الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2011-09-11

علماء السلطان والثورة - د/ محمد أحمد الخلف.


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة أجمعين وبعد:
حفلت الدولة الإسلامية في تاريخها الطويل بمآثر جليلة وعظيمة سجلها العلماء العاملون في مواقفهم الخالدة والمضيئة مع الحكام، تلك المواقف التي اتسمت بالصدق والجرأة وقول الحق والإخلاص لله ودينه الحنيف، فكانوا نجوماً وضاءة ومشاعر هداية تهتدي بها الأجيال.

ولقد أظهر العلماء الصادقون عبر التاريخ مواقف تبيّن عزة الإسلام وعظمته غير هيابين ولا خائفين من بطش وسطوة الحاكم، لا يبتغون من ذلك سوى مرضاة الله عزّ وجل، وتأدية الأمانة التي كلفهم الله بها مطبقين قول الله عز وجل: ((إنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ)) [البقرة 159] ومطبقين قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام الحسين بن علي رضي الله عنه قال: ((من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله ناكرناً لعهد الله مخالفاً سنة رسول الله صلى الله علية وسلم يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان فلم يغير بقول ولا فعل كان حقاً على الله أن يدخله مدخله)).


ولقد وقف علماء الأمة الأخيار مواقف بطولة وشجاعة وصبر وإقدام ولم يخافوا في الله لومة لائم بدءاً من الصحابة والتابعين وتابعيهم ومن جاء من بعدهم كالإمام أحمد بن حنبل الذي وقف في وجه محنة خلق القرآن والتي ابتدأت من خلافة المأمون والمعتصم والواثق إلى أن انتهت في عهد المتوكل وقد لاقى خلالها من السجن والعذاب مالا يُطاق، وفي ختام محنته قال عبارته المشهورة: (إذا أجاب العالم تقيةً، والجاهلُ بجهل فمتى يتبين الحق؟)، ثم شيخ الإسلام ابن تيمية في وجه التتار، ومن ثَمَّ العزّ بن عبد السلام الذي سُمي بسلطان العلماء، ومواقفه مع الحكام والمماليك مشهودة وهكذا تتابعت قوافل العلماء العاملين الصادقين، ليكونوا حجة على العلماء غير العاملين الذين رضوا لأنفسهم طريق الذل والخنوع والكسل والنفاق للحاكم الظالم المتجبر المتكبر.

أقول في هذا الوقت الذي اندلعت فيه الثورة السورية المباركة ليعبر الشعب من خلالها عن حريته وكرامته بعد أن أذاقه النظام الطائفي عبر ما يقارب نصف القرن كل أنواع الظلم والقتل والسجن والإذلال ولا يزال الدم السوري ينزف وينزف حتى اللحظة في هذه المحنة العصيبة برز على الساحة علماء هتفوا باسم الحاكم وبرّروا له إجرامه.

وأنا أشير في هذا المقال إلى أولئك الذين تسموا بالعلماء ولكنهم للأسف علماء السلطة وأزلامها، من أمثال الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي وأحمد حسون وغيرهم.

يا من بعتم دينكم بدنياكم، ورضيتم أن تركنوا إلى الذين ظلموا وأفتيتم لأولئك المجرمين والطغاة الفتاوى التي تُحِلّ لهم وتُحَرم عليهم، فجعلتم أولئك الطغاة والقتلة الكافرين في جنان الله كحافظ أسد وابنه باسل، وأنهم صوامون قوامون كثيروا اللجوء إلى الله، في حين أعلنتم الحرب على الشباب المسلم الطاهر وعددتموهم من المفسدين في الأرض، وأنّهم لا يعرفون الركوع والسجود.

وأنا أشهد أمام الله سبحانه وتعالى والله يعلم ما نطق به البوطي عندما مات المقبور حافظ الأسد وفي حفل التأبين الذي حضره البوطي والقاتل بشار، خاطب البوطي للأسف دكتور (قلع العيون) بشار بقوله والكلام حرفياً للبوطي (ماذا أقول والأسى يملؤني من مفرق رأسي إلى أخمص قدمي) ثم خاطبه بقوله: (لقد كان والدك يا سيادة الرئيس كثير اللجوء إلى الله، وعندما جئت إليه معزّياً في أخيك الباسل وقلت له: أليس الله لكاف عبده فهز رأسه وقال بلى).

لقد تألى على الله في موضع آخر بأن المقبور باسل في الفردوس الأعلى، كلمة أنكرها النبي صلى الله عليه وسلم على امرأة عند ما قالت لعثمان بن مظعون وقت وفاته رضي الله عنه وهو أخ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاع: ( هنيئاً لك إن الله قد غفر لك) فقال لها النبي: (وما أدراك أن الله قد غفر له).

ويأتي الدكتور البوطي ليتألى على الله ويشهد للقتلة والمجرمين بشهادات ترفعهم إلى مرتبة الصديقين والصالحين، أما الآن فإنه يحرّم خروج المظاهرات وخروج الناس للمطالبة بحريتهم وكرامتهم، ويعدّ ذلك من باب الفتنة، وحرمتها ‑أي المظاهرات‑  تأتي من (باب سد الذرائع) كما يقول، بل إنه لما سئل عن إجبار المعتقلين على السجود للطاغية بشار، لم يحرم ذلك، ولم يتلفظ بما يفيد التحريم، بل ذهب ليلقي باللوم على المتظاهرين الذين جعلوا من أنفسهم سبباً لذلك.

أما أنت يا أحمد حسون - لا أحسن الله لك‑ يا من بلغ بك التزلف والنفاق لآل الأسد حداً يعجز الوصف عنه، ووقفت مع عقيدة الروافض، ونلت من الصحابة ومن مواقف أهل السنة ما لا يتسع المقام لذكره.

يا علماء السلطان أين عقلكم وسمعكم وبصركم مما جرى ويجري في سوريا يا علماء السوء؟! أما سمعتم بشتم الله ورسوله جهاراً نهارا؟! أما سمعتم بمنع الصلاة في الجيش؟! أما سمعتم بقتل وسجن الآلاف من المسلمين على أيدي النظام؟! أما بلغكم ما جرى لمدينة حماة وغيرها من تدمير وقتل وتشريد لأهلها في عام اثنين وثمانين وتسعمئة وألف؟! أما همس في أذنكم أحد لما حدث للفلسطينيين وأهل السنة في لبنان؟! أما سمعتم عن هتك واغتصاب الحرائر وتمزيق القرآن وإهانته بالدوس عليه من قبل المارقين من أزلام النظام؟! الم تروا مساجد الله تُحرق وتُهدم؟! أما رأيتم وسمعتم ما يتعرض له الشعب السوريّ المسكين المظلوم من قرابة خمسين سنة، يقول الشاعر:
إن كنت لا تدري فتلك مصيبة


وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم

  نعم والله إنكم لتعلمون وتسمعون بكل ما جرى للشعب السوري المسلم على أيدي هؤلاء الكفرة المارقين.

إنه الظلم والاعتداء على شرع الله يا بوطي ويا حسون ويا علماء البلاط، إنكم شياطين خُرس، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( الساكت عن الحق شيطان أخرس) فماذا ستقولون لله غداً أيّها العلماء؟! يا من زينتم للقاتل فعلته، وللمجرم قتله للناس بغير حقّ، ألا فلتنتظروا ولينتظر معكم هؤلاء يوماً تتحقق فيه دعوة المظلومين، فينتصر الله سبحانه وتعالى لهم في محكمة العدل الإلهية التي يكون قاضيها رب العالمين، وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق