سليمان بن عبد الله المعصراني، من رجالات الثورة
السورية ضد الانتداب الفرنسي ومن السياسيين الوطنيين قبل الجلاء وبعده. ولد في
مدينة حمص. نال شهادة الصيدلة من المعهد الطبي في الجامعة السورية عام 1920 عندما
كانت سورية تدعى المملكة السورية، فكانت صيدليته منتدى للشباب المجاهد، وملتقى
للعاملين في الحقل الوطني لتنظيم الحركة الوطنية ضد المستعمر. عمل مع الزعماء
الوطنيين على تأسيس الكتلة الوطنية منذ عام 1927، وكان من أعضاء المجلس الثمانية
والثلاثين الممثلين لمختلف أنحاء البلاد السورية المؤسسين للكتلة الوطنية عام 1932
بزعامة إبراهيم هنانو وهاشم الأتاسي وسعد الله الجابري، وانتخب من ثم رئيساً
لفرعها في حمص.
قاوم الاستعمار الفرنسي بالمساهمة في الانتفاضات والثورات المسلحة
التي لم تهدأ طوال مدة الاحتلال التي استمرت منذ العشرين من تموز عام 1920 إلى
السادس عشر من نيسان عام 1946؛ وبتنظيم العصيان المدني. والدعوة إلى عدم التعاون
مع المحتل، وبالنضال السياسي. فقد كان إلى جانب سعيد العاص وغيره من رجالات الثورة
السورية التي اندلعت في مختلف أرجاء سورية، في جبل الدروز والغوطة والقلمون، لطرد
المحتل الأجنبي. وكان مع أخيه عبد الهادي في مقدمة من لبّى نداء فوزي القاوقجي
للاشتراك في الثورة في حماة. اعتقلته قوات الاحتلال مرات عدة وحكمت عليه أحكاماً
قاسية بلغت حد الحكم بالإعدام. سجن في قلعة حلب وفي قلعة دمشق وفي سجن حمص،
لتحريضه أهل بلده على العصيان وعلى الإضراب الذي دام شهرين كاملين عام 1936، كما
سجن في راشيا وفي مية ومية مع صبري العسلي. وحين أذعنت فرنسا تحت ضغط المقاومة
الوطنية، وقبلت منح سورية حقها في تشكيل حكومة وطنية وانتخاب برلمان في عام 1936،
انتخبه سكان مدينة حمص نائبا، لكن الفرنسيين حلوا البرلمان بعد نحو سنتين.
كان من المدافعين عن حقوق الشعب الفلسطيني وتحرير أرضه،
وأسهم في مد يد المساعدة للثوار الفلسطينيين. كما ساند ثورة رشيد عالي الكيلاني ضد
بريطانيا في العراق عام 1941.
كان من الأعضاء المؤسسين للحزب الوطني الذي تألف عام
1947 برئاسة سعد الله الجابري وانتُخب في هيئته المركزية مع لطفي الحفار وصبري
العسلي وبدوي الجبل وفائز الخوري، ثم انتخب رئيسا لفرع الحزب في مدينة حمص. أصدر
جريدة "الضحى" اليومية عام 1945 وكتب فيها مقالات تنم على شعور وطني
صادق؛ ففيها دعوة إلى الوحدة الوطنية وإلى تأليف أحزاب ذات برامج سياسية واضحة بعد
أن نالت البلاد استقلالها، وفيها حملة لا هوادة فيها على المتعاونين مع المحتل
الأجنبي، وانتقاد شديد للفساد ودعوة إلى إصلاح الحكم، ودعوة إلى توحيد كلمة العرب.
لكن إصدار الجريدة لم يدم طويلا إذ أغلقت مع بقية الصحف إبان حكم حسني الزعيم،
وكانت خطاباته في المناسبات الوطنية مثار إعجاب كبير.
أسهم في عام 1953 في مؤتمر حمص، الذي شاركت فيه جميع
الأحزاب السياسية السورية المناهضة للحكم الديكتاتوري، والذي ترأسه هاشم الأتاسي
وأدى في النتيجة إلى سقوط نظام أديب الشيشكلي، وفي عام 1954 انتخب مرة ثانية نائبا
في المجلس النيابي السوري.
أسس عام 1935 الجمعية الخيرية الإسلامية التي أنشأت
مدرسة الأيتام للبنين ومن ثم مدرسة للبنات، في وقت لم يكن فيه تقريباً وجود لمثل
هذه المؤسسات الخيرية، وبلغ عدد الأيتام واليتيمات في المدرستين نحو 400 في العام
1947، ومازالت الجمعية ومدرستاها قائمة حتى اليوم. وانتخب رئيسا لهذه الجمعية وبقي
كذلك حتى وفاته.
عرف سليمان المعصراني بالصدق والنزاهة والصراحة وقول
الحق والتواضع والتفاني في خدمة وطنه ومساعدة المحتاجين، كما عرف بلطف المعشر وعدم
الاهتمام بالمظهر. توفي في دمشق عام 1955 وكانت حفلة تأبينه في حمص ظاهرة وطنية
شاركت فيها الأحزاب السياسية كافة، وجميع الطوائف المسلمة والمسيحية وممثلو
الأحزاب في دول مجاورة إضافة الى قيادة الحزب الوطني ومعظم النواب والوزراء. وأبَّنه
عدد من كبار الشعراء ورجال السياسة الذين أشادوا بنضاله الوطني ومكارم أخلاقه.
كانت مراسم جنازته في حمص يوما مشهودا أغلقت فيه الحوانيت أبوابها وخرج الناس
تلقائياً في حشد ضخم يودعون رجلاً وطنياً لم يطلب جاهاً أو غنى، بل وقف حياته
القصيرة على خدمة وطنه وشعبه. قال المطران الأرثوذكسي في أثناء تقديمه التعزية «لم
تكن حياة المرحوم سليمان المعصراني طويلة، لكنها كانت عريضة حافلة بالأعمال
الوطنية والاجتماعية الإنسانية». وأطلق اسمه على أحد شوارع حمص تخليداً لذكراه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق