الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2013-05-28

كيف أغنى نظام الأسد قاموس اللغة العربية وأضاف إليه المعاني (الباطنية) – بقلم: طريف يوسف آغا


لم تعرف سورية في العصر الحديث (باطنية) في استعمال اللغة العربية كما عرفتها في عهد (الأسد الأب) ومن بعده (الابن). فرأينا كيف كانت كافة الخطط والمشاريع تنحرف عن مساراتها وكافة الشعارات تفرغ من محتوياتها، وكافة التسميات تعني عكس معانيها. ليس هناك مايدعو للعجب في هذا، فالأب والابن أتيا من إحدى الطوائف التي تصنف مع الفرق الباطنية، ولكن مايدعو للعجب حقاً هو كيف استطاعا خديعة الشعب السوري والعربي لأكثر من أربعة عقود؟ طبعاً الجواب ليس صعباً، فشريحة كبيرة من السوريين كانت تعرف حقيقة ذلك النظام ولكنها لاتجرؤ على التحدث بها، في حين أن الباقي كانوا مخدوعين بالفعل بالشعارات الطنانة التي يرفعها ذلك النظام والتي كان في الحقيقة ينفذ عكسها على أرض الواقع، فتعالوا لنستعرض أهمها.


الحركة التصحيحية: أطلق (الأسد الأب) هذا الاسم على الانقلاب العسكري الذي أوصله إلى الحكم عام 1970، للاشارة إلى أن الغاية منه كانت (تصحيح) مسار حزب البعث الذي ينتمي إليه والذي انحرف عن خطه الصحيح قبل ذلك حسب زعمه، وهو الانقلاب الذي انقلب به على شريكه الطائفي الآخر (صلاح جديد). فقد كان قد تآمر قبل هذا مع ذلك الشريك عام 1966 لتنفيذ انقلاب عسكري أودى بالقيادة التاريخية للحزب المذكور والمتمثلة بمؤسسيه الأصليين (ميشيل عفلق وصلاح البيطار) اللذين هربا بعدها إلى العراق. السؤال هنا كيف تقوم بتصحح مسار حزب كان تحت قيادة مؤسسيه؟ وكيف يمكن لأحد أن يدعي بأنه أكثر (بعثية) ممن وضع أسس (البعث)؟ وللعلم هنا فأنا لست ولم أكن في يوم بعثياً ولامنتسباً لأي حزب سياسي آخر، وأبغض الأحزاب السياسية (أشة لفة) لأنها تقول مالاتفعل، وحين تفشل لاتقر بفشلها، بل تصفه بالانتصار. إذاً كان (المعنى الباطني) لحركة (الأسد الأب) هو التخلص من القيادة التاريخية  اليسارية الغير علوية (البيطار- عفلق) للحزب واستبدالها بقيادة وكوادر (علوية) يمينية لتحقيق مشروع (الدولة العلوية) الذي تم وضعه مع فرنسا وانكلترا. حيث أنيطت بفرنسا مهمة تحقيق ذلك المشروع في حين أنيطت بانكلترا مهمة تحقيق مشروع (الدولة اليهودية)، لتكون الدولتان سنداً لبعضهما بين أمواج المحيط السني من حولهما.

حرب تشرين التحريرية: لم يعد خافياً على أحد كيف أهدى (الأسد الأب) الجولان لاسرائيل في حرب حزيران 1967 حين كان وزيراً للدفاع مقابل مباركتها وصوله إلى الحكم. وقد كان الرجل بحاجة لحركة مسرحية (عنترية) ليخدع بها الشعب السوري وبقية الشعوب العربية ولتكون له بمثابة الحجة الشرعية للاحتفاظ بالحكم (إلى ولد الولد). وقد ذكرت رئيسة وزراء إسرائيل الراحلة (غولدا مائير) في كتاب  (التقصير) الذي وضعته بعد (حرب تشرين) تلك أن الجيش السوري كان يتقدم على خطوط الجبهة دون تأمين المواقع التي احتلها، وكأن الأوامر التي كانت معه هي (التقدم السريع) بهدف (الانسحاب السريع) وليس بهدف التحرير، وهذا مابدأ يحصل فعلاً بعد اليوم الثالث للحرب. إذاً فالمعنى (الباطني) لتلك الحرب لم يكن (التحرير) بأي مقياس وإنما كان (التلميع) لصورة الديكتاتور أمام الناس.

سرايا الدفاع: قام (الأسد الأب) بالترتيب مع أخيه الأصغر بانشاء ميليشيا مسلحة كانت المهمة المعلنة لها هي حماية المطارات العسكرية. ولكن لم ينتظر السوريون طويلاً ليكتشفوا أن المهمة الحقيقية لها هي الدفاع عن العصابة الحاكمة حصراً وبث الرعب بين أفراد الشعب بحيث لايفكر بالتمرد على النظام أو معارضته. وقد افتتحت هذه الميليشا مهامها بتنفيذ مجزرة (سجن تدمر) عام 1980 حين فتحت الرصاص على المساجين العزل في زنزاناتهم لتقتل أكثر من خمسمئة.
كما شاركت بعد ذلك في تنفيذ مجزرة (حماة) عام 1982 والتي راح ضحيتها أكثر من خمسين ألف مدني. فالمعنى (الباطني) لكلمة (الدفاع) هنا هو الدفاع عن النظام حصراً، لا عن غيره.

تحقيق التوازن الاستراتيجي: ما أن وقع (أنور السادات) معاهدة (كامب ديفيد) مع إسرائيل، حتى رفع صاحبنا شعار (التوازن الاستراتيجي) مع العدو، بمعنى أنه سيحقق توازناً عسكرياً مع إسرائيل بلا مصر. وقد دعا في سبيل ذلك لتشكيل ماسماه حينها (جبهة الصمود والتصدي). طبعاً كلها أسماء وشعارات براقة وطنانة، ولكن ثبت فيما بعد أن الهدف (الباطني) لذلك كان تحقيق هيمنته وهيمنة طائفته الكاملة على الحكم بالتوازي مع التضييق على السوريين أكثر وأكثر ومطالبتهم ببذل المزيد من (التضحيات) بحجة المسيرة (الطويلة) لتحقيق تلك الأهداف الوطنية.

الحرب على الارهاب: وقد استعمل (الأسد الأب) ومن بعده (الابن) هذه العبارة كلما لمسا تهديداً حقيقياً لنظام الحكم. فالمعنى (الباطني) لها هو (الحرب على الشعب) حتى لايتمكن من إزاحة الحكم المافيوي الذي ابتلي به وجثم على صدره لعشرات السنين. وطالما تظاهر المجتمع الدولي، وخاصة الغرب، بأنه يصدق هذه المقولة (كرمال عين) ربيبته إسرائيل التي وجدت في دولة الأسد العلوية (عدواً أفضل من ألف صديق).

المقاومة والممانعة: وهو شعار أسس له الأب ثم ورثه الابن مع بقية ماورثة من مزرعة أبيه، وهو يعني ظاهرياً مقاومة إسرائيل وممانعة مشروعها الصهيوني في المنطقة. المعنى الباطني لذلك الشعار كان العكس، كبقية الشعارات. فهو كان يعني الالتزام (بمنع أي مقاومة) حقيقية ضد إسرائيل، ولذلك ساعدها في إخراج منظمة التحرير من لبنان عام 1982، ويعني من جهة ثانية أيضاً (ممانعة تحرير مرتفعات الجولان)، ولهذا نراها حتى اليوم بيد العدو الاسرائيلي. وقد ركب معه هذه الموجة أيضاً حزب الله اللبناني والذي لايحمل من لبنانيته سوى اسمه، كونه ليس سوى فرقة إيرانية تعمل على الأرض اللبنانية لصالح المشروع الشيعي الصفوي الذي لم يعد يخفى على أحد.

الأمن والأمان: طالما تباهى النظام الأسدي بتوفيره (الأمن والأمان) في سورية على مدى أربعة عقود، وتجد الكثير ممن يسمون أنفسهم مفكرين يعترفون له بذلك. طبعاً (الأمن والأمان) الذي وفره ذلك النظام للسوريين يشبه إلى حد بعيد ذلك المتوفر في المقابر، فالأموات غير قادرين تعكير أي أمن أو أمان، والمجازر التي ارتكبها حتى قبل نشوب الثورة السورية لأكبر دليل على ذلك. ولكن، وإذا أردنا أن ننصف النظام، وإذا بحثنا عن المعنى الباطني لشعاره، سنجد بأنه فعلاً وفر (الأمن والأمان) طوال وجوده في السلطة، ليس للشعب ولكن للعدو ومحتل الأرض: إسرائيل.

     إذا أردت استعراض كافة المقولات والشعارات التي رفعها نظام الأسد على مدى الأربعين سنة الماضية، واستعراض معانيها الحقيقية (الباطنية)، لاحتجت لكتب وربما مجلدات، وهو باختصار نظام ينطبق عليه المثل الشائع (أسمع كلامك، يعجبني. أشوف أعمالك، أتعجب).       
***
بقلم: طريف يوسف آغا
كاتب وشاعر عربي سوري مغترب
عضو رابطة كتاب الثورة السورية
الاثنين 17 رجب 1434،  27 أيار، مايس 2013
هيوستن / تكساس


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق