أولادنا،
ذكوراً وإناثاً، أطفالاً ويافعين وشباباً.. تصدر منهم تصرفات قولية أو فعلية لا
تروقنا، بل تثير غضبنا، وعندها يقول لنا الناصحون: يجب أن تستوعبوهم!.
ليس هناك
قواعد صارمة يمكن اعتمادها أو التزامها، بعد أن ذكرنا أن بين أولادنا طيفاً واسعاً
من الفروق، منها ما يعود إلى السنّ وما يعود إلى الجنس، وما يعود إلى شخصية كل فرد
على حدة. ولكن ألا يمكن تلمُّس بعض المؤشرات التي نسترشد بها ونحن نربي أولادنا؟!
1- هناك
تصرفات مزعجة لكنّ الأذى الذي ينبني عليها محدود، كأن يصرخ الطفل بصوت حادّ، أو
يبكي بشكل مزعج، أو يكتب على جدران الغرفة ويشوّهها، أو يلبس الشاب لباساً لا يتفق
مع أذواقنا...
ولا شك أن ضبط
أعصابنا في مثل هذه المواقف أمر محمود، ويلي ذلك أن نعالج المشكلة بحكمة، كأن
نتعرف إلى سبب الصراخ والبكاء، وأن ننصح، أو نظهر أسفنا لما فعل الطفل أو الشاب،
وأن نحاور ونُقنع...
2- وهناك
تصرفات طائشة تجرّ أذى غير محتمل، كأن يعبث الطفل بالنار، أو بأجهزة حساسة ثمينة،
أو يتصرف الشاب تصرفات تجلب عليه، أو علينا، مخاطر تمسّ الأمن العام...
وفي هذه
الأحوال لابد من علاج سريع صارم يحول دون وقوع الضرر البالغ. وهذا العلاج مهما بدا
قاسياً فإن المصلحة تقتضيه، وكما قال الشاعر:
فقسا ليزدجروا
ومن يكُ راحماً
فليقْسُ أحياناً على من يرحمُ
وحتى يكون
العلاج ناجعاً لابد أن يشعر الطفل أو الشاب أننا نحبُّه ونحرص على أن نجنّبه ونجنب
أنفسنا الأذى المحقّق أو المتوقع... كما أنه لابد من أن يُتبَع هذا العلاج،
بالحوار والإقناع حتى نطمئن إلى أن ولدنا لن يكرر التصرف الطائش من وراء ظهورنا.
ولا شك أن
الصرامة التي نتعامل بها مع تلك التصرفات، تتناسب مع شدة الضرر الذي يترتب عليها،
فقد نلين قليلاً إذا كان الضرر متوسطاً، ونشتد إذا كان الضرر بالغاً.
3- وهناك
تصرفات تنافي الدين والأخلاق، قد تصدر من الطفل أو الشاب، إما بجهل أو عفوية أو
براءة، وإما تقليداً منه لبعض رفاقه وزملائه، وإما تحدياً منه لقيمنا، ومتابعة
لقيم وافدة.
وفي مثل هذه
الأحوال لابد من أخذ الأمر على محمل الجد، والبحث عن الإجراءات الفضلى. وقد يحتاج
الأمر إلى التشاور بين بعض العقلاء لاتخاذ الموقف الأسلم، كأن نظهر الغضب أو
الاستهجان، أو أن نوكل العلاج إلى إنسان له دالّة على ولدنا الجانح، أو يملك قدرة
أكبر على الدخول إلى قلبه وعقله وعواطفه.
* * *
وفي جميع
الأحوال يحسن بنا، ونحن ننظر إلى جنوح أطفالنا أو شبابنا، أن نقوم بما يسمّى
"التقمّص الوجداني"، أي أن نتصور أنفسنا مكان هذا الطفل أو الشاب،
فلربما استطعنا التعرف إلى مشاعره ودوافعه، والتمسنا له بعض العذر، وأمكننا أن
نعالج الجنوح بأقل قدر من الانفعال، وأكبر قدر من الحكمة.
إن التقمص
الوجداني هذا لا يعني أن نغضّ الطرف عن الخطأ، ولا يعني أن نحكم على الخطأ بأنه
صواب، إنما يعني فقط أن ندرك دافع الولد إلى ما بدر منه من تصرف خاطئ، وأن نحسن
اختيار العلاج الذي يطفئ النار ولا يؤججها، ويشفي من العلة الظاهرة ولا يحوّلها
إلى علّة كامنة.
ولنتذكر
العلاج الذي عالج به النبي صلى الله عليه وسلم الشاب الذي قال له: يا رسول الله، ائذن لي
بالزنى!! فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ادنُ. ادنُ.. ثم قال له: أترضاه لأمك؟!
قال: لا. فداك أبي وأمي. ثم قال صلى الله عليه وسلم: أترضاه لأختك... فما زال به حتى ما بقي شيء
أبغض إلى الرجل من الزنى.
إنها حالة
رائعة من استيعاب الأبناء والشباب، فهل نقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم،
فداه أبي وأمي؟!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق