لست صياداً ماهراً، بل لست صياداً
على الإطلاق، لكني مع هذا فقد ظفرت بسمكة كبيرة لا تكفي وجبة واحدة، بل ثلاث وجبات
على الأقل، وقصة ذلك، أني قصدت شاطئ البحر لأبترد من الحرّ ذات يوم، فاستهواني البحر
للسباحة، ولما كنت لم أقصد البحر للسباحة ولم أحضر معي ثياب السباحة فقد وجدت نفسي
أنزل البحر بثيابي العادية، وحين هممت أن أغادر الماء فوجئت بسمكة كبيرة قد علقت بطرف
ثيابي فمددت يدي وأمسكت بها قبل أن تتمكن من الهرب، وخرجت من البحر، ورحت أفكر بطريقة
أحمي بها سمكتي من الفساد فيما لو ماتت وظلت في هذا الجو الحار، فقادني تفكيري إلى
صنع حفرة في رمال الشاطئ، وتولى مدّ البحر ملأها بالماء ووضعت فيها سمكتي التي رأيتها
تستعيد نشاطها حين وجدت نفسها في الماء مجدداً،
وحين اطمأننت إلى حياة سمكتي قمت أتمشى
في نسيم البحر لأجفف ثيابي قبل المغادرة إلى البيت، فلما عدت نظرت إلى الحفرة فوجدت
السمكة قد راحت في البحر سرباً كما حصل لحوت سيدنا موسى عليه السلام حيث وجد العبد
الصالح ، غير أني لم أجد على الحفرة عبداً صالحاً يعلمني بعض الدروس الغنية كما علم
موسى عليه السلام، وإنما وجدت هناك سرطان بحر كبير علمني ثلاثة دروس قاسية، ذلك أني
رأيت الخبيث ساكناً لا يريم فخيل لي أنه سكن من الإعياء تحت وطأة الحر وفكرت أن أعيده
إلى البحر إنقاذاً له من الهلاك، ومددت يدي لأحمله إلى الماء، لكن الشيطان كان أشطر
مني فقد باغتني فأمسك إصبع يدي بكلابته وراح يهصرها بلا رحمة ، ما جعلني أتلوى من الألم،
فقلت في نفسي : هذا هو الدرس الأول ( إذا رأيت عدوك ساكناً فلا تحسبنّه نائماً ولا
ضعيفاً ) واشتد الألم في إصبعي فرحت ألوّح يدي في الهواء بلا وعي لعلي أتخلص من هذا
العدو الغادر، وبالفعل ترك يدي وطار في الهواء وعاد فسقط فوق رأسي ومنه تسلل إلى ظهري
وراح يعمل كلابتيه في جلدي، فقلت هذا هو الدرس الثاني ( إذا وقعت في أسر عدوك فلا تتصرف
بردود أفعال عشوائية، بل تمهل ، فكر ، وخطط ) وبعد معركة دامية في ظهري استطعت التخلص
منه، وأوقعته إلى الأرض، وكان الألم قد بلغ بي مبلغه فمددت قدمي غاضباً لأركله بعيداً
وأتخلص من شروره، لكن الخبيث مرة أخرى كان أشطر مني، فقد باغتني وأمسك إصبع قدمي الحافية
وراح يهصرها بلا رحمة، فقلت هذا هو الدرس الثالث ( إذا أردت أن تتخلص من عدوك فاستعد
له جيداً بحذاء يليق بخبثه ومكره ) واكتفيت بهذه الدروس التي لم أستطع عليها صبراً
، فما إن أفلت إصبعي حتى شمّعت الخيط، وهربت بعيداً ألملم جراحي وأداري ألمي وقد نسيت
سمكتي !!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق