وقد احتدم الجدل حول
هذه المسألة بصورة واسعة بعد إعلان المفكر الإسلامي"راشد الغنوشي" زعيم "حركة النهضة"
التونسية عن
فصل النشاط الدعوي عن النشاط السياسي في صفوفحركته وتحويلها من "حركة
إسلامية" إلى "حزب سياسي" على غرار بقية الأحزاب، في
خطوة عمليّة شجاعةلتحقيق هذا الفصل !
وفي أعقاب هذه الخطوة من هذا الراشد (!؟) ظهرت مؤشرات بين صفوف عدد من الحركات
الإسلامية الأخرى في الوطن العربي تشير إلى اعتزامها الإقدام على خطوة مماثلة !
وفي المقابل أعلنت حركات إسلامية أخرى تحفظها على هذه الخطوة معتبرة إياها خطوة في
الاتجاه الخطأ، بل اعتبرها بعضهم نكسة مؤسفة في مسيرة العمل الإسلامي، بحجة أنها خطوة
تنطوي على اتهام العمل الإسلاميبالقصور، هذا العمل الذي ظل لأكثر من نصف قرن من الزمان يؤكد أن الإسلام دين شامل لا يفصل بين ما هوديني وما هو دنيوي، فكيف يأتي اليوم مفكر
إسلامي له تاريخ عريق في العمل الإسلامي فيعمد إلى فصل الدعويالذي هو ديني بطبيعته عن
السياسي الدنيوي ؟!!
وهذا بلا ريب سؤال كبير، وتحفظ في محله، فقد ظل الإسلاميون بالفعل لأكثر من نصف قرن يقفون بقوة ضدالعلمانية التي تفصل الديني عن الدنيوي، فما الذي حصل حتى باتوا اليوم يميلون
إلى هذا التوجه الذي لا تخفىظلاله العلمانية ؟!! إنه
دون ريب سؤال مبرر تماماً، وهو سؤال يضع الإسلاميين الداعين لهذا الفصل أمام تهمة
كبيرة لطالما ظلوا ينكرونها!!
وأمام هذه الخطوة الإشكالية وما أثارته من ردود أفعال متباينة في صفوف الإسلاميين فإننا نتوقع
أن تحظىبنقاشات
صاخبة سوف تستمر زمناً طويلاً قبل أن ينتهي الإسلاميون إلى قناعة راسخة بالحل
العلماني صراحة، ودون مواربة، كما يفعلون اليوم تحت ستار (فصل الدعوي عن
السياسي) في صيغة مخاتلة يحسبون أنها تبرؤهم من تهمة التوجه نحو العلمانية
أمام شريحة واسعة من الإسلاميين الأصوليين الذين مازالوا يرون في العلمانية عدواً
للدين !
لكن،
بالرغم مما قيل وما قد يقال، يكفي هذه الخطوة نحو "فصل الدعوي عن
السياسي" أنها تعيد إلى ساحة الفكر الإسلامي جدالات قديمة لم تُحسَم حول العلمانية والإسلام !! وأملنا كبير أن تسفر هذه الجدالات عن رؤية
إسلامية جديدة تنهي استنزاف العمل الإسلامي وتضعه بجدارة في عملية البناء الذي تتطلع له
الأمة، وتغير الصورةالنمطية التي باتت تطبع صورة الإسلام نفسه - لا صورة العمل الإسلامي
وحده - بأنه صانع للموت ، ناشرللإرهاب ، مجبول على كراهية الآخر!!
ومع اعتقادنا بأن "فصل الدعوي عن السياسي" خطوة
متقدمة على الطريق الصحيح، ومع أسفنا أنها تأخرت زهاء نصف قرن من الزمان، فإننا
نخشى أن لا تتم مناقشتها بالجدية التي تليق بها داخل الحركات الإسلامية، هذه
الحركات التي لا تفتأ تردد قوله تعالى : ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) لكن
هذه الحركات مازالت - على ما يبدو - لا تملك الجرأة اللازمة
على التغيير !!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق