جلس على سرير الملك من بعد زيادة الله ابن أخيه
أبو الغرانيق محمد الثاني، وكان لين العريكة، طيب السريرة، سخي الكف في العطاء
والبزخ. ومما يحكى عنه في ذلك أنه ابتنى قصراً لصيد الغرانيق التي شغف بصيدها،
أنفق على بنائه نحو ثلاثين ألف دينار. إلا أن أبا الغرانيق كان مولعا بالغزو
والفتح أيضاً. فقد أمر خفاجة عامله على صقلية بغزو إيطاليا، فغزاها مرتين
متواليتين وحقق انتصارات كبيرة.
كذلك غزا أبو الغرانيق جزيرة (مالطة) ففتحها
وضمها إلى ملكه، وأمر عامله على صقلية بمتابعة الغزو في جنوب إيطاليا، فغزاها وحقق
انتصارات على الروم باهرة.
واستمر أبو الغرانيق في يقظته وهمته في الغزو
وإعداد المعدات وتجهيز الجنود وبناء المحارس والحصون على سواحل دولته المترامية
الأطراف في إفريقية وإيطاليا، وتدبير شؤون دولته بكل مهارة إلى أن توفي في السادس
من جمادى الأولى سنة (261هـ/875م) بعد أن حكم البلاد عشر سنين وخمسة أشهر ونصف.
وكان أبو الغرانيق قد عهد بالحكم لابنه أبي
عقال قبل موته، ولصغر سنه أناب عنه أخاه إبراهيم وشرط عليه ألا ينازعه في الملك
عند بلوغه سن الرشد.
وبعد موت أبي الغرانيق تقدم فقهاء القيروان إلى
إبراهيم يلحون عليه بعقد البيعة له دون ابن أخيه الطفل الصغير. وبعد إلحاح شديد
قبل إبراهيم بيعة أهل القيروان له ملكاً على إفريقية.
ولم يكن إبراهيم دون أسلافه، فقد تميز عهده
بالاهتمام بالعمارة وتشييد المباني العظيمة، فقد شرع سنة (264هـ/877م) في بناء
مدينة رقادة وأتم تخطيطها وبناء قصر الفتح سنة (265هـ/878م) وانتقل إليها مع
حاشيته وخواصه.
وبدأ عهد إبراهيم بعد انتقاله إلى رقادة في
الاهتزاز والاختراقات، فقد حدثت مصادمات دامية بين المتنافسين على ولاية جزيرة
صقلية، وكرَّ الروم بأساطيلهم على السواحل الإفريقية محققين الانتصارات على جنود
الأغالبة ومراكبهم، وأخذوا السبايا والأسرى وغنموا الأموال.
كما أقدم العباس بن أحمد بن طولون على غزو
إفريقية من مصر، ولكن جيش إبراهيم تمكن من هزيمته، فعاد إلى مصر ليقبض عليه أبوه
ويسجنه، فيموت أحمد بن طولون ويقتل خمارويه أخاه العباس لرفضه مبايعته.
وفي سنة (270هـ/883م) قام البيزنطيون بمهاجمة
صقلية - مستغلين أحوال الدولة الأغلبية - فاستولوا على (سبرية) وأخرجوا المسلمين
منها. وفي سنة (273هـ/886م) خرج أهل بلرم على واليها، واجتمعوا على ابن إبراهيم
أبي العباس فولوه عليهم.
وفي سنة (270هـ/883م) هاجم المسلمون البلاد
الإيطالية، متعقبين الروم وأخرجوهم من كثير من المدن التي كانت قد وقعت بأيديهم.
قبل متابعة أخبار إبراهيم لا بد لنا من وقفة
أمام الخطوة التي امتلكها فقهاء القيروان عند الأغالبة وما هو تفسير ذلك ؟
لقد اتضح لنا من خلال ما اطلعنا عليه من كتب
التاريخ وكتب التراجم أن قوة الفقهاء كانت مستمدة من ولاء الجماهير لها، ومن هنا
كان لابد للأمراء - إذا أرادوا استقرار حكمهم - من التقرب إلى الفقهاء والعلماء
والزهاد وكسب ودهم، وكانت دولة الأغالبة في إفريقية امتداداً للدولة العباسية في
بغداد وتبعاً لسياستها. وبالتالي فإن تبني بغداد للمذهب المعتزلي واعتباره مذهب
الدولة.
يتبع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق