لابد ان نؤكد ابتداءً أن القراءة غذاءٌ للنفس
والعقل، لا يجوز إهماله مطلقاً... وأن أولى الناس بالقراءة والاهتمام بها هم أبناء
الدين الذي كانت كلمته الأولى: }اقرأ{.
وإن نظرة سريعة إلى تاريخ هذه الأمة تُرينا أن
مجدها كان مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بالقراءة. فهذه الأمة التي كانت توصف بالأمّيّة،
يوم تنزل عليها القرآن، هي التي تطورت – بفضل هذا القرآن العظيم – لتصبح أمة
العلوم والمعارف، وتنشط فيها حركة التأليف والتصنيف والترجمة، وتنشأ فيها المكتبات
الكبيرة.
وبقي الأمر، على مرّ التاريخ واختلاف الثقافات،
يربط بين تقدم كل أمة والقراءة، ولا يحسبنّ متعجّل أن زمن القراءة قد ولّى بعد
انتشار الكمبيوتر والإنترنت والفضائيات.
ولا بأس ههنا أن نثبت بعض النقاط:
1- هناك فعلاً من الناس من أهمل القراءة وانشغل
عنها بالكمبيوتر ووسائل الثقافة والترفيه الإلكترونية.
2- وهناك من استبدل بقراءة الكتاب، القراءةَ في الإنترنت. وهذا الصنف ما يزال في عِداد
القرّاء، ولعل بعض أفراد هذا الصنف ممن يقرأ بشغف ونهم، بل يؤلف كذلك ويكتب البحوث
والمقالات الأدبية والاجتماعية والسياسية.
3- حتى هذا اليوم، وربما في المستقبل المنظور كذلك،
ما يزال للكتاب والمجلة دور فعّال لدى الذين يحترمون عقولهم، ويحرصون على تنمية
فكرهم وثقافتهم. وإن نظرة عابرة يلقيها الزائر إلى بلاد انتشر فيها الكمبيوتر
والإنترنت انتشاراً هائلاً كالولايات المتحدة وفرنسة والسويد... تُظهر أن الناس ما
يزالون يهتمون بالقراءة في الصحف والكتب، كما يهتمون بالقراءة في الوسائل الإلكترونية
أو أكثر، فما من رحلة في قطار من قطارات الركاب إلا وتجد فيها عدداً من الرجال
والنساء، الشبانِ والمسنّين... بأيديهم كتب ومجلات وقصص يقرؤونها بدأب ومتابعة
طوال الرحلة.
بل إن التطور السريع والباهر في فنون الطباعة من
تنضيد وتلوين وتجليد... ما كان له أن يَحْدُثَ لو أن العصر قد تجاوز القراءة في
الأوراق.
وعلى كل حال ليس حديثنا في المفاضلة بين القراءة في
الكتاب، والقراءة على الشاشة الإلكترونية، إنما في تأكيد أهمية القراءة أولاً، ثم
في بيان مزايا القراءة السريعة والقراءة المتأنية.
إذا سلّمنا بأن القراءة رافد من روافد الثقافة
وبناء الشخصية، فإن الكم الهائل لما تقذف به المطابع ودور النشر من كتب وصحف
ومجلات، يجعل القارئ في حَيْرة بين قراءة متأنية متفحصة تجعله يفهم جيداً ما
يقرؤه، ولكنه يحصره في حجم ضئيل ضئيل ضئيل، مما ينبغي أن يطلع عليه، وبين قراءة
عاجلة سريعة تمكّنه من الاطلاع على حجم مناسب مما يُنشر، لكنه يحول بينه وبين
الفهم الدقيق!!.
فهنا لابد من مناقشة مسألتين:
الأولى: أي الخيارين أفضل؟ وهل هناك خيار ثالث؟!
والثانية: في حال القراءة السريعة، كيف يتدرب المرء
عليها ويزيد من جدواها؟!
ففي المسألة الأولى: نرى أنه لابد من الجمع بين
الخيارين معاً:
فقراءة البحوث الجادة في النحو والبلاغة والفقه
والأصول... وفي الرياضيات والفيزياء والكيمياء والتشريح، وفي العلوم الإنسانية
كالسياسة والاقتصاد والاجتماع... لابد أن تكون قراءة متأنية متفحصة... ولا يكاد يجدي
فيها التصفُّح السريع العاجل، بل قد يحتاج القارئ إلى إعادة العبارة والربط بينها
وبين ما قبلها، بل كثيراً ما يحتاج القارئ في مثل هذه العلوم – لا سيما في المراحل
الأولى من تعلمها – إلى التلقي على أيدي العلماء والمختصين، والاستعانة بهم على حل
عبارة عويصة، أو فكرة دقيقة، أو نظرية معقّدة.
أما كثير من كتب الأدب والمجلات والمقالات
السياسية... فيُكتفى فيه بالقراءة السريعة، بل إن هذه الطريقة في تناول هذه
الكتابات هي الطريقة الوحيدة الفعالة، وبدونها سيغرق القارئ في بقع صغيرة تَشْغَلُه
عن بحار واسعة من الفكر والثقافة والأخبار.
وهنا يأتي دور المسألة الثانية: كيف أتدرب على
القراءة السريعة المجدية؟!
بعد أن يكون اختيارك سليماً، بأن تخصص القراءة
السريعة للكتابات التي تناسبها، إليك هذه النصائح:
1- عوّد نفسك أن تنقل عينيك بسرعة فوق الكلمات،
فتقرأ الكلمتين والثلاث دفعة واحدة، وقد تقفز عن بعض الكلمات، ولا تتوقف عند كلمة
محددة أو جملة، إلا إذا وجدت مسوّغاً خاصاً لذلك. ستضيع عليك بعض الأفكار. لا بأس.
إن كثرة القراءة والتدريب ستزيد من قدرتك على الفهم، وستعوض لك ما فاتك.
2- قد تستغني بقراءة العنوان عن قراءة المضمون، وقد
تحتاج إلى قراءة فقرة واحدة أو اثنتين – قراءة عاجلة – في بداية المقال، وقد تجد
حاجة إلى قراءة الفقرة الأخيرة التي تلخّص الفكرة وتسجّل النتائج.
3- بل عندما تقرأ كتاباً، ابتدئ بتقليب الصفحات
وقراءة أسماء الأبواب والفصول خلال دقائق معدودة، ثم اختَرْ بعض موضوعات أثارت
انتباهك. وقلّ أن تجد كتاباً يستحق أن تقرأه كلمةً كلمةً من المقدمة إلى الفهرس
(باستثناء كتب العلوم التي ذكرنا أنه لا يناسبها إلا القراءة المتأنية).
4- عندما تقرر أن مقالاً أو فصلاً في كتاب، أو
كتاباً بكامله، يحتاج إلى قراءة متأنية فاختر الوضع المناسب للقراءة قدر الإمكان:
ابتعد عن الضجيج والضوضاء، واجعل الإضاءة جيدة، واجلس الجِلسة المريحة، وأمسك بيدك
قلم رصاص لتخط بعض الخطوط الخفيفة إزاء عبارات وفقرات خاصة، وقد تحتاج إلى دفتر
تدوّن فيه بعض الملاحظات أو الاستفسارات.
5- اجعل القراءة – بأطيافها المختلفة – عادة
مستحكمة عندك. ورتّب أولويات ما تقرأ، واحرص على قراءة كتاب واحد – في أقل تقدير –
في كل علم من العلوم التي تهمك، وكل باب من أبواب المعرفة، أما في العلوم التي
تدخل في مجال اختصاصك فاحرص على قراءة أمهات الكتب فيها والموسوعات }وقل:
ربي زدني علماً{.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق