الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2011-09-11

الشعب السوري لا بواكي له - بقلم: د. عطية الوهيبي


      شاب نرويجي الجنسية من اليمين المسيحي المتطرف كما تذكر وكالات الأنباء، وقنوات الفضاء، نفذ هجوماً وحشياً على مخيم شبابي للحزب الحاكم في النرويج، وقتل اثنين وتسعين، وقال: إن عمله وحشي لكنه ضروري.

وقد أشعل هذا الحادث الأسيف عواطف القادة والساسة في دول العالم، وأورى زَنْدَ إنسانيتهم تجاه الضحايا وأسرهم وحكومتهم، فهاهم أصحاب الفخامة والسيادة والسمو والجلالة يسفحون الدمع المدرار، ويلبسون السواد، ويعلنون الحداد، تعاطفاً مع الضحايا، وغدت الجامعة العربية ثكلى تلطم الخدود، وتشق الجيوب، وتقرع الظُّنوب، ولم نرَ شيئاً من هذا النبل الإنساني الفياض في أثناء الاجتياح الصهيوني لغزة عام 2008م!!


وقد دان مجلس الأمن الاعتداء، ووصف الجريمة بأقسى العبارات ووصفها بأنها شنعاء وفيها إزهاق لأرواح الأبرياء، وعزّى ملك النرويج وحكومته وذوي الضحايا فأحسن العزاء وعدّ ذلك من باب الواجب والوفاء.
وهبت هيئة الأمم المتحدة من رقدتها، ونهدت من غفلتها، وأعرب زعيمها (بان كي مون) عما انتابه من ذهول جراء هذا الحدث الجلل الذي تعجز عن تصور فظاعته وبشاعته العقول، ولعله يدخل في غيبوبة قد تقصر أو تطول.

واستثارت الحادثة الروس وحركت لديهم مكنونات النفوس، فاستنكروها أشد الاستنكار، وعدوها وصمة عار وصَغَار، وأعربوا عن استعدادهم لتقديم العون والمساعدة للشعب النرويجي المكلوم.
وارتعدت فرائص أوباما رئيس أمريكا، وهزّه الخطبُ العَرِمُ هزاً، فبكى وأبكى وعزّى، ولن أُطنب في ذكر من أدْمَت المأساة قلوبهم، وكَلَمتْ أرواحهم، وأوقدت أحزانهم وأتراحهم من قادة وساسة وأنظمة وحكومات ودول أبكاها هذا الحدث الجلل مخافة الإطالة والسآمة والملل، ولكني أتساءل ويتساءل معي شرفاء العالم وأحراره: ألم يرَ هؤلاء المتباكون ما يجري للشعب السوري من جرائم نكراء، ومجازر ومذابح شنعاء يشيب لهولها الولدان وتقشعر لها الأبدان، وتزلزل قلب الكون على يد نظام سفاح مجرم قاتل ابتلي به الشعب السوري الحرّ الأبيّ الذي يروم الحياة الحرة الكريمة كغيره من شعوب المعمورة؟!

لقد دخلت الثورة السورية شهرها الخامس، والبلاد يخيم عليها ليل حالك دامس، ولا يفتأ النظام الأسدي المجرم الموتور يحصد أرواح الألوف، ويسقيهم كؤوس الردى والحتوف، ويعتقل عشرات الألوف، ويصب عليهم العذاب الأوجع، ويجتاح بدباباته ومدرعاته وأزلامه وأقزامه المدن والقرى والأرياف، ويزرع الموت والرعب في كل مكان.
ألا يسمع أصحاب الجلالة والسمو صيحات الحرائر والثكالى والأرامل واليتامى والمهجرين والأيامى وصراخ الأطفال وأنات المعذبين وآهات المسجونين وهي تقطع نياط القلوب، وترفع الشكوى إلى الله تعالى علام الغيوب؟؟!!
أين مجلس الأمن الذي كوت مأساة النرويج جنانه، وهدت أركانه، وزعزعت بنيانه، فسارع إلى استنكارها بالإجماع بأشد العبارات وأقسى الكلمات، وعدّها فاجعة من أعظم الملمات؟ لِمَ لا يُدين هذا المجلس جرائم الإبادة الجماعية التي يرتكبها النظام السفاح في سوريا؟! وهو من قبل لم يُدِن جريمة واحدة من جرائم الصهاينة في فلسطين وغزة!.

أين بان كي مون؟! علامَ لا يعتصر فؤاده الهم والشجن والألم وهو يرى أطفال سوريا يذبحهم النظام السفاح فيها كالخراف في شتى المدن والقرى والأرياف؟! أين منظمات حقوق الإنسان التي يجرح ضميرها ويَكْلِمُ قلبَها موت حيوان؟ أين شعوب العالم العربي والإسلامي؟ لِمَ لا تخرخ في مظاهرات عارمة تساند الشعب السوري، وتؤازر ثورته المباركة السلمية الشعبية؟؟ وبيّضَ الله تعالى أهل طرابلس في لبنان.

أين شعوب العالم قاطبة؟ لِمَ لا تعبّر عن غضبتها وألمها وشجنها وحَزَنها لما يصيب أهل سوريا؟؟ هناك تواطؤ إقليمي ودولي وعالمي على الشعب السوري وثورته السلمية الميمونة المنصورة المظفرة بعون الله تعالى، وهناك سكوت مطبق على جرائم الجلاد، ومجازره ومذابحه التي يجترحها بحق الشعب السوري، وسِرُّ ذلك في في رأينا هو قلق الصهاينة من رحيل النظام وسقوطه، وذلك كائن بإن الله تعالى، لأن هذا النظام هو الكلب الأمين المسعور الذي يحرس أمن اليهود واستقرارهم في الجولان وفلسطين، وهو الذي سلم الجولان لهم من غير حرب ولا قتال، لأن الكيان اليهودي سيكون في مهب الريح، ومن ثَمّ يسعى الصهاينة جاهدين إلى حراسة هذا النظام الذي ولد على فراشهم، ويعملون على بقائه بشتى الوسائل والسبل، ومَن أبى فلأمه الهَبَل.
ويستعين الصهاينة من أجل تحقيق رغبتهم في بقاء النظام بأمريكا هُـبل العصر، التي تعدّ الحفاظ على الكيان الصهيوني جزءاً من أمنها القومي، وهي ملتزمة بذلك كل الالتزام كما يصرح ساستها وقادتها، كما يستعين بحلفائه من الغربيين، ويبارك جهود حلفائه الصفويين، الذين يسهمون إسهاماً كبيراً في ذبح الشعب السوري، وتدمير مدنه وقراه، وقتل رجاله وشبابه وأطفاله ونسائه، ويتشدق قادتهم بالمقاومة والممانعة والصمود وعداوة أمريكا!! ويَصِمون الشعب السوري بتنفيذ أجندات خارجية (رمتني بدائها وانسلت)، ولكن هيهات هيهات، إن الزمان قد استدار، وأن الشعب السوري المصابر الأبي قد ثار أقوى من أيّ إعصار، وهو يستمد قوته وعزيمته من الله تعالى الواحد القهار، ولن تستطيع قدرة في الكون كلّه أن تخمد ثورة شعب أبيّ ينشد العزّة والكرامة والحرية، وقد حزم أمره وعزم على إسقاط أسوأ نظام عرفه تاريخ البشرية، وها هو فجر النصر قد لاح، وسيرحل نظام السفاح، وتخفق في سماء سورية رايات الحرية والمجد والفلاح، وسيندم الذين خذلوا هذا الشعب وتآمروا عليه، ووقفوا مع جلاديه، ولات حين مندم.

أجل لقد أشرقت شمس الحرية من دماء الشهداء، ومن غيابات السجون التي تلتهم الأبرياء، ومن قلب ليل المحنة الذي يلف الرجال والأطفال والنساء، (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)، (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق