اتّباع النبي صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله
وأحواله، علامةُ الحبّ له، وهو ما نفهمه من قول الله تعالى: (قل: إن كنتم تحبّون
الله فاتّبعوني يحببكم الله). {سورة آل عمران: 31}.
وفي مسالك الصحابة ومن تبعهم بإحسان، الكثير الكثير
من مظاهر هذا الاتباع، سواء فيما يكون واجباً أو ما يكون مندوباً. لكن حديثنا هنا
ليس عن علامة الحب هذه، وإنما عن الحب الذي يعمُرُ القلوب ويصل إلى درجة الوَله،
ولا يقف عند مجرد الاتباع:
لقد عُذّب أبو بكر الصدّيق رضي الله عنه في مكة حتى
حمله قومه بنو تميم إلى بيته، ولا يشكّون في موته، فتكلم آخر النهار فقال: ما فعل
رسول الله صلى الله عليه وسلم؟. ولم يطمئن باله حتى ذهب، يُهادى بين اثنين، إلى
دار الأرقم، ليراه بنفسه!.
وكثيراً ما نقرأ عن الصحابة، رضوان الله عليهم،
أنهم كانوا يخاطبونه، صلى الله عليه وسلم: فداك أبي وأمي يا رسول الله.
وفي غزوة بدر نقرأ قصة الصحابي سواد بن غزية فنحسّ
برعشة تهز أبداننا فقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يسوّي الصف وفي يده قدح
فمرّ بسواد وهو بارز عن الصف فطعنه في بطنه بالقدح فقال سواد: لقد أوجعتني يا رسول
الله، وقد بعثك الله بالحق فدعني أقتص منك، فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن
بطنه، ليمكّنه من القصاص، فاعتنقه سواد فقبّل بطنه وقال: يا رسول الله حضر ما ترى
فأردتُ أن يكون آخر عهدي بك أن يمس جلدي جلدك.
وفي قصة صلح الحديبية أن عروة بن مسعود جاء يفاوض
النبي صلى الله عليه وسلم على العودة عن دخول مكة.. ثم رجع إلى أصحابه فقال: لقد
وفدتُ على الملوك، ووفدتُ على قيصر وكسرى والنجاشي. والله ما رأيتُ ملكاً قَطّ يعظّمه
أصحابه مثل ما يعظم أصحاب محمد محمداً... وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ
كادوا يقتتلون على وَضوئه، وإذا تكلّم خفضوا أصواتهم عنده، وما يُحِدّون إليه
النظر، تعظيماً له. (رواه البخاري بألفاظ قريبة).
وهاكم نماذج لهذا الحب من سيرة صحابيين كريمين:
1- سعد بن الربيع رضي الله عنه:
في أواخر غزوة أحد قال النبي صلى الله عليه وسلم
لبعض أصحابه: مَنْ رجلٌ ينظر ما فعل سعد بن الربيع، أفي الأحياء هو أم في الأموات؟
فقام رجل من الأنصار ونظر فإذا سعدٌ جريح وبه رمق. فقال له: إن رسول الله صلى الله
عليه وسلم أمرني أن أنظر أفي الأحياء أنت أم في الأموات؟ قال: أنا في الأموات،
فأبلغْ رسول الله صلى الله عليه وسلم عني السلام وقل له: إن سعداً يقول لك: جزاك
الله عنا خير ما جزى نبياً عن أمته. وأبلغ قومك عني السلام وقل لهم: إن سعداً يقول
لكم: إنه لا عذر لكم عند الله إن خَلُص إلى نبيّكم ولكم عين تطرف. قال الأنصاري:
فلم أبرح حتى مات.
أرأيتم هذا الحب الذي يملك على سعد قلبه؟! إنه حبه
للرسول صلى الله عليه وسلم الذي يجعله يودّع الدنيا بهذه الكلمات العذبة.
2- زيد بن الدثنّة رضي الله عنه:
كانت غزوة أحد في منتصف شوال من السنة الثالثة
للهجرة.
وبعد هذه الغزوة بأيام قليلة قدِم على النبي صلى
الله عليه وسلم جماعة من عُضَل والقارَة، وهما قبيلتان من قبائل العرب فقالوا: يا
رسول الله إن فينا إسلاماً، فابعث معنا نفراً من أصحابك يفقهوننا في الدين،
ويعلموننا القرآن، فبعث معهم نفراً منهم زيد بن الدثِنّة. فانطلقوا حتى إذا وصلوا
إلى ماء يقال له الرجيع، غدر القوم بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأسروهم،
وباعوا زيد بن الدثنة لصفوان بن أمية حتى يقتله ثأراً لأبيه أمية بن خلف الذي قتل
يوم بدر. وخرج المشركون بزيد بن الدثنة ليقتلوه بجوار مكة. وهناك سأله أبو سفيان
بن حرب قال: أنشدك بالله يا زيد أتحب أن محمداً الآن عندنا مكانك نضرب عنقه وأنت
في أهلك؟ فقال زيد: والله ما أحب أن محمداً الآن في مكانه الذي هو فيه، تصيبه شوكة
تؤذيه وأنا جالس في أهلي. فقال أبو سفيان: ما رأيت من الناس أحداً يحب أحداً كحب
أصحاب محمد محمداً.
وبعد هذا: كم نجد من دُنُوّ الهمّة، وضآلة الحب
للنبي صلى الله عليه وسلم في قلب مسلم تدعوه إلى اتّباع سنّة النبي صلى الله عليه
وسلم في مسلك أو هيئة، فيقول لك: إنها سنّة!. أي لماذا تطلب مني أن أفعل ذلك وهو
مجرد سنة؟ وكأنه يقول: وما قيمة السنّة؟ أليس الأصل أن نُهمل السنّة؟!.
إنها السنّة أيها المسلم، وإن اتباعها هو الدليل
على حبك لصاحب السنّة.
وصلى الله وسلم وبارك وعظم على رسولنا ونبينا
وقائدنا وهادينا ومعلّمنا وقدوتنا محمد بن عبد الله وعلى آله الطاهرين وأصحابه
الغر الميامين. والحمد لله رب العالمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق