الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2016-07-14

الحجاب -2- :"حجاب الرجل" - بقلم: أسامة الملوحي

بسم الله الرحمن الرحيم
حوار عاصف جرى قبل سنوات بين أقاربَ اجتمعوا يتدارسون أوضاع بعضهم البعض, وسأل أحد الكبار فيهم, سأل ابن خاله الأصغر سناً لماذا تتحكم بأختك وتمنعها من إكمال تعليمها الجامعي؟
 فقال:الجامعة مكان فساد وإفساد وساحة انحراف للبنات...فرد الكبير :أختك محجبة محتشمة ملتزمة بالآداب...قال: حتى لو كانت كذلك فالشباب في الجامعة سيوقعونها ولا استثناء في ذلك...أنا أتحدى أي بنت أن تستطيع مقاومة حبائل الرجال...أنا كنت في الجامعة أستطيع إغواء أي فتاة بلا استثناء...
قال الكبير بغضب شديد: هذا قول خطير وأتحداك فيه, قال الصغير: هذه قناعتنا نحن الشباب...قناعة عامة منتشرة وهي على ألسنة معظم الشباب واستقص في ذلك...ولن أترك أختي فريسة.

وكانت المفاجأة للكبير كبيرة عندما استقصى على مدى شهرين وسمع من عشرات الشباب مثل ذلك القول ,قاله البعض صراحة وألمح إليه البعض الآخر: "إن الشباب يستطيعون بمكر الليل والنهار الايقاع بمعظم الفتيات باتجاه مآرب الشباب الغريزية بعيدا عن أي نية صادقة في الزواج".
ومن هذا القول ومما يعلمه الشباب من تفاصيل ووقائع وأساليب يتبعونها لاستدعاء الفتيات وفك استعصائهن وفي الذي يرويه بعضهم لبعض ويتفاخرون به دلالة خطيرة وكفاية....كفاية للجزم أن الأهم والأولى بأن يحجب استدعاءاته ويمتنع عن إثاراته هو الرجل وليس المرأة ....الرجل هو الأهم والأولى ولا نهمل دور المرأة وقد فصّلنا فيه.
حجاب الرجل مصطلح قد يثير السخرية أو الاستغراب الشديد ولكنه حسب تعريفنا للحجاب قد يصح كتسمية ومعنى...فقد اخترنا لتعريف الحجاب في المقال الأول أنه :"حجب الإثارة الجنسية خارج حدود الزوجية" و" منع الاستدعاء الجنسي الغريزي خارج بيت الزوجية" وما يخص الرجل في هذا التعريف قد يفوق ما يخص المرأة, وليس من الحتمي أن نأخذ بكلمة حجاب على ما اصطلح عليه الناس فقرنوا الكلمة بغطاء الرأس عند المرأة أو لباسها بشكل عام وفي المرات الستة التي ذكر فيها القرآن الكريم كلمة حجاب كان المعنى يشير إلى الحاجز والمانع وليس إلى اللباس حصرا وعلى هذا قلنا عن الحجاب أنه يحجز ويعزل الاستدعاءات الجنسية الغريزية في المجتمع خارج الزواج.
"ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلاً" :في الآية الكريمة خطاب بصيغة المذكر وهو بلا ريب يشمل المؤمنين والمؤمنات ولكن استخدام لفظ المذكر "ولا تقربوا" فيه دلالة على أن المشرف العام على تطبيق النهي والالتزام به أولا هو الرجل, وفي الآية نهي عن الاقتراب من الزنا وليس الوقوع به فحسب , وعدم الاقتراب من الزنا يحتاج من الرجال ليس حجابا واحدا بل حجابات كثيرة وحواجز وعوازل عديدة .
 والرجال قوامون على النساء: ودون أن ندخل في كل ما قيل عن القوامة نَذْكُر فقط ما هو متفق عليه أن في معنى القوامة :"معنى الحماية للمرأة وصونها من قبل الرجل"...
ولأن الرجل هو الطرف الأقوى المهيمن في مجتمعاتنا وكان ومازال الطرف المتحرش في التقارب بين الجنسين إن صحت التسمية... فالإجراءات الواجبة عليه في الحجاب كثيرة :
"قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون":
في تدبر الآية أكثر مما يتوقع القارئ المتعجل فقد وجه الله جل شأنه الأمر للرجال بغض البصر قبل أن يوجهه للنساء وفي ذلك إشارة إلى أن نظرات الرجل التي تُرسل الاستدعاءات الغريزية أكثر من المرأة ونظرات الرجل التي تتلصص لما يثير الغريزة أكثر من المرأة ....ونذكر أيضا أن استخدام "من " وهي تبعيضية تفيد غض نوع من البصر الذي فيه ما يقرب من الزنا...
وتذكر الآية غاية عاجلة من غض البصر وحفظ الفروج  فتقول "ذلك أزكى لهم" أي أرقى لهم وأليق بهم وأقرب إلى مكانتهم الانسانية العالية المميزة التي أرادهم الله عليها.
 وفي الآية إشارة أخرى هائلة في قوله جل شأنه "إن الله خبير بما يصنعون":
أي أن الرجال في هذا الأمر يصنعون الصنائع لاستدراج واستدعاء النساء للغريزة خارج الزواج ويصنعون ما يصنعون لإثارة المرأة أو جذبها ويصنعون الحبائل والمكائد التي توقع المرأة , والله هو الخبير بكل ما يصنعون  ولم يذكر الجليل في الآية التي بعدها عندما وجه الأمر للنساء بغض البصر مثل هذه العبارة.
" والذين  هم لفروجهم حافظون " آية تكررت مرتين تصف وتخاطب الرجال وبعدها يأتي الخطاب في وصف الذين يسعون لما يجاوز ما حُلل لهم بانهم عادون معتدون وبلا ريب فإن الطرف المتعدى عليه و المعتدى عليه هو طرف النساء :"فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون" و معنى الاعتداء والتعدي يطابق فعلا ما يفعله الرجال من أفعال للإيقاع بالنساء.
و يستخدم الرجال المتعدون أساليب كثيرة فيها مشتركات قليلة ومن أهم وأخطر تلك المشتركات أن الرجل يشير أو يلمح أو يصرح باتجاه الزواج وهو غير عازم فعلا على ذلك....والفتيات في أغلب الحالات إن استجبن في قليل أو كثير يكون في قصدهن الزواج ويصدقن إلى حد كبير الوعود بالزواج.
والايحاءات التي يرسلها الرجل لإيهام المرأة بنيته الزواج كثيرة فيها فنون شيطانية وابتكارات متجددة تبدأ من نزعه لخاتم الزواج أمام فريسته لتظنه غير متزوج ولا تنتهي بالقلائد والمجوهرات الزائفة.
ويستغل الرجال المتربصون عاطفية المرأة ويتفننون بالكلمات المعسولة وبالعبارات الغرامية التي غالبا ما تكون منقولة لخلق أحاسيس وردية ومشاعر فيّاضة وأماني كاذبة عند الفتاة.
ويميل الرجل مع المرأة حسب ميلها ومعاناتها : فتارة هو الطبيب النفسي المعالج والفتاة هي المريضة التي تجد في الشكوى إليه راحة تنقذها من الكبت الذي تحس به.
 وتارة هو الناصح الأمين في مشكلة عندها وهو الباحث عن مصلحتها وعن الحلول لمشاكلها ولا يريد منها ولا لها إلا الخير.
 وتارة هو العاشق الولهان الذي وقع في حب تلك الفتاة من النظرة الأولى أو الكلمة الأولى أو لمّا قرأ لها أسطراً مذهلة تدل على ثقافتها ووعيها.
حتى عند الذين يمتهنون الثقافة و التنظير والفلسفة عندما يدخلون في حوار مع رجل  مخالف فإنك ترى الشراسة وضيق الصدر والانفعال وقد تسمع شتائم والفاظٍ مسيئة نادرة وينتهي الجدال في الأغلب الأعم بشجار وفراق...
أما عندما يحاورون أنثى ليست على رأيهم فإنك تجد طريقتهم خاصّة وأسلوبهم مميز ومنفتح ويستدعون كل مهاراتهم اللفظية ومعلوماتهم الموسوعية في النقاش الذي لا ينتهي على الأغلب بشجار أو فراق....لكأن أغلبهم يستخدم أدبه وثقافته لاستدعاءات غريزية جزئية أو كلية.
ولأن المرأة في مجتمعاتنا كانت ولا زالت الطرف الأضعف في المجتمع فلا بد في شأن ضبط الرجل لنفسه وحجبه للاستدعاءات الغريزية من جهته لابد أن لا نعتمد فقط على الوازع الفردي والرادع الداخلي الذاتي فهذا الرادع قد يكون أو لا يكون وقد يقوى ويضعف ولابد من إجراءات قانونية شرعية تردعه وتضمن "حجاب" استدعاءاته.
وفي جانب الردع هناك ردع اجتماعي سياسي آخر ينبع من حجاب المرأة وهو: "ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين":
حجاب المرأة بفقراته السبع التي ذكرناها  يجعلها أقرب لأن يُعرف انتماؤها فهي تعلن بحجابها انتماءها لتيار كبير وحشد عظيم فيه رجال أشداء مرهوبي الجانب وقد يكونون في نظر المتربص "متطرفون" ولكنهم مرهوبو الجانب وسيندفع المتربص بعيدا وسيكبح جماحه وسيفكر ألف مرة قبل أن يفكر بالتعدي والإيذاء تجاه تلك المرأة .
وفي نفس الوقت لابد من فتح أبواب الزواج أكثر وأبسط وأسرع وأن يكون لمن أراد الزواج فعلاً وأتى البيوت من أبوابها كل الحق في الكلام مع الفتاة والحوار معها ورؤيتها بدون خلوة والجلوس معها بوجود محرم عدة مرات...
لذلك كله لا تنظروا للحجاب على أنه ملابس وغطاء رأس بل انظروا إليه كمانع قوي لإثارة الشهوات وتسعييرها في غير موضعها في المجتمع و لابد على هذا الفهم من حجب ولجم سعار الرجل وإحباط مكائده مع حجب مفاتن المرأة...
كل ذلك لضمان السلم النفسي والمجتمعي  الذي قصدته الشريعة الاسلامية العظيمة.

د. أسامة الملوحي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق