قيل عنه الكثير وكتبت عنه عشرات
المقالات بين الرفض والتأييد ، ونال الكثير
من التحليل والتمحيص ، تحدث عنه السياسيون والصحفيون والكتاب ، وتناوله الكثير من
ضيوف البرامج السياسية والندوات والحوارات على محطات التلفزة وصفحات الجرائد. رغم
كل هذا ورغم قبول الجميع بأن الحل السياسي هو مطلب الجميع وأن الحروب أيضا عادة ما
تنتهي على طاولة المفاوضات ، ورغم إدراك الجميع بأهمية المشاركة في هذه المفاوضات و
التواجد على طاولة المؤتمرات ، وأن هذا شيء لابد منه ولامهرب منه. لكن الظروف
التي يعقد بها بدون ضمانات دولية بعد فقدان كل الثقة بها بسبب عجزها و مواقفها
المتواطئة رغم كل ما يجري من جرائم تندى لها البشرية ،جعل الخلاف والقرار بشأن
المشاركة من عدمها واقعا تعرضت له كل المكونات السياسية والعسكرية. \
لكن الإختلاف في الرأي والتقديرلأهمية المشاركة
بهذا المؤتمر لم يكن هذه المرة بالأمر السهل، ولم تكتفي الشريحة المعارضة بالتعبير
عن مواقفها برفض المؤتمر والتعبيرعن وجهات نظرها وشرح مبرراتها وملاحظاتها فقط ، بل
تعدته لتنعكس سلبيات هذه المواقف على كثير من المؤسسات وتسبب في معظمها تصدعات
وهزات قد تكون آثار إرتداداتها أكثر سلبية في المستقبل القريب والبعيد.
تصدعت كثير من المؤسسات السياسية
والعسكرية والفكرية وانكشفت الكثيرمن السلبيات والتجاوزات في العمل المؤسساتي التي
كانت تغطيها شعارات ومبررات لايريد الكثيرون قشع غطائها الرقيق حتى لا تنزف تلك الجروح
ولا يرى ما تخفيه تلك القشور من مرض وخلل.
من أهم ما كشف هذا المؤتمر
هو تصدع المؤسسات و هشاشة تماسكها وبنيتها، فلقد رأينا في نفس المؤسسة من عارض ومن
وافق ومن اختار الرمادي وتردد في قراره وموقفه تجاه الأمر.
وكشف حدة اللغة التي إختارها
البعض لتصل للتكفير السياسي والاتهام بالخيانة والتخاذل وفقدان الوطنية وبيع الوطن
بثمن بخس ودراهم معدودات ومناصب مؤقتة ، والسب والشتم وهذا مالا يجب أن يكون بين من
يتصدرون العمل السياسي ، وخاصة المثقفين وحملت الشهادات ، لقد انتقل النقد من نقد الافعال
للجرح بالاشخاص والافراد.نقد الافعال نعم أما التخوين والقذف بالعرض والشرف فلا.
هذا التخاطب بين أبناء
المؤسسة الواحدة وأبناء الثورة مؤشر خطير وله دلالات غير حميدة ما لم يتداركه أهل الفكر والحكمة وقادة العمل
السياسي وخاصة المثقفون منهم ، لأنهم يشجعون من لا يملك الحكمة والمنطق ويملك
القوة والسلاح لتنفيذ ما قام المثقفون من تلفظه وتفوهه، وعندها ترخص الدماء وتهدر
الاعناق بدم بارد حيث لا ينفع الندم بعد ذلك.
العمل المؤسساتي يتطلب ممن
رضي الانتماء والولاء لهذه المؤسسة الالتزام
بقرارتها النهائية وإن كان مخالفا ومعارضا لها قبل تبنيها من قبل مؤسسته، لكننا رأينا
عكس ذلك، وهذا يجرح ويخدش العمل المؤسساتي وظاهرة السورنة في كل المستويات السياسية
والعسكرية والاغاثية حيث تضخيم الأنـــــــــــــــا وتقديم المصلحة الشخصية على
المنفعة المؤسساتية والجماعية.
بعض الأخوة المنسحبين سعوا
جاهدين لحشد دعم لقرارهم عن طريق تبني البيانات العسكرية المسلحة المؤيدة والمشيدة
لانسحابهم ،وهذا له مؤشراته السلبية لمن يريد العمل والمناكفة بالعمل السياسي ، هذه
الظاهرة من الاستقواء بالجهات العسكرية نراها في مستويات أخرى ايضا، وهي مؤشر على خلل
بالتفكير ودليل على أننا لم نتخلص من آثار وسلبيات البعث والحكم العسكري وماحدث
بمصر من استعانة المحتجين على حكم مرسي جعل العسكر يطيحون بكل مكاسب الثورة
المصرية المجيدة ويدخل مصر في نفق مظلم لا يعلم نهايته إلا الله . نعم نحن هنا لا
نقارن بين العسكر والكتائب المسلحة ، لكن المبدأ هو نفسه وهو الاستقواء بالقوة
العسكرية لتغليب رأي على رأي ولو بمجرد التلويح واظهار العصى من تحت العباءة كما
يقول المثل .
الأمر الثالث هو تعدد
الولاءات وحيرة الاعضاء بين قرارات هذه الولاءات ، هل يتقيد بقرار الخاص من جماعة
وكتلة وحزب وتيار أم بقرار المجلس الوطني أم بقرار الإطار الأعم والأشمل وهو الإئتلاف
.هذه التباينات جعلت كل المكونات تعيش صراع وتصدع وخلافات بالقرار والتخندق ، قد
تكون كل المكونات قد تجاوزت هذه العاصفة بسلام وحفاظ على مكونها حاليا ،لكن ستكون
لها مستقبلاً إرتدادات وربما شرخ و فراق ، خاصة في ظل عدم وجود نظام داخلي ينظم
مثل هذه التصرفات ويحدد العقوبات على من يخالف الرأي العام ، هذا إن كانت هذه
المكونات قادرة على تنفيذ الاحكام في هذه المراحل الحرجة ،ولم تتغاضى عنها.
الأمر الرابع الذي كشقه
مؤتمر جنيف قبل بدايته هو الارتجالية في العمل السياسي وعدم وضوح الرؤية والثوابت
التي تحكم العمل السياسي لدى كثير من المعارضة السورية ،حيث تكون ردة الفعل
والمصلحة الحزبية والشخصية وربما عدم الشجاعة على مخالفة الجهة الداعمة ومحاولة
إمساك العصى من وسطها هي المحددات التي تضبط الافعال والمواقف للمعارضين لجنيف أو
المؤيدين أو المنسحبين والمترددين على السواء. عدم وجود البديل وعدم التخطيط قبل
الانسحاب والاستقالة وعدم وجود القرار الثابت والاستعداد لتحمل كل مضاعفات هذا
القرار يجعل الكثيرين يرونه هو مجرد وسيلة للضغط وتحصيل المكاسب ويغيب عن ذهنه ما
يسببه من فقدان للثقة به وبكل المؤسسات السياسية بسبب هذه التصرفات الغير
محسوبة.أما الانسحاب والاستقالة والاعتزال بدون عودة فهي أمور من بديهيات العمل
السياسي وأبجدياته ، وهو حق مقدس ومصان لكل معارض لايمكن الانتقاص أو النيل منه.
الأمر الأخير هو كثرة
الانسحابات ثم التراجع عنها حيث أصبحت سلبية من سلبيات المعارضة السورية ومدعاة
للنقد والنكتة وأحيانا للسخرية وعدم الجدية.مما أفقد ثقة الشارع بهذه المعارضة
التي أصبحت تنعت بكل الصفات السلبية وتصور وكأنها لا هم لها سوى الصراع على
المناصب والكراسي وهذا وإن كان يجافي الواقع في كثير من الحالات لكن فيه إجحاف بحق الكثيرين من المخلصين الذين
يعملون بكل تضحية وتفاني لخدمة شعبنا ونصرة ثورة العزة والكرامة . وهنا تقع
المسؤولية على كل المنضوين تحت هذه المسميات والمكونات حفاظا على سمعتها وشرفها
وعرضها من التهكم واسترخاصها من قبل المغرضين والجاهلين . أبناء الثورة كلهم في
هذا المركب وعليهم جميعاً أن نمنعوا من
يحاول خرق هذا المركب والتسبب بغرقه و موت كل من فيه بدون ذنب منه.
كل هذه السلبيات تدفع
للبعض من المعارضة للتقية وعدم الجرأة على قول نعم أو قول لا خوفا من نقمة الشارع
والكتائب والكتل التي لاترى الامور إلا بلوني الابيض أو الاسود وكأن بقية الألوان
لا وجود لها .وتدفع للكثيرين من العامة
لاستسهال النيل من كرامة وانسانية كل من يشتغل بالعمل السياسي .وتسرع في تصدع
المؤسسات وتشرذم المكونات الى مكونات أصغر وأضعف.
اليوم وفي خضم هذه
التجاذبات والخلافات والتحديات ما أحوج الجميع وبدون استثناء للعودة الى الرشد و
الحكمة والموعظة الحسنة
لكي لا نتسبب في إغراق
المركب الذي كلنا فيه الآن..فثورتنا تحتاج لنا جميعا ولانزال في بداية طريق طويل
ومليئ بالأشواك والصعاب والتحديات.
د.مصطفى الحاج حامد
طبيب وكاتب
drmh2009@hotmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق