الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2011-09-11

من خنساوات درعا - بقلم/ د. عطية الوهيبي


نسلت سورية الأبية الرجال الغرّ الميامين على مر العصور، والنساء المجاهدات المصابرات على كر الدهور، فكانوا سُرُجاً تنير الطريق لكل شعب مستباح مقهور، وضربوا أروع الأمثلة في مقارعة كل طاغوت مجرم موتور، وقادوا مواكب الحرية والفلاح والنور.

ومن خنساوات سورية زوجة الشهيد الشيخ عبد الرزاق عبد العزيز أبا زيد الذين لقي وجه ربه شهيداً مع فلذات كبده الأربعة وقد أربى على خمسة وسبعين عاماً.


اجتاحت قوات بشار محافظة درعا، وجابت دباباته التي اشتريت بدماء الشعب وقوته لحماية الصهاينة في الجولان، وذبح أهل سورية ولبنان، وفَعل أزلامه وأقزامه الأفاعيل في درعا وغيرها من المدن والقرى والأرياف، يذبحون الناس كالخراف، غير عابئين بكل القيم والأعراف.

اقتادت قوات بشار المجرمة الشيخ عبد الرزاق وأولاده الأربعة، أمام نظر والدتهم، وتركوا زوجاتهم وأطفالهم وهم يذرفون الدمع المدرار، ويرون قسوة هؤلاء القتلة الأشرار، وهم يوجهون اللكمات والضربات بأعقاب البنادق لجدهم وآبائهم، وانطلقوا بهم إلى جهة مجهولة.

واستباح جنود بشار وضباطه ودباباته درعا يقتلون ويأسرون ويسرقون، وهم الذين لبسوا ثياب النساء عام 1967م فارين منهزمين عندما باع أبوه حافظ أسد وزير الدفاع يومئذ الجولان بكل ما فيها، ومما باعه الدبابات والمدرعات والمدافع التي بقيت في مرابضها صماء بكماء عمياء لا تطلق قذيفة واحدة على الصهاينة المحتلين الجبناء، ليتربع عام1967م هو وأولاده، وأسرته من بعده على كرسي الحكم مقابل بيع الجولان، وذبح المقاومة الفلسطينية، كما في تل الزعتر، وبعد أيام من غزو التتار الجدد لدرعا اكتشفت مقبرة جماعية على مشارف هذه المحافظة الصابرة المصابرة التي أشرقت من جراحاتها شمس الحرية والعزة والإباء، ملونة بألوان الدماء الزكية التي سفكها هؤلاء الأوغاد أزلام بشار السفاح ابن السفاح.

وكان الشيخ عبد الرزاق وأولاده الأربعة يرقدون في هذه المقبرة وقد ارتفعت أرواحهم إلى عليين بإذن الله رب العالمين مع إخوانهم وأحبائهم الذين بطشت بهم يد الطاغوت، وأصيبت الأم بالذهول، ودخلت في غيبوبة استفاقت منها بعد أسبوع، فربط الله على  قلبها، وأفاض عليها الصبر والسلوان، واحتسبت زوجها وأولادها وأخاها أيضاً في جنب الرحمن، وقد صعدت روحه قبلهم بإذن الله إلى الفردوس الأعلى في الجنان.
واستدعى رأس الكفر والفساد والإلحاد بشار خنساء حوران، وذهبت لمقابلته، وهو الذئب الغادر الموتور والكلب المسعور العقور.

وفي أثناء المقابلة قال لها: إن العصابات المسلحة هي قتلت زوجك وأولادك وأخاك، وسرقت حلي النساء، ودمرت المنازل والبيوت والأحياء، فقالت له خنساء حوران برباطة جأش وقوة: إن جنودك هم الذين اقتادوا زوجي وأولادي ومن قبلهم أخي أمام بصري، فلم اللف والدوران والكذب على الأذقان؟ وليس هناك عصابات مسلحة في حوران بل هناك شعب حر أبي شهم يريد الحرية والخلاص من حياة الذل والهوان.

تلون وجهه كما تتلون الحرباء، وفحّ كالحيّة الرقطاء، وقال لها: سنعطيك عشرين مليوناً دية لزوجك وأولادك تستعينين بهم على تربية أولادهم من بعدهم، وكأنة غدا أباً رفيقاً شفيقاً بأطفال سوريا الذي نكل بهم ومزق أجسادهم كحمزة الخطيب وتامر الشرعي وغيرهما من أطفال هذا الوطن، الذي اغتاله هذا السفاح كما فعل أبوه من قبل، قالت له خنساء حوران: إن ميراثي من مال والدي هو مئة مليون ليرة سورية، فخذ منها عشرين مليوناً وأعطني أحد أولادك لأقتله لأشفي صدري المظلوم الجريح وأجبر جناحي الكسير المهيض الذبيح، اربدّ وجه الطاغية وعبس وبسر، وأمر بإخراج خنساء حوران من قصره الذي بُني على جماجم الشعب وشلائه وعظامه ودمائه.

فرجعت إلى درعا شامخة الهامة، موفورة الكرامة، وباء الطاغية بالخزي والعار والندامة.
صبراً يا أماه، قتلانا في الجنة والطاغوت وأزلامه في النار.
صبراً يا أماه الله مولانا ولا مولى لهم.
صبراً يا أماه إن فجر النصر الصادق قادم قادم ((وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون)).  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق