(( أعزائي زوار هذه الصفحة الكرام يسرني
ابتداء من اليوم نشر الحلقة الأولى من هذه السلسلة التي نحاول فيها تلمس صورة
الواقع العربي الراهن، ومناقشة ما تعانيه أمتنا العربية من مشكلات طاحنة، وأزمات
معقدة ، وما تتعرض له من تيارات فكرية مزلزلة، وهدفنا من هذا كله تلمس مسيرة
الأمة، واستشراف مستقبلها الذي نسأل المولى عز وجل أن يكون أفضل من حاضرها،
مستقبلاً يليق بتاريخها المجيد وتراثها العظيم، وسوف نحاول نشر حلقة في هذه السلسة
يوم الأحد من كل أسبوع، والله ولي التوفيق )).
لقد قدم التاريخ لنا درساً مفيداً خلاصته
أن ليس لأية ثورة أن تنجح وتحقق أهدافها في غياب رؤية واضحة، وخطة مدروسة، وقيادة حكيمة،
ففي غياب هذه العناصر فإن مآل الثورة هو الفشل، والوقوع في الفوضى، والتخبط،
ومواجهة أوضاع أسوأ من الأوضاع السابقة على الثورة بما لا يقاس !
ومن خلال تتبع ثورات الربيع العربي التي بدأت من تونس مروراً ببقية البلدان العربية، نجد أن تلك الثورات قد افتقرت لهذه العناصر، فقد بدأت هذه الثورات بصورة عفوية دونما تخطيط مسبق ... صحيح أن الأمة كانت تتحين الفرصة للخلاص من الاستبداد وذيوله ، لكن الأمة لم تعد العدة اللازمة لثورة حقيقية تضمن تحقيق أهدافها؛ بل اعتمدت الحس العفوي حافزاً أساسياً في انطلاقتها، مستلهمة الثقافة الشعبية العامة، وكان القهر والحرمان الممزوج بالإذلال هو الوقود الذي فجر شرارة القورة الأولى في تونس ثم في بقية الأقطار العربية، واستمرت هذه العوامل تزود الثورة بوقودها، وتساهم في استمرارها وانتشارها !
ومع أن "الغضب" كان من
أبرز محركات ثورات الربيع العربي، إلا أن مسيرتها لم تمض على هذه المنوال، وإنما
برزت "السلمية" ظاهرة جلية فيها جميعاً، وقد استطاع الثوار الذين
نزلوا إلى الميادين والساحات أن يحولوا الغضب الجماهيري الكامن في النفوس إلى قوة
سياسية فاعلة وضاغطة، استطاعت أن تحرك عجلة التغيير وأجبرت بعض الانظمة الاستبدادية
على التنحي عن السلطة، وأوصلت رسالة بالغة الوضوح إلى العديد من الأنظمة العربية
الأخرى بضرورة المبادرة إلى الإصلاح قبل أن يصل الطوفان إلى كراسيهم ورؤوسهم !
صحيح أنه لم يكن على رأس الثورات العربية
قيادات ملهمة ولا فلاسفة ومنظرين حكماء يوجهون هذه الثورات الوجهة المناسبة التي تراعي
تغير الظروف وتعقيدات المشهد، ولم يكن خلف هذه الثورات أحزاب سياسية فاعلة قادرة
على حشد الجماهير وشحذ الهمم وتوجيه الطاقات لممارسة أشكال ثورية مؤثرة .
أجل .. لقد افتقرت ثورات الربيع العربي كل
هذه العوامل المؤثرة، واكتفت برؤية ثورية راحت تتشكل في الشوارع والميادين وعبر
مواقع التواصل الاجتماعي، وكانت هذه الرؤية الثورية الجامعة والجامحة هي البديل عن
القائد الموجه والفيلسوف المنظر والحزب المنظم .. فهل حقق الربيع العربي ما تصبو
إليه الأمة من حرية وكرامة ؟
والجواب
: نعم لقد تحقق الكثير، فإن سلمية الثورات العربية وبساطة ووضوح الرؤية التي
تبناها الثوار قد حققا العديد من المكاسب المهمة التي صارت بمثابة البديل الموضوعي
للقيادة الجامعة؛ ولاقت هذه المكاسب قبولاً دولياً، وضغطاً حقيقياً على الأنظمة
السياسية التي ثار العرب ضدها؛ ووجدت هذه الأنظمة نفسها مجبرة على الاستجابة لضغط
الثوار والانصياع لمطالب الثورة !!
ومن ثم فإن القول بفشل الربيع العربي، ووصفه
بأنه "مجرد سخط وهيجان اجتماعي فوضوي عبثي" هو قول لا يستقيم مع الواقع .
نعم .. قد تكون هناك ملاحظات عديدة على
الرؤية أو بعض التفاصيل، إلا أن هذه الملاحظات لا تنفي البركات العظيمة التي جلبها
الربيع العربي على الأمة، نذكر منها :
· أن
الربيع العربي قد أبرز إبداعات الثوار العرب التي افصحت عن طاقات خلاقة سوف يكون
لها آثار عظيمة في تشكيل مستقبل الأمة الذي بدأ يتشكل في سياق هذا الربيع .
· لقد
أثبتت الثورات العربية أن صبر الأمة العربية قد نفد ولم تعد قابلة للتعايش مع
الانظمة الاستبدادية التي ذاقت منها الأمرين .
· أظهرت
ثورات الربيع العربي أن الأمة قد وصلت إلى قناعة مفادها : أن الانظمة القائمة غير
قابلة للإصلاح وغير راغبة فيه، ومن ثم لم يعد بد من الإطاحة بها واستبدالها بنظم ديمقراطية
تحفظ للأمة حريتها وكرامتها .
· وهذه
القناعة تشكلت لدى الأمة من جراء ما عانته من الإحباط وفشل محاولات الإصلاح .
· أثبت
الربيع العربي أن الأمة تتمتع باستعداد هائل للتضحية في سبيل العيش الكريم والحرية
والكرامة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق