يعيش الشعب السوري في محنة مستمرة زادت على
الأربعين عاماً، وتطورت بشكل عنيف طوال الثلاثة عشر شهراً الأخيرة التي هي عمر القمع
المباشر.. ما آفاق الخروج من الأزمة؟ وماذا يجري على الأرض في سورية؟ ولماذا لم تتدخل
الدول الغربية عسكرياً؟ ولماذا أخفقت جهود الجامعة العربية؟ وما مستقبل النظام؟ هذا
ما يجيب عنه د. حسين علي الفرحان، عضو المجلس الوطني السوري، وعضو رابطة علماء سورية،
وعضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الذي زار القاهرة مؤخراً، وأجرينا معه الحوار
التالي:
ما آخر تطورات الوضع الميداني في سورية الآن؟
الوضع مأساوي جداً، وتلاحظون
في مختلف وسائل الإعلام كثرة عدد القتلى والجرحى والمعتقلين، والقتل يتم بطريقة همجية
لا مثيل لها، أعداد القتلى بالمئات أسبوعياًً، وما يظهر الآن في وسائل الإعلام هو جزء
من الحقيقة وليس الحقيقة الكاملة، وعندما زارت مندوبة حقوق الإنسان، وزار «كوفي عنان»
سورية قالوا: إن الوضع مأساوي جداً.
هل كنتم تتوقعون من «بشار الأسد» كل هذا العنف
والقمع؟
عندما تولى «بشار» الحكم استبشر الناس خيراً، وقالوا: إنه طبيب درس الطب
في بريطانيا، ولعل تعليمه ودراسته الغربية، وحياته التي قضاها في الدول الديمقراطية،
تساعده على منح الشعب حقه في الحرية والديمقراطية والكرامة، وفي أول الأمر وعد بأن
يعطي الحريات والديمقراطية.. وكذا وكذا وداوم بالفعل فترة قليلة، إلا أنه جمع المطالبين
بالحرية ووضعهم في السجن. لكن «بشار» يقول العنف بسبب أن ثورتكم ليست سلمية.
- الثورة السورية هي في الحقيقة ثورة سلمية، وإن كان الجيش الحر يدافع عن المتظاهرين
وهو جزء من القوات المسلحة السورية، ترك الجيش النظامي وانحاز إلى أهله، هذا الجيش
عنده بعض التسليح الخفيف، يدافع به عن نفسه وعن المتظاهرين، الثورة إلى الآن سلمية
ولم تصل إلى درجة الصدام المسلح، مع أننا نطالب بدعمها بما تدافع به عن نفسها. فنحن
نطالب أولاً المؤسسات الدولية؛ الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان وهيئات المجتمع
المدني والمنظمات التي تدعي حماية الطفل والمرأة، وكل المنظمات التي تتشدق بالديمقراطية،
ونطالب الدول العربية على وجه الخصوص، الوقوف في وجه هذا النظام الطاغية.
يتوقع البعض حرباً أهلية وطائفية في سورية إذا سقط النظام، كيف ترى ذلك؟
بكل تأكيد هذا غير وارد في سورية؛ لأن الشعب السوري أكثر وعياً مما يروجونه في وسائل الإعلام، والذي يروج لهذه الفكرة هو النظام السوري، فنحن كشعب لا نعرف الطائفية، ولم يحدث في تاريخ سورية على الإطلاق أن حدث اقتتال طائفي، برغم وجود تعدد طائفي، وكذلك عندنا وقائع عملية، منها أنه كان عندنا رئيس وزراء نصراني هو «فارس الخوري»، ورئيسان كرديان، هما «أديب الششيكلي»، و«حسني الزعيم»، ولم نفكر يوماً لماذا جاء هذا نصراني أو هذا كردي، ولما تولى «حافظ الأسد» لم يفكر الشعب السوري بمعارضته لأنه ينتمي إلى الطائفة العلوية، لكنه بدأ يسير بالاتجاه الطائفي، وبدأت فكرة الطائفية بوجود عائلة «الأسد» على رأس السلطة.
يتوقع البعض حرباً أهلية وطائفية في سورية إذا سقط النظام، كيف ترى ذلك؟
بكل تأكيد هذا غير وارد في سورية؛ لأن الشعب السوري أكثر وعياً مما يروجونه في وسائل الإعلام، والذي يروج لهذه الفكرة هو النظام السوري، فنحن كشعب لا نعرف الطائفية، ولم يحدث في تاريخ سورية على الإطلاق أن حدث اقتتال طائفي، برغم وجود تعدد طائفي، وكذلك عندنا وقائع عملية، منها أنه كان عندنا رئيس وزراء نصراني هو «فارس الخوري»، ورئيسان كرديان، هما «أديب الششيكلي»، و«حسني الزعيم»، ولم نفكر يوماً لماذا جاء هذا نصراني أو هذا كردي، ولما تولى «حافظ الأسد» لم يفكر الشعب السوري بمعارضته لأنه ينتمي إلى الطائفة العلوية، لكنه بدأ يسير بالاتجاه الطائفي، وبدأت فكرة الطائفية بوجود عائلة «الأسد» على رأس السلطة.
هل تتوقع أن تتدخل قوى غربية عسكرياً لإزاحة النظام السوري، كما حدث في
ليبيا؟
أعتقد أن الوضع في ليبيا يختلف عنه في سورية، وفي تصوري أن أحد أسباب تأخر
الدعم أو التدخل العسكري هو حساسية الوضع السوري من عدة جوانب؛ الأول والرئيس هو «إسرائيل»،
والغرب لم يجد إلى الآن البديل المناسب لإزالة نظام «بشار الأسد»، ولو وجدوا البديل
المناسب، الذي يحافظ على ما حافظ عليه «بشار» وأبوه لن يتأخروا.. ثانياً: لو حدث تدخل
عسكري غربي، فإن إيران قد تتصرف بضرب مصالح هذه الدول، خاصة في منطقة الخليج، ولذلك
يريدون أن تكون المعركة بين السوريين، وعلى الأرض السورية.
وهل يسيطر الجيش السوري
الحر على مساحات وأماكن مؤثرة من سورية؟
الثورة السورية تشتعل في مساحات كبيرة جداً
من الوطن، وكثير من الأراضي السورية خارجة عن سيطرة النظام الذي لا يستطيع الدخول إلى
مناطق الأحداث إلا عبر الآليات الثقيلة، وكل منطقة يتواجد بها الجيش الحر أو الثوار
لا سيطرة للدولة عليها، ولو وُجد الدعم اللوجستي العسكري الذي يحتاجه الجيش الحر، سيتهاوى
النظام بشكل سريع. أين يقف
الإخوان المسلمون في سورية من هذه الأحداث؟
الإخوان
المسلمون في سورية هم فصيل من الفصائل الموجودة على الأرض، وهم من جملة نسيج الشعب
السوري، ومن حيث الثقل النسبي في المعارضة هم الأثقل والأكثر فاعلية، ولو لم يدخل الإخوان
إلى الساحة النضالية؛ ما رأينا المجلس الوطني على الإطلاق، فالإخوان بالفعل هم رقم
صعب في معادلة الثورة السورية، سواء من حيث التواصل في الداخل أو المشاركة السياسية
في المجلس الوطني الذي يجمع كل أطياف المعارضة. والنظام عندما يتكلم عن المعارضة لا
يذكر إلا الإخوان المسلمين، وأنهم وراء الأحداث وهذه كلمة جزء منها حق يراد به باطل.
لماذا يبدو دور الجامعة العربية ضعيفاً في حماية الشعب السوري؟
لسنا راضين عن
أداء الجامعة العربية في الملف السوري؛ لأن قرارتها صبت في صالح النظام، والمفروض بعد
أن تعاملوا مع نظام «الأسد»، ولم ينفذ لهم ولا طلب، أن يتصرفوا بأسلوب آخر أقوى وأشجع،
وأكثر جدية وعملية.
وهل يمكن أن يقبل الشعب السوري التفاوض مع النظام؟
الشعب
السوري حزم أمره على أن يدافع عن نفسه وحريته وكرامته، ولن يرجع إلى بيته إلا بعد سقوط
النظام، ولا يمكن أن يقبل التفاوض مع هذا النظام المجرم أبداً، كيف يقبل بعد أن قتل
وجرح واعتقل عشرات الآلاف؟! ربما كان الحوار والتفاوض مقبولاً في البداية، حيث كان
المطلوب هو إصلاحات سياسية واقتصادية يمكن تنفيذها لو كانت هناك نية مخلصة، لكن الكبرياء
الأجوف والغرور هو الذي أوصل النظام إلى هذه الحالة.
ما السيناريو الذي تتوقعه
لنهاية النظام السوري؟
أتوقع أن يسقط حتماً سواء من خلال انشقاقات في الجيش، أو دعم
هذه الثورة الشعبية الموجودة، وإصرار الناس على الاستمرار في مواجهة القمع.. كل هذه
سيناريوهات تساعد على سقوط النظام، أيضاً تغير الموقف الدولي تجاه النظام، ومنها أن
مواقف روسيا والصين بدأت في التغير قليلاً. ومع الأسف، أقول: إن الدول الأوروبية تكتفي
بالتصريحات، ولا تقدم أي دعم حقيقي للشعب السوري، هم ليسوا جادين في إزالة نظام «الأسد»،
والشعب السوري هو ضحية صراع المصالح. ولكني أتوقع أن يكون انهيار الاقتصاد سبباً في
سقوط النظام، رغم وجود دعم مادي كبير له من خارج سورية، فإيران ضخت أموالاً، ويتردد
أن عراق «المالكي» وضع ثمانية مليارات ونصف المليار دولار تحت تصرف النظام السوري.
ومع هذه الأموال، فإن ملامح الانهيار قد بدأت في الظهور، والمصانع بدأت في التوقف،
والبترول في نضوب، والأسعار ارتفعت، وفي النهاية الناس إما يموتون أو يثورون.
ما النهاية التي تتوقعها للرئيس «بشار الأسد»؟
أعتقد أن النهاية المتوقعة لـ«الأسد»
مثل نهاية «معمر القذافي»، بل قد تكون أسوأ، هو الذي يصل بنفسه إلى هذه النهاية، لا
الدول ولا الشعوب تريد له هذه النهاية، وإنما هو الذي يذهب إليها بكامل إرادته، وإن
كنا نتمنى أن يقدَّم إلى المحاكمة، هو والمجرمون الذين معه.
أين دور مصر في مساندة
الشعب السوري في محنته؟
بالنسبة لمصر، هناك جانبان: شعبي ورسمي، وبالنسبة للجانب
الشعبي مع القضية السورية، هناك تفاعل مشكور من كافة التنظيمات ومنظمات المجتمع الأهلي
الموجودة على أرض مصر، من إخوان أو ليبراليين أو غيرهم، كلهم يؤيدون الثورة السورية،
مثلاً حزب «الوفد» قال لنا: إن مكاتبنا هي مكاتبكم، والذي تريدونه نحن ننفذه، وكثير
من التيارات والحركات الإسلامية كالسلفيين والإخوان المسلمين وغيرهم، يجمعون التبرعات
لصالح الشعب السوري، وبخاصة اتحاد الأطباء العرب، والهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح،
ورابطة علماء أهل السُّنة. أما على المستوى الرسمي، أعتقد أن الدولة حتى الآن لم تكتمل
مؤسساتها الدستورية، ومجلس الشعب المصري (البرلمان) حديث الانتخاب، ومع هذا هناك مواقف
إيجابية؛ منها قيام البرلمان المصري بقطع العلاقة مع نظيره السوري، ومطالبته كذلك بطرد
السفير السوري من مصر، وتم سحب السفير المصري من سورية. ورغم هذا فنحن نريد موقفاً
أقوى؛ لأن مصر لها ثقلها في الوطن العربي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق