لقد كانت دعوة
الإخوان المسلمين فكرة في نفس مؤسسها – رحمه الله- قبل أن تصدُرَ في خطب ورسائل
وكتب. وكانت تمثل الإسلام في أنقى صوره.
من الإسلام
حددت أهدافها، ومن الإسلام عينت وسائلها ومناهجها، وإلى الإسلام ردّتْ مرجعيتها.
شعاراتها
إسلامية: الله غايتنا، والرسول قدوتنا، والقرآن دستورنا، والجهاد سبيلنا، والموت
في سبيل الله أسمى أمانينا.
وهتافاتها
إسلامية: الله أكبر ولله الحمد، لا إله إلا الله، محمد رسول الله، عليها نحيا،
وعليها نموت، وفي سبيلها نجاهد حتى نلقى الله.
وأناشيدها
إسلامية:
هو الحق يحشد
أجناده ويعتد للموقف الفاصل
فصُفـوا الكتــائب
آســــاده ودكـــوا به دولة الباطل
يقول الإمام حسن
البنا مجيباً عن سؤال يسأله الناس: ما أنتم أيها الإخوان؟ إننا لم نفهمكم بعد.
فأفهمونا أنفسكم، وضعوا لأنفسكم عنواناً نعرفكم به، كما تُعرف الهيئات بالعناوين.
هل أنتم طريقة صوفية أم جمعية خيرية أم مؤسسة اجتماعية أم حزب سياسي؟.
ويقول حسن
البنا لإخوانه: قولوا لهؤلاء المتسائلين: نحن دعوة القرآن الحق الشاملة الجامعة:
طريقة صوفية.. وجمعية خيرية.. ومؤسسة اجتماعية.. وحزب سياسي نظيف.
وقد يقولون
بعد هذا كله: ما زلتم غامضين، فأجيبوهم: لأنكم ليس في يدكم مفتاح النور الذي
تبصروننا على ضوئه. "نحن الإسلام" أيها الناس. فمن فهمه على وجهه
الصحيح، فقد عرفَنا كما يعرف نفسه، فافهموا الإسلام أو قولوا عنا بعد ذلك ما
تريدون.
وفي رسالة
"بين الأمس واليوم" يوضح حقيقةَ هذه الدعوة بكلمات متوهجة ناصعة:
" أيها
الإخوان، أنتم لستم جمعية خيرية، ولا حزباً سياسياً، ولا هيئة موضعية الأغراض،
محدودة المقاصد، ولكنكم روح جديد يسري في قلب هذه الأمة يحييه بالقرآن، ونور جديد
يُشرِق فيبدد ظلام المادة بمعرفة الله، وصوت داوٍ يعلو مردداً دعوة رسول الله، ومن
الحق الذي لا غلو فيه أن تشعروا أنكم تحملون هذا العبء بعد أن تخلى عنه الناس.
إذا قيل لكم:
إلامَ تدعون؟ فقولوا: ندعو إلى الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم،
والحكومة جزء منه، والحرية فريضة من فرائضه.
فإن قيل لكم:
هذه سياسة، فقولوا: هذا هو الإسلام، ونحن لا نعرف هذه الأقسام.
وإن قيل لكم:
أنتم دعاة ثورة، فقولوا: نحن دعاة حق وسلام، نعتقده ونعتز به. فإن ثرتم علينا،
ووقفتم في طريق دعوتنا، فقد أذن الله أن ندفع عن أنفسنا، وكنتم الثائرين الظالمين.
وإن قيل لكم:
إنكم تستعينون بالأشخاص والهيئات، فقولوا: آمنا بالله وحده، وكفرنا بما كنتم به
مشركين.
فإن لجّوا في
عدوانهم، فقولوا: (سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين). {سورة القصص: 55} ".
إسلام الإخوان:
وفي رسالة
"دعوتنا"، يتحدث الأستاذ تحت عنوان "إسلامنا" فيقول:
" اسمع
يا أخي: دعوتنا دعوة أجمعُ ما توصف به أنها "إسلامية"، ولهذه الكلمة
معنى واسع غيرُ ذلك المعنى الضيق الذي يفهمه الناس، فإنا نعتقد أن الإسلام معنى
شامل ينتظم شؤون الحياة جميعاً، ويفتي في كل شأن منها، ويضع له نظاماً مُحْكماً
ودقيقاً، ولا يقف مكتوفاً أمام المشكلات الحيوية والنظم التي لا بد منها لإصلاح
الناس.
ونحن نفهم
الإسلام فهماً فسيحاً واسعاً ينتظم شؤون الدنيا والآخرة، ولسنا ندّعي هذا ادّعاء،
أو نتوسع فيه من أنفسنا، وإنما هو ما فهمناه من كتاب الله وسنة رسوله وسيرة
المسلمين الأولين، فإن شاء القارئ أن يفهم دعوة الإخوان بشيء أوسع من كلمة
"الإسلامية" فليمسك بمصحفه، وليجرد نفسه من الهوى والغاية، ثم يتفهم ما
عليه القرآن، فسيرى في ذلك دعوة الإخوان.
أجل. دعوتنا "إسلامية"
بكل ما تحتمل الكلمة من معان، فافهم فيها ما شئت بعد ذلك، وأنت في فهمك هذا مقيد
بكتاب الله وسنة رسوله، وسيرة السلف الصالحين من المسلمين. فأما كتاب الله فهو
أساس الإسلام ودعامته، وأما سنة رسوله فهي مبينة الكتاب وشارحته، وأما سيرة السلف
الصالح فهم رضوان الله عليهم منفذو أوامره والآخذون بتعاليمه، وهم المُثُل العملية
والصورة الماثلة لهذه الأوامر والتعاليم".
ودعوة الإخوان
بعد ذلك دعوة معتدلة، شاملة شمول الإسلام نفسه، تستمد منه الغاية والوسيلة.
وقد ظهر هذا
الفهم عند الإمام البنا في عدد من رسائله. فتحت عنوان: "طبيعة فكرتنا"
يقول في رسالة: "الإخوان تحت راية القرآن":
" أيها
الإخوان المسلمون..
بل أيها الناس
أجمعون..
لسنا حزباً
سياسياً وإن كانت السياسة على قواعد الإسلام من صميم فكرتنا..
ولسنا جمعية
خيرية إصلاحية، وإن كان عمل الخير والإصلاح من أعظم مقاصدنا..
ولسنا فرقاً
رياضية، وإن كانت الرياضة البدنية والروحية من أهم وسائلنا..
نحن أيها
الناس – ولا فخر- أصحاب رسول الله، وحَمَلَة رايته من بعده، ورافعو لوائه كما
رفعوه، وناشرو لوائه كما نشروه، وحافظو قرآنه كما حفظوه، والمبشرون بدعوته كما
بشروا، ورحمة الله للعالمين، (ولتعلمنَّ نبأه بعدَ حين). {سورة ص: 88} ".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق