قائد الكتيبة سعد الله ( أبو عمر ) ومعاونه بعد الاستيلاء على موقع خربة سولاس |
لا
أدري كيف أصبحتُ منظّراً , نعم .. لقد مرت عليّ حالة غريبة قبل شهرين أصبحت فيها
ذلك المنظّر الاستراتيجي الفيلسوف الذي تفوق على مولتكه وكلاوزفيتز وليدل هارت
مجتمعين.
كانت أخبار الكتائب وبيانات تشكيلها قد أتخمت اليوتيوب ورح ترفعه العشرة الا شوي , كل يوم شي خمسين كتيبة بخمسين بيان مطنطن لا تلبث بعد أن تحقق سببوتها أن تغيب في كهاريز الفيس ومجاهل الجوجل ليأتي غيرها , والحبل على الجرار .
كانت أخبار الكتائب وبيانات تشكيلها قد أتخمت اليوتيوب ورح ترفعه العشرة الا شوي , كل يوم شي خمسين كتيبة بخمسين بيان مطنطن لا تلبث بعد أن تحقق سببوتها أن تغيب في كهاريز الفيس ومجاهل الجوجل ليأتي غيرها , والحبل على الجرار .
لا بد وأنه عمل مربح للغاية , فهو لايتطلب سوى موبايل أبو تفاحة مقضوضة و بارودتين روسيتين وخمس عواطلية جنب شجرتين أو كام صخرة , ومن الأفضل أن يكون أحدهم جهوري الصوت ومفذلك ليعلن بإسم الدين والعدالة والأخلاق انشقاقه ورفاقه الأحرار عن نظام الأسد المجرم .
كانت هناك عمليات مؤثرة وحقيقية على الأرض وإلاّ لما شاخ النظام ودخل في سكرات الموت , لكن الكارثة بالنسبة لأمثالي من فرسان الفيسبوك هى كيفية التمييز بين ما هو حقيقي وما هو مصمم وفقاً لمبدأ " لعّب إيدك لندفّي الجيبة ".
كانت التيارات والكتائب الإسلامية تنغل كالنار في الهشيم , بعضها مقنع معتدل وبعضها يدعي الأعتدال ويمارسه أحياناً , وبعضها لا يمانع صراحة من تكفيري والإشاطة بدمي , لمجرد أنني مدخن فما بالكم بإرتدائي الجينز واستعمالي العطور الفاخرة التي أشتريها على الدوام من محلات " أي غرض بخمس ريالات " .
لا تظنوا أنني أمزح , إلتقيت مرة بأحدهم فنظر إلى ذقني الحليقة ملياً قبل أن يفتي بمروقي وكفري لأنني لا أعفو عن لحيتي ولا أخضبها بالحناء والكتم .
أنا أعلم أن هذا وأمثاله لا يمثلون الإسلام , كذلك الشيخ النكرة الذي أفتى بإستباحة نساء وأموال قرية نصرانية دخلها المقاتلون مرة , ولولا تدخل أبي عمر الذي أعاد الأمور لنصابها لراحت القرية بخبر كان .
خوفي من التنظيمات الجهادية نوعاُ ما نابع أصلاً من مفاهيمهم الذاتية ورؤاهم الخاصة التي اقتنعوا أنها الإسلام الحق وأن أي خروجٍ عنها هو خروج من الملّة .
في هذه الظروف سمعت بكتيبة عز الدين القسام الجبلاوية .
صديقي الحاج عامر الذي زف لي خبر تشكيلها فوتي بمية حيط .. كتيبة شو يا زلمة , هل هو استمرار لمسلسل الشحيدة عبر التاريخ أم أنها مجموعة من شلة الطهر الثوري التي تأثرت بالمغامرين الخمسة وأفلام رامبو وماشستي فقررت حشر جبلة بخانة اليك لأيقاعها بمشاكل هى بالغنى عنها .. النظام ساقط يقيناً بجبلة وبدونها , فخلوها بعيدة شوي عن هالقصص , فهو الأحسن للجميع .
خصوصية جبلة وتداخلها الإثنوغرافي السني – العلوي بدو يخلي الدم للركب بحيث أنها ستجعل البشر تحن للأيام الطيبة تبع دير ياسين وكفر قاسم وتل الزعتر و .... حماه الأولى .
هذا هو منطقي الإنهزامي البراغماتي بإمتياز .
نظر إلي عامر بإستصغار وازدراء وطيف ابتسامة ساخرة يلوح على فمه : شو عم تحكي يا زلمة , كأنك رجعت تتابع الدنيا والإخبارية .
- لك مو هيك , بس قلبنا من الحامض لاوي يا زلمة ... العراق , أفغانستان , غزة , بورما , الصومال , سراجيفو , الشيشان , وقائمة طويلة أخرى لا تنتهي .. بشرفك يا حاج : جبلة ناقصا بوكو حرام ولاّ طالبان يعني .
- لك شو عم تحكي ولو أيهم , كل هالشي ما في منه , بس أنت طول عمرك مشكلتك أنه اللي بدك تسمعه بتسمعه واللي ما بدك بتسك عليه وكأنه لم يكن ... خيوّ نزلّك يوم وشوف بعينك .
- شو أنزل , بعدين قالوا لك إني فاتح جيبتي سبيل , بربك كتير أنا مستفضي هلئ لكرت طيارة ع تركيا , وفوت بألف دوخه لأوصل للكتيبة منشان أفقي هالدملة , ورصاصة من هون برميل من هنيك , أنا ناقصني يعني .. ما بدي خيو , العمر مو بعزقة , خلص اقتنعت انه هل الكتيبة اللي خلقا ما خلق غيرا .. شو كمان ؟؟
- هلئ بلا مألستك , إبراهيم بتعرفو
- تبع الكارفور ؟
- بذاته , من أسبوع نزل قعد يومين هنيك ورجع , خليه يحكي لك .
صديقي إبراهيم الذي حدثني عنه عامر هو صديق حميم وأنا أثق به وبصدقه وجديته , أمسكت موبايلي الحديث أبو الخمسين ريال وحكيت معه : وينك برهوم , أنا بالبيت , عامر عندي وعاملين مضافة خريفش , بس تخلص دوام تعال ع الحارك والعشا عندي , أحلى كبسة بالشرقية بتخدم شواربك .
..
الزلمة ما كذّب خبر .. ساعتين ومشرف ومعه وجبة كبسة ووجبة مندي وكزوزة .
- لك ليش معذب حالك
- بعرفك فلس لك أيهم وناوي متل عوايدك تقطعا معنا بجبنة محمضة من تبع التنزيلات , بقا لفّا هلئ ولا تقعد تبيض علينا .
ابراهيم موسوعة فيسبوكية حقيقية , رجل مبروك مكشوف الغطاء عنه .. ولذا جلسنا أولاً نتحدث عن العالم الإفتراضي , ففتحنا محاضر إستغابة لجميع الصفحات والأسماء .
إبراهيم يرضي فضولنا بكل ما نسأله : لك مين آدمن الصفحة الفلانية ؟
- شو بدك بهالمعلاق , فلان الفلاني ولو , معقول لهلئ ما بتعرف .
- مين فلان تبع الاسم العلاني .
- فلان ولو, اللي بيتو جنب كذا , أخوه فلان وابن عمه صاحبك ما غيرو .
- مين فلانه ؟
- لك هيدي مرته لجارك بالحارة أبو فلان .
....
- ولو برهوم , بربك شو أخدك أنت ع سورية , والله ما تلقطك المخابرات لتزت كل جبلة بالحبس من وراك , لعما ولو .. بتقول CIA .
- سكوت يا زلمة ربك ستر , كان نزل البرميل علي وقتلني بالهرس قبل أن يقتلني الإنفجار , بس اللي مكتبله عمر ما بتقتله شده .
- بشرفك شو ؟؟
بدأ إبراهيم بأسلوبه الهادئ الرصين يروي تفاصيل رحلته المكوكية , وكيف تسلل عبر الحدود السائبة وصولاً إلى مقر الكتيبة .
حدثني عن غياب النظام كلياً خارج تجمعين أو ثلاث لمرابض مدفعية صاروخية ومدفعية ثقيلة معززة ببعض الآليات والدبابات في الساحل كله ..
عن خربة سولاس والزعينية وأسماء أخرى نسيتها .
حدثني عن أبي عمر و أبي حسن وخالد وسمير وسالم وكل الشباب الطيبين الذين أعرف معظمهم شخصياً وأعرف أنهم لا يستطيعون قتل دجاجة , ويتورعون عن أكل الخروف الذي يذبح أمامهم .
ما الذي حصل وغيّر ثقافة هؤلاء الخيّرين بهذا الشكل ؟
هل الفعل ورد الفعل وغباء ذلك النغل القابع في قصر الشعب يؤدي لقلب البشر فوقاني تحتاني ؟.
حمق ورعونة واستفشار أنيسة وأسماء ورامي والعائلة المالكة ولافروف وحسن نصر الله و الجلنفع الخامنئي هو من قلب هؤلاء الناس وسورية بأكملها 180 درجة , من غيرهم يستطيع إنجاز هذه المهمة الصعبة .
لكن الجميل أن نذالة الأسد وحماة دياره لم تجرد هؤلاء الطيبين – رغم كل ما مر عليهم – من إنسانيتهم .
كان حسن " ابن ريف حلب الشهباء " أحد الأسرى الذين لم يطالب بهم أحد بعد معركة الزعينية , ظل معهم في الكتيبة كواحد منهم في حلهم وترحالهم .. هو لا يريد الانشقاق , و لايريد العودة كذلك لجيش الأسد .
مخصصاته من الحمراء القصيرة باكيتين في اليوم بينما مخصصات كل مقاتل باكية واحدة , وبالمقابل , في جيش الأسد يتم سحب الروسيات من أجل سيجارة وأحياناً شحطة .
المقاتلون يؤثرون الأسير حسن بكتل اللحم الصغيرة النادرة التي تجمّل طبخاتهم أحياناً , إضافةً لغرفتين من الأرز أو البرغل على الغداء مقابل غرفة واحدة لكل مقاتل .
فكيف له أن يترك هذا العز والرز ويعود للقهر من جديد .
الرقيب جميل اللماح صاحب النكتة أعلن مرة أنه ينشق عن الكتيبة طالباً الإحتفاظ به كأسير ومعاملته كحسن ودعمه بالتالي بشوية لحمة وباكيتين باليوم بدلاً من المرمطة ووجع القلب قي تطهير حقول الألغام بالمسطرين .
حسن هو نموذج لرقم فلكي من الأسرى الآخرين الذين رفضوا إطلاق سراحهم وأصروا على البقاء مع الجيش الحر كأسرى يقاسمونهم فتات طعام لم يجدوه أثناء قتالهم في الجهة الأخرى ...
هذا الجيش الذي سرقوا ونهبوا الوطن بإسمه خمسين عاماً , وعندما حزت المحزوزية تبين أنه مجرد أكذوبة وهيكلية تنظيمية موجودة على الورق فقط , وإلا فكيف نبرر سقوط فوج بأكمله يتجاوز عدد مقاتليه الألفين بحفنة مقاتلين معظمهم من المدنيين ولا يتجاوزون المئة , مزودين ببعض البي جي سي والكلاشينكوفات .
حدثني عن ثقل اليد البغيضة للأجهزة الأمنية داخل المدينة , وغياب الدولة كلياً خارجها , وعن هدف الكتيبة المتمثل بإسقاط النظام لا مفهوم الدولة وهو ما بصمت له بالعشرة عليه .
تأثرت معه بقصة ذلك الضابط العلوي الذي انتحر بطلقة من مسدسه بعيد استسلام الفوج .. كان المقاتلون يسألون الأسرى : مين فيكون علوي ولاه , يصف على جنب .
الضابط الشاب ظن أنهم يسألون عن العلويين للفتك بهم بعد حفلة تعذيب عرعورية , وربما ظن أن هؤلاء السنة أكلة لحوم البشر سيشوونه حياً ويقرمشونه بعظامه , فآثر أن يقتل نفسه بيده ولسان حاله يقول : بيدي لا بيد العرعور .
وبيني وبينكم , أنا أيضاً ظننت أنهم يسألون عن الفستيك لهذا الغرض واستغربت هذه الثقافة الدخيلة البغيضة , إبراهيم الذي استهجن فهمي هذا أعقب بالقول : لك أيهم صاير شي لعقلك يعني , ثقافة شو ؟؟ .. كل ما في الأمر أن الأسرى السنة لا يعبأ النظام بهم , بل يقول بكل صفاقة : صَفّوهم أو خلوهم عندكون , ما بدنا هنه .
العلوي موضوعه مختلف حيث يمكن عبر التواصل مع أهله الضغط على النظام لمقايضته ببعض الأسرى والمعتقلين في أقبية المخابرات ...... كيف بنت المورللي طلعت لكن , ومتلها وأمتال .
أسعدني التبرير وعدم انجرار أصدقائي وراء ثقافة النظام في التصفية والهمجية , لكنه لم ينجح كلياً بإزالة بقايا المرارة التي لازمتي من هذه القصة .
كما أن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو : هل فشل النظام في إجبار الآخرين على التخلي عن إنسانيتهم كما فشل مع أصحابي ..
هنا مربط الفرس .
كأن في قلب كاتب القصة شيء من الجفاء على المجاهدين السائحين ؟؟؟؟؟؟؟؟
ردحذفهذا الاغراق في التفاصيل ممتع
ردحذفيا حبذا لو يتم الابتعاد قليلا عن المساس ببعض المسلمات التي يجلها الناس وفيما عدا ذلك فأنا أحييك أيها الكاتب المحترم
سيدي " غير المعرّف " :
ردحذفليس تحاملاً ايها الفاضل
مجرد خوف من الأفغنة والصوملة واللبننة
..
دكتور سامح :
لا أدري ما هى المسلمات التي مسستها لكنني أقسم أنها لو كانت فهى بدون قصد .