لقد عاشت مصر عقود طويلة تتقلب بين حكم
ملكي وحكم ديكتاتوري وليس من حق الشعب المصري - رضي أم لم يرضى - أن ينعم
بالديمقراطية ويتقلب في أحضان الحرية منتصب القامة عزيزاً كريما.
كل الحقائق والقرائن تؤكد على ما ذهبنا
إليه .. فالديمقراطية خط أحمر بالنسبة لمصر سواء أكان الشعب المصري يستحقها أم لا.
ويشترك كل المجتمع الدولي العربي والإسلامي والأوروبي والأمريكي في وضع العصي في
عجلات عربة الديمقراطية في مصر، كلما لاحت أمامها الفرص، ولا أدل على ذلك من
الهجمة الشرسة التي واجهت وصول أول رئيس مصري إلى سدة الحكم، عبر انتخابات حرة
نزيهة شهد العالم لها بصدقيتها وشفافيتها.
ومن المضحك المبكي أن تكون أدوات الخط
الأحمر مصرية؛ بيادق تُحرك عن بعد وعن قرب، بالاتجاه الذي يحول دون صمود
الديمقراطية في وجه الحملة العاتية التي شاركت فيها أيادي عربية وأجنبية، لتلقى
هذه التجربة النادرة والفريدة حتفها على أيدي المصريين أنفسهم، الذين باعوا حريتهم
وكرامتهم وبلدهم بدراهم معدودة لا تسمن ولا تغني من جوع، مهما كانت أرقامها
الفلكية في عيونهم وعيون من دفع ومول وناصر وأيد. وليت الأمر توقف عند سقوط التجربة
الديمقراطية!!
أعداء مصر والشعب المصري من بلطجية
مثقفيها وسياسييها وقضاتها وإعلامييها، الذين كان لهم السبق في الوقوف بوجه هذه
التجربة الرائعة الأولى، والذين مهدوا الطريق لأعداء مصر والعرب والمسلمين من
التسلل إلى مقتل في هذه التجربة، لم يكفهم ما حققوا من إعادة مصر إلى عهود
الديكتاتورية البغيضة، بل ذهبوا أبعد من ذلك فقد سمحوا للنظام السابق أن يخرج بكل
رموزه من قفص العدالة، مبرءً من كل ما ارتكب من آثام وفظائع بحق الشعب المصري
لعقود، في مقابل جر الآلاف من قادة مصر الشرفاء ورموز ثورة يناير المجيدة إلى
أقبية وزنازين السجون والمعتقلات، وفي مقدمتهم الشيخ المهيب الدكتور محمد مرسي،
الذي فاز بمنصب رئاسة الجمهورية عن جدارة واستحقاق، منحها إياه الشعب المصري الذي
تطلع، وهو يقدم آلاف الشهداء على مذبح ثورة يناير، إلى الانعتاق من قمقم الديكتاتورية
التي تقلب على جمرها لأكثر من ستين سنة، وليتوج القضاء المصري عهره في ذبح ووأد
الديمقراطية، بالحكم على هذا الشيخ الجليل بالسجن عشرين عاماً، بتهم ملفقة كاذبة،
بشهادة العديد من قضاة مصر الشرفاء والمحامين الذين دافعوا عنه، ولكن قلم الادعاء،
عن سبق وتصميم وإصرار، كان قد وقع على هذه العقوبة المشينة، التي ستبقى إكليل عار
وشنار تتوج هامات قضاة مصر، وستذكرها الأجيال بكل مرارة وحزن جيلاً بعد جيل، مرددة
كلمات الشيخ يوسف القرضاوي: "أقول لسيادة الرئيس محمد مرسي: يا سيادة الرئيس،
ما زلنا نذكر كلماتك: إن ثمن الحرية لمصر هي حياتك ودمك.. وأنك مستعد إلى أن تبذل
ذلك في سبيل دينك ووطنك وأمتك، لترضي ربك، وتعلي كلمته، نحيي صمودكم، سيادة
الرئيس، وصمود الشرفاء معكم، وصمود أبناء مصر، فتيانها وفتياتها، ورجالها ونسائها،
وندعو الله أن يكتب لكم وللأسرى جميعا فرجا قريبا عاجلا".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق