يمكننا أن نلاحظ بوضوح، أن المؤسسين
والمحركين الأساسيين للجنة العسكرية هم (محمد عمران وصلاح جديد وحافظ الأسد)، وهؤلاء
لم يحتلوا بادئ الأمر واجهة المسرح السياسي. بل استمروا في متابعة لعبتهم من وراء الكواليس،
وسعوا تدريجياً لتثبيت مواقعهم داخل القوة الحقيقية الوحيدة في البلاد (الجيش).
في هذه الظروف الداخلية والعربية..
وجدت حركة البعث نفسها في مواجهة صريحة مع النظام الناصري. ولقد فرض عليها أن تدخل
مع الناصرية بمجملها، في معركة مفتوحة كان مسرحها دمشق. فقد كان هدف القاهرة الأساسي..
هو عودة الوحدة السورية-المصرية قبل أي شيء آخر. وعلى هذا الأساس عبأت الجماهير السورية
والعربية في سبيل تحقيق هذه الغاية، مع نجاح حركة 8 آذار تشكيل حكومة البيطار.
وهكذا ارتفعت صور الرئيس عبد الناصر
ورفرفت أعلام الجمهورية العربية المتحدة في جميع أنحاء البلاد. وعمّت المظاهرات الشعبية
والعمالية والطلابية؛ التي كان يقودها القوميون العرب والوحدويون الاشتراكيون العاصمة
دمشق وكبرى المدن السورية حلب.. وهي تهتف هتافات واحدة (وحدة، وحدة، عبد الناصر). وبصريح
العبارة فقد بات الشارع تسيطر عليه (القوى الناصرية). ومما يزيد (الطين بلة) فإن البعثيين
في السلطة لم يكن لهم حتى ذلك الوقت؛ أي تنظيم سياسي أو حزبي يواجهون به الظروف المستجدة
ويعدلوا من موازين القوى لصالحهم. لذلك عمدت سلطات البعث منذ الأيام الأولى إلى منع
كل تظاهرة مهما كانت طبيعتها أو إلصاق صور أي زعيم عربي كان، وكان يقصد بذلك منع إلصاق
صور عبد الناصر.
ومن ناحية أخرى فإن العناصر الناصرية
المشاركة في الحكم، والتي تعتمد في قوة وجودها على هذا التيار الشعبي العام، ألحت في
طلب الوحدة الفورية مع الجمهورية العربية المتحدة، دون قيد أو شرط.
وأخذت الأسئلة تطرح نفسها لمعرفة ما
إذا كان النظام الجديد ضد التقارب أو الاتحاد مع الجمهورية العربية المتحدة؟ ألن تطرح
حكومة البيطار علناً في بيانها الوزاري الذي نشر بعد ست أيام من نجاح حركة البعث بان
مهمتها الأولى هي إقامة (وحدة-اتحادية) بين مصر وسورية والعراق، على أسس ديمقراطية
شعبية.. وباعتماد مبدأ القيادة الجماعية، ألم ترسل من أجل ذلك في اليوم نفسه وفداً
رسمياً إلى القاهرة لإجراء محادثات من أجل الاشتراك في المحادثات الوحدوية بين مصر
وسورية والعراق؟.
في الحقيقة أن الصراع بين البعثيين
والناصريين هو صراع على السلطة. يؤكد الدكتور جمال الأتاسي وزير الإعلام في حكومة البيطار
الأولى للنظام الجديد: (إن الخلافات لها علاقة بالسيطرة على الحكم وبالنفوذ الذي سيحصل
عليه كل طرف في المؤسسات القيادية والرسمية والشعبية لحركة 8 آذار).
وهكذا فإن القوى الناصرية في سورية
معتمدة على الحملة الإعلامية التي تبثّها القاهرة، كانت تعمل عل عدم ترك أية مهلة للبعثيين
وعدم تمكينهم من تثبيت أقدامهم في الحكم وإجبارهم على الدخول في أسرع وقت في المحادثات
مع عبد الناصر.. في حين لا يزال فيه البعثيون يعانون من الضعف الشديد من ناحية التأييد
الشعبي.
لقد عمل البعثيون دون تطبيل وتزمير
منذ الساعات الأولى لتفادي ضعف التأييد الشعبي على تقوية موقعهم وجودهم في الوحدات
العسكرية.. وذلك حتى يعوضوا عن ضعفهم العددي.. ويجابهوا الضغوطات الداخلية والخارجية
التي يتعرضون لها. فأخذوا بتعاونهم مع الضباط المستقلين.. يبعدون عن الجيش العناصر
التي أيدت الانفصال.. وكذلك العناصر الناصرية. وفي نفس الوقت أصدروا قراراً بالعزل
المدني.. شمل عدداً كبيراً من السياسيين اليمينيين واليساريين.. بتهمة تأييد النظام
الانفصالي وشمل كل من: (ناظم القدسي وخالد العظم ومأمون الكزبري ومعروف الدواليبي وصبري
العسلي وسهيل الخوري وأكرم الحوراني وخليل الكلاس وعبد الغني قنوت ومصطفى حمدون وخالد
بكداش).
وتسلم الضباط البعثيون بشكل أو بآخر
قيادة معظم القطاعات العسكرية.. والتي من خلالها تمت بهم السيطرة الكاملة على الجيش..
الذي بدونه لن يستطيع الناصريون القيام بأية حركة أو انقلاب.
وبالفعل فإننا نجد أن الضباط الناصريين
الذين كانوا يحتلون المراكز القيادية في الجيش.. قد سحب البعثيون البساط من تحتهم وتركوهم
أشبه ما يكونون بالممثلين.. الذين يقومون بأدوار عسكرية في فلم حربي.. أي كانوا يحملون
الرتب الفخرية.
أيضاً يجب أن لا ننسى دعم البعث العراقي
للبعث السوري الخارجي.. الذي كانت له أهمية كبرى في مثل الظروف التي مر بها البعث السوري.
ففي الأيام الأولى لنجاح حركة آذار.. وصل إلى دمشق وفد عراقي بقيادة علي صالح السعدي..
أمين سر قيادة القطر العراقي للحزب.
وعلى أثر المحادثات الرسمية بين البلدين.
أعلن البيان المشترك السوري-العراقي في 11 آذار (أن المباحثات بين الطرفين تطرقت إلى
الخطوات التي يجب اتباعها للدفاع عن الثورتين السورية والعراقية). وفي مؤتمره الصحفي..
يشير السعدي صراحة بأن القضية ليست قضية إقامة محور بين القاهرة وبغداد ولا بين بغداد
ودمشق. ونقول من عندنا ولا محور بين القاهرة ودمشق.
يتبع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق