الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2011-09-11

القتلة المجرمون - بقلم: د/ محمد أحمد الخلف.


      الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين وبعد:
بينما كنت أقرأ عن تلك الجريمة التي ارتكبها النظام الطائفي في سوريا بحق إخواننا الأبريا العزل في سجن تدمر ترامت إلى ذهني ذكريات الماضي الحزين متصلة بالحاضر الدامي الذي يعيشه شعبنا السوري المصابر، ولقد كنت كتبت هذا المقال عن شهداء تدمر قبل الثورة السورية المباركة ولم أنشره فقررت في نفسي أن أصل شريط الماضي بالحاضر في هذا الوقت الذي لا يزال مسلسل القتل والإجرام قائماً.


بل لا تزال شلالات الدم تضخ من دماء أبناء شعبنا السوري منذ السبعينات وحتى الآن، فلقد كان يوم السابع والعشرين من حزيران عام ثمانين وتسعمائة وألف يوماً أسوداً دامياً في سجل النظام الطائفي البغيض، بل كان يوماً حمل في جنايته كل اللعنات والآثام والطرد من رحمة الله على أولئك الذين ارتكبوا أعظم مجزرة بشعة عرفها التاريخ في حق المئات من أولئك الشباب الطاهر المؤمن الراكع الساجد لله رب العالمين، والذين لم يكن لهم من ذنب ارتكبوه أو جرم فعلوه إلا أنهم رفضوا أن يحنوا رؤوسهم لذلك المجرم المقبور، وأن يسبحوا بحمده، بل كلَ ذنبهم أنهم رفضوا أن يكونوا أزلاماً لذلك النظام الطائفي الحاقد ولذلك الحزب العلماني (حزب البعث) (( وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ{8} الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)) [البروج 8-9].

قفز إلى ذهني تلك الصورة المأساوية لتلك المجزرة البشعة في حق إخواننا، وذلك المشهد المخيف لأولئك الشباب وهم يذبحون ويطلق عليهم الرصاص وهم عزّل وكيف سالت دمائهم الذكية الطاهرة على أرض سجن تدمر، واختلط بعضها ببعض، وقد علت أصواتهم بالتكبير لتشهد هذه الأرواح والدماء غداً أمام الله عظم الجريمة، وقبح الفعلة، وقد تعلقت روح كل واحد من هؤلاء الشهداء بأجساد القاتلين والآمرين ومن وقف معهم وأعانهم ولو بشطر كلمة، بل سينال العقاب الآثم في محكمة العدل الإلهية الكبرى كل من وقف مسانداً ومشجعاً ومباركاً وساكتاً عن جرائم هؤلاء المارقين وأزلامهم إلا من أعذر.
حدث ذلك على يد الأخوين المجرمين حافظ ورفعت، واليوم تتكرر المجازر أيضاً على يد الأخوين المجرمين بشار وماهر وزبانيتهم المرتزقة من عصابات الأمن والشبيحة وممن خان دينه وضميره من أبناء الجيش، والتاريخ يعيد نفسه فالقتلة والمجرمون هم المجرمون.

فلقد كان شهر آذار شهر ربيع الحرية إذ بدأت فيه الانتفاضة سبق ذلك فتية آمنوا بربهم بدؤوا الشرارة في مدينة درعا الصامدة عندما كتبوا على الجدران عبارات التحدي ( جاءك الدور يا بشار) فكانت عاقبتهم السجن والتعذيب والإذلال لذويهم، فلم تطق درعا الباسلة الذل فخرجت مستنكرة، وخرج بعدها الشعب السوري كله بمدنه وأريافه معلناً سقوط النظام، والمطالبة بالحرية ورفع الظلم والاستبداد عن هذا الشعب، الذي ظل قرابة نصف قرن من الزمان وهو يتعرض لما لم يتعرض له شعب من الشعوب من القتل والظلم والسجن والإذلال والفساد.

هب شعبنا السوري البطل ليكسر حاجز الخوف والرعب مسطراً أروع ملاحم البطولة متحدياً بصدره آلة القمع الوحشية من الدبابات والطائرات والرشاشات، وشعارهم (الموت ولا المذلة) (المنية ولا الدنية) مطالبين النظام بأصوات يعلوها التكبير والهتافات التي تطالبه بالرحيل غير مبالين بكل ما يحدث لهم رافعين شعار( ارحل يا بشار) (ارحل يا مجرم) (ارحل يا ابن بائع الجولان) وقد خرجوا شيباً وشباباً نساءً ورجالاً كباراً وصغاراً.
قد مزقوا صور القاتلين وحطموا الأصنام هبل واللات حافظ وبشار وداسوها بأقدامهم غير هيابين ولا خائفين وحناجرهم تهتف:

يا أيها السفاح اُقتل ما تشأ


شُلت يداك تقطعت أوصالا

أجْلِبْ بِخَيلك ثم رَجلك من تَشَا


واجمعْ جنودكَ واحشد الأنصارا

فالشعب يمضي في الطريق هتافُهُ


الله أكبر ترهب الكفارا

وشعارهم هبّوا لنصرة دينكم


هبُّوا أسوداً سادةً أحرارا

صور من البطولة والتحدي والصبر، تسابقٌ إلى الجنان ولسان حال الواحد منهم حال استشاده ما قاله الصحابي الجليل (حرام بن ملحان) لما طعن وانتضح الدم على وجهه صاح (فزت ورب الكعبة) تلك النماذج والبطولات شملت الصغار والكبار والنساء والرجال، أمثال حمزة الفتى الذي استشهد تحت التعذيب، وإبراهيم القاشوش الذي نحر نحراً، وخنساء سرجه في جبل الزاوية الذي استشهد زوجها وأولادها الأربعة ترفع صوتها عالياً ضد النظام وتحمد الله وتسترجع، فما أشبهها بالخنساء الذي استشهد أولادها الأربعة، بل ما أشبه موقفها بموقف الصحابية الجليلة( السمراء بنت قيس) لما بلغها استشهاد زوجها وأبيها وابنها في غزوة أحد لم تبالي لما رأت النبي صلى الله عليه وسلم راجعاً سالماً صاحت: ( كل مصيبة بعدك جَلَل) أي هيّنة يا رسول الله، وكذلك بطلات مدينة البيضاء في محافظة بانياس اللواتي سقطن شهيدات طلباً للحرية وثأراً للشهداء والمعتقلين، ونصرة لدين الله، صور لا تعد ولا تحصى لهذه النماذج المضيئة من أبناء شعبنا.

الكل يتدافعون نحو الشهادة يرجون رحمة الله وجننه ورضوانه، وأما القتلة والمجرمون فستلاحقهم اللعنات في الدنيا، وغضب الله وسخطه وعذابه في الآخرة، هناك في يوم القيامة يوم الجزاء العادل حيثُ يغضب الله سبحانه وتعالى غضبة لم يغضب قبلها ولا بعدها غيره لدينه ونصرة لعباده المؤمنين، ولك أن تتصور أخي القارئ الكريم  تلك الغضبة والتي يقول الله سبحانه وتعالى فيها في سورة الدخان ((يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون)) الآية [15الدخان]، نعم إنه اليوم الذي لم يحسب له الطغاة المجرمون الحساب، ذلك اليوم الذي تشيب لهوله الولدان، وتضع الحوامل ما في بطونها، وهو عزاؤنا، يقول سبحانه وتعالى في أول سورة الحج ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ)). [1-2 الحج].

إن الشعور بالأسى والحزن العميق لهذه المآسي والمجازر لشعبنا يقابله شعور بالعزّة والفخر لهذا الشعب مع الأمل الكبير بنصر الله القادم قريباً بإذن الله تعالى.
إن حرمة دم المسلم من أعظم المحرمات عند الله، ولقد نظر النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم إلى الكعبة المشرفة وخاطبها قائلا "ما أشد حرمتك وإن دم المسلم لأشد حرمة عند الله منك" وقال في حديث آخر "لهدم الكعبة سبعون مرة أهون على الله من إراقة دم امرئ مسلم" وجاء في حديث آخر "لو أن أهل السموات والأرض اجتمعوا على قتل امرئ مسلم لأكبهم الله جميعاً على وجوههم في النار" كما قال عليه الصلاة والسلام "فصبراً أيتها الأم الثكلى والزوجة الأرملة والأولاد اليتامى والوالد والوالدة والأهل والأقربون" "صبراً آل ياسر فان موعدكم الجنة" ألا فلينتظر هؤلاء يوماً تتحقق فيه دعوة المظلوم كما ورد في الحديث القُدسي "وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين".

إخواني في الله شهداء تدمر والثورة السورية، عذراً وألف عذر فمهما سطرت الأقلام مصابكم، ونطقت الألسنة، فلن نوفيكم جزءاً يسيراً من حقكم علينا، فالله سبحانه وتعالى هو الذي سيكرمكم ويرحمكم ويجزيكم الجزاء الأوفى فلقد نلتم الميتة الشريفة تلك الميتة التي قالها الإمام الشهيد حسن البناء (يا أخي لا بدّ من الموت فاجعله في سبيل الله فإنك بذلك تكسب الأجر والشرف والخلود مع أنك لم تخسر شيئاً) ((وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)) [أل عمران 169-170].

سلام عليكم شهداء تدمر وشهداء الثورة المباركة ثورة الكرامة وعلى جميع شهداء المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، سلاماً نلقاكم به غداً عند مليك مقتدر، فتشفعوا لنا بإذن الله، سائلاً المولى عزّ وجل أن يلحقنا بكم ويتم لنا بالشهادة في سبيله.

طوبى لكم وملائكة الرحمن تدخل عليكم، تسلم عليكم، ترحب بكم ((وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ)) سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق