الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2015-04-29

نهاية طاغية – بقلم: الدكتور عثمان قدري مكانسي

أمية بن خلف أحد طغاة الكفار في مكة، وقف يحارب الدعوة بعنف وشراسة، ويعذب المؤمنين بها، وما فعله بمؤذن الرسول الكريم بلال بن رباح من منعه عن الطعام، ورميه على الرمال الحارقة في الهجير إلى أن اشتراه الصدَّيق دليلٌ على عداوته للإسلام ونبيه وأتباعه.
أمية هذا كان صاحباً لسيّد الأوس سعد بن معاذ رضي الله عنه في الجاهلية، ينزل عليه إذا مر بالمدينة ذاهباً إلى الشام وقافلاً منها.
فلما انتقلت الدعوة الشريفة إلى المدينة دخل سعدٌ فيها مؤمناً بها، مدافعاً عنها، ولكن هذا لم يمنع التواصل بين الرجلين.

انطلق سعد بن معاذ بعدما أسلم – قبل معركة بدر – إلى مكة معتمراً، فنزل على أمية بن خلف فبات عنده، وحين أصبح الصباح خاف أمية على سعد أن يصيبه مكروه إذا اعتمر فطاف بالكعبة فرآه الناس، فقال له: انتظر يا سعد حتى إذا انتصف النهار، وغفل الناس، انطلقتَ فطفتَ دون أن يلحظك أحد، قال سعد: كما ترى يا أمية.
وحين اشتدت الحرارة ولاذ الناس ببيوتهم، انطلق سعد يطوف بالكعبة معتمراً، وحدث ما كان أمية يتخوف منه. فهذا أبو جهل الذي يسكن قريباً (وبيته الآن أماكن لقضاء الحاجة، بنتها إدارة الحرم المكي وهو يستحق ذلك!!) لعله كان عائداً إلى بيته فرأى سعداً فقال: من هذا الذي يطوف بالكعبة؟
فقال سعد: أنا سعد بن معاذ.
وهنا اكفهر وجه أبي جهل غضباً فقال: تطوف بالكعبة آمناً وقد آويتم محمداً وأصحابه.
قال سعد: نعم آويناهم حين ضيقتم عليهم وشددتم عليهم الخناق، فاشتد خصامهما وعلت أصواتهما.
فقال أمية وقد احتد من ضيفه ونسي الصحبة وفضلَ سعد عليه: لا ترفع صوتك على أبي الحكم، فإنه سيد أهل الوادي.
قال سعد متناسياً خذلان أمية له وموجهاً كلامه لأبي جهل: والله لئن منعتني أن أطوف بالبيت لأقطعن طريق تجارتك إلى الشام.
فبدأ أمية يصرخ في وجه سعد ويمسكه ويقول مكرراً دون أن يرعى حسن الضيافة: لا ترفع صوتك على أبي الحكم، لا ترفع صوتك عليه.
عند ذلك احتد سعد هذه المرة على أمية، لا على أبي جهل وقال: دعنا منك – يا أمية – فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم  يقول: ((إنه قاتلك)).
قال أمية: أتخاطبني أنا؟ أأنا الذي يزعم محمد أنه يقتلني؟
قال سعد: نعم أنت يا أمية، أنت الذي يقتلك رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال أمية متلوياً وكأنه لديغ: ما يكذب محمد إذا حدَّث، وانكمش في نفسه.
ثم انطلق سعد إلى مدينة الإسلام، فما يطيب المقام إلا هناك في أكناف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسيعتمر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم- إن شاء الله -وتحت رايته.
ورجع أمية حزيناً كاسف البال يقول لامرأته: أما تعلمين ما قال أخي اليثربي؟
قالت: وما قال؟
قال: زعم أنه سمع محمداً يقول: إنه قاتلي، فوالله ما يكذب محمد.
فلما خرج المشركون إلى بدر للقتال استصرخ أبو جهل أمية، فكره هذا أن يكون معهم، فقال له أبو جهل: يا أبا صفوان إنك حين يراك الناس قد تخلفت، وأنت سيد أهل الوادي تخلفوا معك، فلم يزل أبو جهل يشجعه حتى قال: أما إذا غلبتني فوالله لأشترين أجود بعيرٍ بمكة، ثم قال لامرأته: يا أم صفوان، جهِّزيني.
فقالت له: يا أبا صفوان أنسيت ما قاله لك أخوك اليثربي؟
قال: لا، ما أريد أن أجوز معهم إلا قريباً يوماً أو يومين ثم أعود.
لكن الله تعالى أراد له الموت في بدر حتى قتله الله فيها.
والمعروف أن النبي صلى الله عليه وسلم توعد أُبيَّ بن خلف أخا أمية، فالتبس ذلك على سعد، فحقق الله تعالى ما قال سعد في أميّة – كرامةً له - إذ قُتل أميةُ في بدر ، وقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم أبيّ بن خلف بيده الشريفة يوم أحُدٍ فكانت معجزة له حققها الله تعالى لنبيه الكريم صلى الله عليه وسلم .
البخاري مجلد 2 الجزء 4 ص 185

الكامل في التاريخ لابن الأثير الجزء الثاني ص82

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق