الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2016-11-08

هل كنا نقول الحقيقة حين كتبنا عن التطرف؟ - د. محمد حبش

سنة كاملة مرت على دخول روسيا طرفاً مباشراُ في الحرب في سوريا، بكل ترسانتها العسكرية وأسلحتها الثقيلة كما لو كانت تخوض الحرب العالمية ضد دول المحور، وألقت كل ما صنعه الشر من سلاح على رؤوس السوريين، قتلت فيه مائة ألف روح أخرى، وجربت النابالم الحارق والفوسفوري والعنقودي والارتجاجي … ويخلق ما لا تعلمون، وهي مع ذلك كله تحظى بتبرير شرعي من عمائم النظام التي لا تزال تخفق على باب السفارة الروسية المتوحشة لتقديم الشكر والثناء لجهود روسيا في قتل السوريين… وهي الجهود التي لم تصنع خلال عام من التوحش أي سلام في أي بقعة من سوريا باستثناء مطار حميميم!!

أتسأءل بالفعل: هل لو ملكت النصرة ترسانة سلاح متوحش كهذا الذي يملكه الروس.. فهل نتصور أنهم سيدمرون حلب بهذه الطريقة المتوحشة الممنهجة المصرة على سحق كل صوت اعتراض؟
رغم معرفتي تماماً بمبادئ الحركات المتطرفة وأساليبها في القتال والعنف، ولكنني لا أعتقد على الإطلاق أن أي تنظيم ثائر مهما كان متطرفاً سيقدم على هدم مدينة حلب بهذا الشكل المتوحش حجراً حجراً وداراً داراً وزنقة وزنقة
أتصور أن النصرة لن تكون رحيمة بأعدائها، وأعتقد أنها ستبطش وتشرد، وأتصور أنها لن تكون رحيمة أو ودودة وربما مارست ما تسميه النصر بالرعب، ولكنني أجزم أنها لن تبلغ هذا اللون من التوحش والإنهاك، ولا أظن أن مؤيديها ولا خصومها يتوقعون منها ممارسة ما يطلبه هذا النظام من الروس الذي يصر على تدمير كل شيء ثم الاحتفال فوق أشلاء الجثث وممارسة رقصة الانتصار على عظام الموتى.
سيفقد الناس تحت حكم النصرة كثيراً من حرياتهم، ولكنهم لن يفقدوا حياتهم، فماذا عسى أن يقدم الروسي المنتصر ونظامه الأجير لمائة ألف حلبي شهيد أو جريح قضوا تحت الأنقاض تحت وابل سلاح الحليف الروسي المتوحش.
ليست لدي الرغبة ولا الولع بالدفاع عن المحاربين والحرب، وأنا أكتب منذ سنين في رفض العنف كله، ولا أعرف سلاحاً بصيراً ولا قنبلة رشيدة، ولا أعرف بندقية ذات شرف في هذا التوحش الطامي.
مع مرور عام من التدخل الروسي العاتي وارتكابه كل المحرمات والموبقات، بات علينا أن نخوض مراجعات عميقة في الفكر والسياسة، بعد أن فرضت الأحداث أسئلة جديدة لا يمكن أبداً التهرب من الإجابة عليها.
لقد كتبت كثيراً عن الإرهاب الذي يستند إلى النصوص القديمة، وحققت مصادر هذه النصوص وبواعثها وظروفها التاريخية وأصدرت في ذلك ثلاثة كتب متتالية: نحو فقه إسلامي مناهض للتعذيب، والجهاد من الغزو والفتح إلى الجيش الوطني، والأصول المؤسسة لخطاب التكفير، ولكنني أشعر الآن أنني قلت نصف الحقيقة …….
لم أكن بالفعل أتخيل أن الإرهاب الأكثر توحشاً وضراوة ليس بالضرورة شيئاً تصنعه كهوف تورا بورا ولا تلال قندهار…ولشد ما آلمني أن الإرهاب الحقيقي يسكن بالفعل في أشد قصور التاريخ أناقة وبذخاً وترفاً، وأنه يدرس كعقيدة عسكرية ستالينية ، تقدم فيها الأوسمة والنياشين والرتب العليا، وتقدم في عروض عسكرية هائلة للتعريف بالقدرات المتوحشة الجبارة التي تملكها تلك الطاقات والتي تدفع بدون مسؤولية ولا ضمير إلى عساكر محترفين يمارسون القتل العمد والتدمير العمد والنابلم العمد والفوسفور العمد فوق رؤوس أهلنا في حلب منذ عام كامل دون أن ترف لهم جفنة ضمير.
يقولون إنهم جاؤوا لينقذوا سوريا من الأسوأ .. والسؤال الآن : هل هناك ما هو أسوأ من هذه المصائر المتوحشة؟؟ وهل كان التطرف الإسلامي بكل أطيافه سيقود إلى هذه النتائج الكارثية لو نجح في إسقاط هذا النظام؟
روسيا تتمسك بظاهر النص، ولديها نص حصلت عليه من مجلس الأمن يقر بأن تنظيم النصرة إرهابي وأنه من المحتمل لهذا التنظيم أن يقوم بأعمال قتل جماعي ضد الكافرين، وأن سوابق متعددة لوالدة هذا التنظيم القاعدة قد بطشت فيها بعدد من الأبرياء وأن على العالم ان يتحفز لدرء شر هذا اللون من الارهاب مرة أخرى.
يضرب الروسي الأرض بوابل الموت، ولا يصيب ضميره المريض أي وخز بائس، فالرجل ينفذ قرارات أممية منصوص عليها، وهو يعيش في عافية مع ضميره المثقوب ويبرر جرائمه بما نص عليه قرار مجلس الأمن، على الرغم من أن عشرات الأطفال يرفعون كل يوم من تحت الأنقاض جثثاً هامدة يزعم النظام والروس أنه جاء ليخلصهم من بطش القاعدة.
من المؤسف أن نقول إن القاعدة وداعش ليست إلا بعض خطايا الدب الروسي المتوحش الذي يدعمه نظام ضائع يشارك في دمار بلده حجراً حجراً ثم يفرك يديه بشماتة ويتوعد بالمزيد.
النصرة فصيل محارب من أبناء الشعب السوري، وتشدده وتطرفه هو حصاد المظالم التي اقترفها النظام في مناطقه، والتوحش والإرهاب ليس أمراً مرتبطاً بالعمائم واللحى، وفي كل توحشه فقد اقتصر على أفراد محددين كانت النصرة تتهمهم بالتجسس أو الخيانة أو الكفر، وهي بكل تأكيد جرائم لا يمكن تبريرها ولا يسعني أن اقف منها موقف المدافع والراضي بها، ولكنني لن أتردد أبداً في القول بأن الجرائم الروسية التي يشارك فيها النظام البائس هي أشد إرهاباً وخطراً وتوحشاً ولا يمكن تبريرها بحال.
ولو كنت في حلب ورفعت أسرتي من تحت الأنقاض وخيرت بين تيار محمد حبش وتيار النصرة لاخترت النصرة دون تردد!!! فالعنف والبطش لا ينتجان العقل والحكمة، وسيدفعان إلى العنف أشد، والنار لا تطفأ بالنار، والقتل لا ينفي القتل بل يستولده ويعيد إنتاجه.
تم دمار حلب بالكامل، وسبقها أكثر من خمسين مدينة سورية من عرائس المدائن، بالطيران والمدافع والصواريخ الموجهة من البحر، وسيكتب التاريخ أن الوحوش الكاسرين الذين ارتكبوا هذه المجازر كانوا يحملون نصاً من مجلس الأمن ينص على وجوب قتل عدد من السوريين كان اسمهم جبهة النصرة، ولا يعرف لهم مقر ولا مكان، وهو ما يتخذه الروس راشيتة مفتوحة لإبادة سوريا بكل ما فيها، وإنها لماساة للعدالة الإنسانية أن كل ما يفومون به يتم تبريره بنص القرارات الدولية الطائشة التي عجزت حتى اليوم أن تكون نصوصاً أخلاقية عادلة تشعر بالإنسان وتؤمن بالأوطان.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق