الأديب
الإسلامي في أي أرض إسلامية يجب أن يكون مسلما ملتزما بالإسلام قولا وعملا،
منفعلا معه ، ويدور حيث دار ، يعيش من أجله وينخرط في أجوائه ، ويسعى لاستعادة
أمجاد الأمة سعيا مستديما لامؤقتا ونابعا من أعماقه لامفروضا عليه ، يقول د.
نجيب الكيلاني وهو من أوائل المنظِّرين للأدب الإسلامي :" الأدب الإسلامي
لايمكن أن يصدر إلا عن ذات نعمت باليقين ، وتشبعت بمنهج الله ، ونهلت من ينابيع
العقيدة الصافية ومن ثَمَّ أفرزت أدبا صادقا وعبرت عن التزامها الذاتي الداخلي
دونما قهر أو إرغام([1])
".
ولكن بعض أعضاء الرابطة كعبد العزيز الرفاعي يرون أن هذا التعريف ضيَّق
على الشعراء وسيؤدي إلى خسران إبداعات كثيرة واكتفى بأن يكون الشاعر مسلما لايعادي
الإسلام في قول أو عمل، ولم يتخذ قلمه أو فكره معولا هداما لأسس إسلامية ثابتة بأي
شكل من الأشكال([2])
.
يقول د.
عثمان مكانسي([3])
في وصف الأديب الإسلامي الملتزم بالإسلام، الذي حيي قلبه بحب ربه وشرعه، وعاهد
الله أن يسخر قلمه للفضيلة والخير :
أنا من أنا ؟ عنوان شعر هادف أحيا فؤادي فاستنار دليلي
قلبي يهيــم بشرع طـــه طاهرا ويرى الحياة بمُـــحكم التنزيـــــــــــــل
أنا مسلم عاهدت ربي أن يكو ن الشعر إنشادا لكل جميل
إني من الشعراء جاء مقالهـــــــم كفِعـــــــــالهم قد صح في الترتيل
ثبتٌ مبادئُهـــــم فما من هائم يسبي الغواة ولا أخي تضليـــــــــــل
بـــل حبُّهــــــــــم لله أكبـــر دافع لســـــداد فكــــــــر محكَــــــــم وأثيــــــــــل([4])
1-
النص
الإسلامي :
للنص
الإسلامي شروطه أيضا، وقد قسمت الرابطة النصوص إلى إسلامي ومحايد وثالث موافق
ورابع مضاد :
أ- فالنص الإسلامي
:
ماصدر في مضمونه عن مسلم ملتزم
بالإسلام في نظرته إلى الكون والإنسان والحياة على مختلف الأصعدة الفكرية
والاجتماعية والسياسية، وكان حريصا على إقامة التوازن بين المادة والروح ،
والإيمان والعقل ، والدنيا والآخرة ، والفرد والمجتمع ، والمتعة والانضباط،
والثبات والتطور، وكان لايحمل أحقادا أو نعرات مناوئة للإسلام، ولم يكن فيه
مايخالفه، يقول الشاعر مقبل عبد العزيز العيسى :
أي حرف ضم
فكرا واعيـــــــــــــا لم أتوِّجــــــه
بتقبيـــــــــل جبيــــــــــــــــن
مااجْتَويْتُ
الفكر حـــرا واعيـا ضاق من جهل ومن قيد
مهين([5])
غير أني أجتوي
الفكر الذي يستقي من غربه .. من
تزعمين
الرؤى منه غيـــــــــوم
كالدجى تبتغــــــــي نسف تراثـــــــــي
كل حين
كل فكــــــــــر
أرتجيـــــــــــــه لغـــد غير فكر
صيغ من حقد دفين([6])
فالشاعر يعجب بالفكر الواعي الذي يضيق ذرعا
بالجهل والظلم، ويمقت الفكر المعادي للإسلام المستمد من ظلمات الغرب الحاقد .
وإذا كان الحداثيون قد رفضوا كل قديم فإن
الأدب الإسلامي لايعادي كل جديد ، كما أنه لايرى
كل جديد محمودا، بل يقف موقفا وسطا ، فالثوابت لااجتهاد معها، والانفتاح
على الآخر يجب أن يكون بوعي ، والتجديد حرية وقيد ، وكل حرية لها قيود وضوابط([7])،
وقد دعا د. محمد رجب البيومي إلى أن يلغى من التراث كل مجون وفحش كالذي في
كتاب الأغاني للأصفهاني الذي تتبع سقطات الشعراء ونشرها فأفسد النظرة إلى الأدب
ولكن د. طه حسين حال دون ذلك([8])
.
أما من حيث الشكل الفني فإن تعريف
الأدب الإسلامي اهتم بفنية النص، فهو" تعبير فني هادف"
وكل نص لاجمال
فيه لايعد من الأدب في شيء، ولايبرر للأديب مضمونه الجميل إن كان نصه ركيك
الأسلوب،إذ لا تفريط في أحد عنصري الأدب" الفني الهادف "، يقول الشاعر
عبد الولي الشميري([9]):
الشعـــر فيض
خيال فيه عاطفة يمليه شجو وأفراح
وأحزان
والشعــــر
معنى وإبداع وقافية ووثبة اللغة الفصحى
وأوزان
وما سواه فلا شعر ولا أدب متى تساوى أدونيسٌ وحسان؟([10])
فالشاعر حدد متطلبات الشعر وهي العاطفة
المنفعلة، والمعنى الممتزج بالعواطف، والأخيلة، واللغة المشرقة، والموسيقا العذبة
كما في شعر حسان بن ثابت ، وإلا فلا، ولايمكن أن نعد ماقاله أدونيس شعرا لأنه خالف
قواعد اللغة الفصحى، بل دعا هو وأمثاله من الحداثيين إلى التخلي عنها وتحطيم
قواعدها مع أنها لغة القرآن الكريم والحديث النبوي وقد حملت الدين والتراث، وعلى
الأديب المسلم أن يلتزمها ولا يقبل منه الانزياح عنها كما فعل الشاعر أحمد مطر في
قوله :
الدرج الحالي بزيزفون
والفوقه تعرش ياسمينة
للحلوة التخطر كالظنون([11])
فالشاعر أدخل ال التعريف على الفعل تخطر وعلى
الظرف فوقه مع أنه عرفه أيضا بالضمير .
ولهذا دعا الأدباء الإسلاميون إلى فصاحة النص
الأدبي لكن من غيرما تكلف، قال الشاعر عمر بهاء
ليس شعري لفظا
وسبكا وجرسا بل شعورا فيه التعابير
تغرق
أنا لاأعرف
التصنع في شعري فشعري سجيتي حين تطلق
كلما عاقني عــــن
الخير شر أرغد السخط في كلامي وأبرق
كلمــا راقني جمــــــال بديــــــــــــع لمع الحُســـــــــن في بياني وأشرق([13])
وقد أعجب بعض
الشعراء الإسلاميين بالرمز الشاف لاالغامض المبهم، فقال الشاعر أحمد محمد الصديق([14])
:
أعتنق النور الذي يشدني إلى السماء
وأجتلي حقائق الوجود
في برزخ يموج بالضياء
مضمخ بالعطر .. والجمال .. والبهاء ..
يغمسني في جنة الطيوب
الروح من عقالها
كنفحة الأريج تنتقل
وترتقي في سلم الخلود
كطائر يعرج في صعود([15])
فالشاعر اتخذ من رمز النور تعبيرا عن الهدى
الذي تفوح روائحه العطرة، وجعل صاحبه من أهل الجنان، حين تنطلق روحه من عقالها،
وتصعد إلى السماء لتخلد في عالم البرزخ النير .
وللموسيقا الشعرية جاذبيتها وسحرها ، ويشترط
بعض النقاد الإسلاميين كالدكتور عدنان النحوي أن يلتزم الشعر العروض
التقليدي ولا يقبل عنه بديلا، وهو يرى في شعر التفعيلة وفيما سمي بقصيدة النثر
تفلتا جاء به الحداثيون للقضاء على اللغة([16])
، بينما قبل الشاعر د. عماد الدين خليل ود. وليد قصاب وأحمد محمد الصديق وناجي
صبحة وكثيرون شعر التفعيلة، ورفض د. النحوي قصيدة النثر لعلاقتها بالحداثة
ولأن فيها تداخل الأجناس الأدبية، ودافع د.عبد المنعم يوسف([17])
عن الأخيرة في مؤتمر لرابطة الأدب الإسلامي بالقاهرة في 1424هـ/ 2003م لأن التصور
الإسلامي لايعارضها([18])
.
وينأى الأدب الإسلامي عن المصطلحات الغربية
المتعددة المشارب والمصادر لعلاقة هذه المصطلحات بفلسفة الغرب لأن المصطلح ليس
مفردة فحسب بل هو مكتنز بدلالات لها معان متعددة يحار الدارس بينها مما يؤثر على
فهم النص، فالواقعية عند الفلاسفة غيرها عند الساسة، ولأن في لغتنا بدائل ولنا من
غناها مايساعدنا على الاشتقاق واستحداث ألفاظ حضارية جديدة، وقد أدخل العرب
الأوائل إلى العربية ماأخضعوه للنظام اللغوي العربي فكان ضمن تراكيبهم ، وبهذا
النظام نمنع إدخال مايخالف قواعد النحو والصرف العربية مما يشوه جمال لغتنا من
أمثال مصطلح الزمْكانية، ويُمَشْكل، ويساوق ... ([19])
[2] - مجلة الأدب الإسلامي عدد خاص عن عبد العزيز
الرفاعي م14 ع54 ربيع الأول 1428هـ 2007م،عبد العزيز الرفاعي ، الأديب المسلم بين
الالتزام والإبداع / 77
[3] - د. عثمان قدري مكانسي شاعر سوري من حلب
ولد1366هـ/ 1947م، له دواوين ومؤلفات منها نبضات قلب ، ووميض قلب، ومجموعة قصصية :
معجم الأدباء الإسلاميين 2/ 838
[4] - من رسالة للشاعر في 2010م
[5] - اجتويت البلد : كرهت المقام فيه : لسان العرب
مادة جوي
[6] - مجلة الأدب الإسلامي م1 ع4 ربيع الثاني 1415هـ
إيلول –ت2 س1994م، مقبل عبد العزيز العيسى، النبع الهجين / 79
[7] - الأدب الإسلامي / 115
[8][8][8] - مجلة الأدب الإسلامي ع2 س2 ، 1415هـ 1995م د.
محمد رجب البيومي، ظاهرة الأدب المكشوف في كتب التراث /28
[9] - د. عبد الولي الشميري شاعر يمني من تعز ولد
1956م له مؤلفات وديوان أوتار : معجم الأدباء الإسلاميين 2/833
[10] -مجلة الأدب الإسلامي م10ع37س1424هـ2003م ، محمد
عبد الشافي في حوار مع الدبلوماسي اليمني الشاعر عبد الولي الشميري : الأدب
الإسلامي جاء ردا على موجة التغريب العاتية / 20
[12] - عمر بهاء الدين الأميري (1915-1992م) شاعر من
حلب بسورياأسس حركة سوريا الحرة في 1953م ، له دواوين كثيرة منها مع الله ونجاوى
محمدية وحجارة من سجيل : معجم الأدباء الإسلاميين 2/ 922
[14] - أحمد محمد الصديق شاعر من عكا بفلسطين ولد
1941م ، له دواوين كثيرة منها الإيمان والتحدي وقادمون مع الفجر ، وله أناشيد
الطفل المسلم ، وقصائد للفتاة المسلمة : معجم الأدباء الإسلاميين 1/ 156، ومعجم
شعراء الطفولة / 56
[15] - قادمون مع الفجر / 103
[16] - مجلة الأدب الإسلامي ع69 س1432هـ 2011م، بوبكر
عبد الحليم ، قراءة في كتاب الشعر المتفلت بين النثر والتفعيلة وخطره ، تأليف د.
عدنان علي رضا النحوي / 59
[17] - د. عبد المنعم عواد يوسف ولد في القليوبية
بمصر 1933م، له أناشيد للأطفال في ديوانه عيون الفجر: معجم شعراء الطفولة /220
[18] - مجلة الأدب الإسلامي ع 45 1426هـ 2006م حوار
مع شمس الدين درمش ، قصيدة النثر من منظور إسلامي / 44-48
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق