافس المتنافسون.
محمد جميل جانودي- السبت 8/5/1433 الموافق
لـ 31/3/2012
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق