الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2014-02-22

«الرَّدُ الواضحُ فيما نُسبَ من القولٍ الجَارحِ» - د. محمد عناد سليمان

بعض الأخوة الأفاضل نشر على صفحته ما يلي في إشارة إلى ما كتبناه والله أعلم:
«بعض الصّغار من المنتسبين إلى أهل السّنّة زوراً يطعنون في الصّحابة والبخاريّ ومسلم تبعاً لأوامر الاستخبارات الإيرانيّة وبأسلوب أبناء الشّوارع ويلبسون ثوب العلم الواااااسع عليهم لعلّهم يصعدون فوق الحذاء ولكن هيهات لهم فَسَقْفُهُم كعبُ الحذاء».

ونحن نعلم أنَّه لم يقل ذلك لولا تعصبُّه وتشدُّده لما هو عليه من أمره، إذ لم يدفعه ذلك جهل أو عدم معرفة، فإنَّنا نحسبه على علم واسع والله أعلم. وثمة مبالغة كبيرة وردت في مقالته هذه، ولو أنَّه بقي ضمن نسبة الأقوال والأفعال المرفوضة لديهم إلى الشّيعة لكان مقبولا، أمَّا أن يكون منسوبًا إلى المخابرات الإيرانيَّة فهذا بهتان سيأتي بطلانه.

ونرُّد عليه لعلمنا المسبق بأنَّه على خير، عسى أن يراجع نفسه فيما قال، وفيما ذهب إليه، عملا بقوله تعالى: قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }البقرة111، وقد بيَّنت سابقًا أنني لست سنيًّا ولا شيعيًا ولا غير ذلك من المسمَّيات التي ما أنزل الله بها من سلطان، بل بعض جهلة القوم ألزموا بها أنفسهم، حتى أصبحت معتقدًا ومذهبًا، وليس هذا هو بيت القصيد.

الأول: الطَّعن في الصَّحابة، لم نقله من تلقاء أنفسنا، ولا يجوز لنا ذلك، وكيف تعتبرون مجرد نقد فعل لهم أو تصرُّف أنَّه طعن في شخوصهم، ولعلَّ هذا المفهوم وردكم من رؤيتكم المستوردة من الفكر القائل بأنَّ الصَّحابة معصومون والله أعلم. وهو قول تردُّه الرِّوايات والأخبار، فكما نعلم قد قتل بعض الصَّحابة بعضهم الآخر إثر خلافة عثمان بن عفَّان رضي الله عنه، وكتب التَّاريخ حبلى بذلك، وزاخرة بأسمائهم، وهذا يعني أنَّ بعضهم كان على صواب وبعضهم الآخر كان على خطأ، وبيان خطأ المخطئ لا يعني بأي حال من الأحوال طعنًا.

إضافة إلى أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قد جزم بوجود المنافقين من أصحابه، كما ورد في الحديث الذي يرويه مسلم في صحيحه برقم 7212  حيث قال: حدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِى نَضْرَةَ عَنْ قَيْسٍ قَالَ قُلْتُ لِعَمَّارٍ أَرَأَيْتُمْ صَنِيعَكُمْ هَذَا الَّذِى صَنَعْتُمْ فِى أَمْرِ عَلِىٍّ أَرَأْيًا رَأَيْتُمُوهُ أَوْ شَيْئًا عَهِدَهُ إِلَيْكُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ مَا عَهِدَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- شَيْئًا لَمْ يَعْهَدْهُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً وَلَكِنْ حُذَيْفَةُ أَخْبَرَنِى عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ قَالَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- « فِى أَصْحَابِى اثْنَا عَشَرَ مُنَافِقًا فِيهِمْ ثَمَانِيَةٌ لاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِى سَمِّ الْخِيَاطِ ثَمَانِيَةٌ مِنْهُمْ تَكْفِيكَهُمُ الدُّبَيْلَةُ وَأَرْبَعَةٌ ». لَمْ أَحْفَظْ مَا قَالَ شُعْبَةُ فِيهِمْ.

فما قولكم في هذا الحديث الذي ترفضون الطَّعن فيه، وتنسبونه إلى غيركم؟ أليس في هذا تصريح من النَّبي صلى الله عليه وسلم بأنَّ اثني عشر من أصحابه منافقون؟! ولا يلزمنا ما ذهب إليه القوم من تأويلات تحاول إخضاع النَّص ليوافق قناعتهم بالتَّنزيه الذي أقحموه لصحيحي البخاري ومسلم. وقد أشار ابن حجر في الفتح إلى الفيتو الخاص بهما، وعدم المساس بقدسيتهما، فقال: وأما تجويزه أن يزاد في صحيح البخاري ما ليس منه فهذا ينافي ما عليه العلماء من الحكم بتصحيح جميع ما أورده البخاري في كتابه، ومن اتفاقهم على أنه مقطوع بنسبته إليه، وهذا الذي قاله تخيل فاسد يتطرق منه عدم الوثوق بجميع ما في الصحيح، لأنه إذا جاز في واحد لا بعينه جاز في كل فرد فرد، فلا يبقى لأحد الوثوق بما في الكتاب المذكور، واتفاق العلماء ينافي ذلك.

وهو في ذلك يرد على قول بعض أهل العلم الذين أنكروا بعض ما ورد فيه، إذ العلَّة في جواز القول بأنَّ في البخاري حديثًا واحدًا غير صحيح جاز في كل حديث آخر، وهو ما لا يريده القوم.

وقد ذهب ثلة من الصَّحابة والتَّابعين كابن عباس  إلى أنَّ فيهم منافقين عند تفسيرهم لقوله تعالى:  {وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ.}التوبة101. فأرجو أن يراجعها من شاء هناك، ولا أظنُّ ابن عبَّاس ورواة الحديث في مسلم قد تلقوا الأوامر من الاستخبارات الإيرانيَّة.

إضافة إلى أحاديث أخرى في البخاري تصرِّح بذلك، وأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم يقول يوم القيامة: سحقًا سحقًا، وغيرها من الروايات.

الثَّاني: الطَّعن في البخاري ومسلم: أشرنا غير مرَّة إلى أنَّ بعض متشددي القوم ممَّن يرى القداسة لكلِّ موروث يحاول جهد أيمانه أن يبعد عن هذا الموروث أي شائبة قد تلحق به، وهو شيء طيب، لكن أن يكون بعض هذا الموروث هو الشَّائبة فلا يمكن قبول ذلك منهم، ولا ننقاد إلى التَّقليد الأعمى المفضي إلى الضَّلال.

فالبخاريُّ بشرٌ، وصحيحه من كلام البشر، وهما ليسا معصومين، وهذا الأمر قرَّره أهل العلم، وهو ما نذهب إليه، ونستأنس  به، وإنَّ نقد الصحيح لا يعني بأي حال طعنًا بالبخاري نفسه، فلا علاقة بالشخوص بما يبثونه من أفكار، ومناقشة وردَّ أو قبول هذه الأفكار هو مدار البحث والتَّمحيص.

إنَّ نقد صحيح البخاري ليس جديدًا على حسب ما يراه من ليس له أدنى نظر في العلم، أو أنَّ نقده كان من الشيعة فقط، ولنوضح ذلك، نورد بعض ما وقفنا عليه ممن فعل ذلك: الإمام مسلم نقد البخاري في مقدمة صحيحه، ونقده تاج الدين السبكي الشافعي، صاحب طبقات الشافعية، وأفرد بابا كاملا عن أوهام البخاري، وجزم ابن حزم بوجود أحاديث موضوعة في صحيحه، وقطع أبو بكر الجصاص في كتابه الأحكام بوجود أحاديث موضوعة في صحيح البخاري، بل وصفها أنها من وضع الملاحدة، والسرخسي صاحب المبسوط، والدار قطني تتبعه في 90 حديثًا، والإمام الجيَّاني، والسيوطيّ، وكذلك الشيخ الغماري من المحْدَثِين، ومحمد عبده الذي وصفه بالمدلِّس، وابن عثيمين وآخرون، ولا أظنُّ أولئك كانوا يتلقون أوامرهم من الاستخبارات الإيرانيَّة؛ فالدّولة كلها لم تكن موجودة حينها.

وأخيرًا: نذكر الأخ وأنفسنا بقول الله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ }آل عمران71. ولتعلم أخي أنني أحبُّك في الله، لكن الحقُّ أولى بالإتباع عملا بقوله تعالى: {قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ }يونس.


د. محمد عناد سليمان
29 / 1 / 2014م


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق