كان وراء نشأة أول تعليم حديث
للفتاة، أنشأ جمعية "العروة الوثقى" وعن طريقها أشاع الثقافة والأدب، وطرده
الإنكليز مع زميله عمر يحيى فكان يوماً مشهوداً في البحرين.
لقد اجتمعت في شخصية المربي عثمان
الحوراني مزايا عدة منها: روح الثورة والنضال ضد الاستعمار، بالإضافة لإيمانه
العميق بالدعوة للوحدة العربية، والعناية بتربية النشء الجديد على حب الوطن والأمة
العربية، والتحلي بالأخلاق الرفيعة، فكان مدرساً مثالياً، يغرس حب الوطنية في صدور
طلابه مع كل درس.
لقي في حياته النفي والتشرد بسبب
موقفه المعادي للاستعمار والنضال في سبيل وطنه وأمته العربية، فلنلق نظرة سريعة
على حياة هذا المربي المناضل:
ولد عثمان بن محمد الحوراني عام
1898م بمدينة حماة، وقد تلقى علومه الأولية في حلقات المساجد والكتاتيب، ثم انتسب
إلى مدرسة "السلطاني" وكانت هذه المدرسة تعادل مدرسة التجهيز، بقسميها
الإعدادي والثانوي، كما تلقى علومه العالية في الكلية الصلاحية في القدس، وفي كلية
الآداب بدمشق.
مارس التدريس في "دار العلم
والتربية" إثر إنشائها سنة 1919م مع زميله الأستاذ عمر يحيى، وعميد الدار
الدكتور الشهيد صالح قنباز. بالإضافة لممارسته التدريس في عدة أقطار عربية، تارة
مدرساً وطوراً مفتشاً وحيناً مديراً للمعارف -كما كانت تسمى- في محافظة السويداء،
وحماة وهو من مؤسسي وأصدقاء الرابطة الثقافية الحموية أو "النادي الأدبي"
سنة 1922م، وكان هدف هذا النادي وطنياً وثورياً، فكان يغذي المواطنين بمبادئ
القومية العربية، ويبث فيهم عزيمة مقاومة الاستعمار الفرنسي، لذا قامت السلطات
الفرنسية بإغلاقه عقب الثورة السورية عام 1925م، وكان سنه آنذاك 25/10/1925 قد
تجاوز السادسة والعشرين وكان أحد رجالها، ولما قضي على هذه الثورة اضطر الحوراني
للجوء إلى العراق مع بعض إخوانه، وفي بغداد تولى إدارة المدرسة الكاظمية، وانتقل
بعد ذلك إلى البحرين، وكان قد سبقه إليها زميلاه الشاعر عمر يحيى من حماة وزكريا
البيات من دمشق، وفي البحرين تولى التدريس في إحدى مدارس بلدة "المحرق"
ثم رُفّع إلى منصب مدير للمعارف، وافتتح هناك أول مدرسة للبنات في البحرين وعمل
على إيفاد بعثات تعليمية إلى الخارج، ومن البحرين انتقل إلى الهند.
عاد المربي عثمان الحوراني بعد هذه
الغربة الطويلة إلى دمشق عام 1930 وتولى تدريس مادة التاريخ في الكلية العلمية
الوطنية عام 1937، وفي عام 1941 التحق بثورة رشيد عالي الكيلاني التي نشبت في
العراق، ليس له مؤلفات وإنما له مجموعة من الخطب والمقالات والمحاضرات نشرها في
الجرائد والمجلات.
-
لقي عثمان الحوراني وجه ربه في
الثالث عشر من حزيران عام 1958 وكان يوماً حزيناً بمدينة حماة، أغلقت فيه المدارس
لوداع هذا الرجل الوطني الصادق، تاركاً في نفوس كل من عرفه، أطيب أثر وأحسن سيرة.
-
كان المربي عثمان الحوراني شديد
العطف على الفقراء، وقد أنشأ مع المجاهد سعيد العاص ومع بعض أصحابهما، ملجأً
للأيتام، يكفل لهم التعليم والتربية والمأوى والنفقات.
قال عنه أديب البحرين الأستاذ
مبارك الخاطر وعن رفيقيه:
عثمان الحوراني: ... يحتّم علينا
التسلسل التاريخي في تقديم نماذج من بواكير العلاقة الثقافية والأدبية بين بلاد
الشام والخليج العربي أن لا نغادر عشرينات القرن العشرين دون إعطاء نموذج مهم في
تفعيل تلك العلاقة... فبحلول عام 1926م تبدأ مرحلة جديدة ووطيدة في إثرائها بوصول
أول دفعة من الإخوة المعلمين العرب إلى الخليج ، كانت تلك الدفعة سورية تتألف من
الأساتذة والأدباء والشعراء وهم: عثمان الحوراني، وعمر يحيى، ومحمد الفراتي،
وزكريا البيات، وسيد محمد عبد الهادي، وفريد عفيفي...
وقد شكل الثلاثة الأوائل منهم
تميزاً نضالياً في الثورة السورية ضد الاحتلال الفرنسي حيث اضطروا لترك سورية إلى
العراق ومنه إلى البحرين. وحين حلوا كمعلمين في مدينة المحرق أخذوا يمارسون نشاطهم
الثقافي والأدبي والاجتماعي داخل إطار التعليم وخارجه، حتى أصبح تأثيرهم الفكري
والتربوي والسياسي والثقافي في مجتمع البحرين ذا وزن كبير، وقد أصبح الأستاذ عثمان
الحوراني مديراً لمدرسة الهداية بالمحرق، ثم مديراً لمعارف البحرين عام 1928م، وظل
يعمل في تطوير التعليم منها بهمة ونشاط ولم يخرج منها مطروداً من الإنجليز إلا
وكانت إنجازاته التعليمية والثقافية ملء السمع والبصر... وكان من أهمها: ارسال أول
بعثة خليجية رسمية عام 1928م إلى جامعة بيروت الأمريكية، كما أنشأ جمعية العروة
الوثقى وعن طريقها أشاع الثقافة والأدب، كما طوّر المسرح المدرسي فعرضت عدة
مسرحيات في المسرح التاريخي، وكان المربي عثمان الحوراني وراء نشأة أول تعليم حديث
للفتاة في البحرين عام 1928م... بالإضافة لتأسيسه النادي الخليفي الرياضي عام
1928م.
لقد أصبح عثمان الحوراني، وعمر
يحيى، ومحمد الفراتي في ضمير التراث الوطني البحريني، وكان تسفير الحوراني وعمر
يحيى من البحرين يوماً مشهوداً، فقد أغلقت المتاجر والمدارس وطاف المتظاهرون
بالشوارع يعلنون رفضهم لنفي هؤلاء من البلاد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق