لم يعد التنافر بين تركيا
وحليفتها واشنطن يجري خلف أبواب مغلقة بل أخذ منحىً علنياً وعلى أعلى المستويات
تجاه ما يجري في سورية، وقد ضربت واشنطن بعرض الحائط مصالح حليفتها تركيا، وراحت
بعيداً في دعم الدّ أعدائها "وحدات حماية الشعب الكردية" الانفصالية،
الجناح السوري لمنظمة “بي كي كي” الكردية - التركية المصنفة إرهابية، بما تشكله من
خطر على أمنها وسلامة حدودها، معلنة أن منظمة "بي كي كي" ليست إرهابية، وقد
مكنتها واشنطن بدعمها لها إلى الاقتراب كثيراً من حدود تركيا، بعد احتلالها لمدينة
تل رفعت وتطويقها لمدينة منبج تحت غطاء جوي أمريكي، وهذا ما جعل تركيا تعلن
المنطقة من ولاية كليس حتى قرقاش وبعمق خمسة عشر كيلو متر منطقة عسكرية، وحشدت
فيها عتادها الثقيل ومنظومتها الدفاعية الجوية تحسباً لكل طارئ.
واشنطن التي سبق وعقدت اتفاقية مع
تركيا لاستخدام قاعدتها الجوية في أنجيرلك، وانطلاق طائرات التحالف منها لضرب
تنظيم داعش، قررت على ما يبدو تجميد طلعاتها الجوية من هذه القاعدة، بعد أن وصلت
حاملات طائراتها إلى البحر المتوسط، وراحت تشن غاراتها على تنظيم الدولة انطلاقاً
من هذه الحاملات، في إشارة واضحة عن استغنائها عن قاعدة أنجيرلك، وبالتالي تحللها
من الاتفاقية التي عقدتها مع أنقرة بشأن استخدام قاعدة أنجيرلك.
هذا الموقف المستجد من واشنطن لم
يكن ليمر دون تفاهم بينها وبين موسكو التي تملك السيطرة الكاملة على الأجواء
السورية، من خلال قواعدها البحرية والجوية والبرية، ومنظومة الدفاع الجوي المتقدمة
التي تغطي كامل الأراضي السورية، وهذا يجعلنا بالتالي نعتقد أنه لابد من وجود خط
ساخن بين واشنطن ونظام الأسد، لإخطاره بتحليق الطائرات الأمريكية في الأجواء
السورية.
الخطوة الأمريكية هذه تؤكد على
تأزم الوضع بين أنقرة وواشنطن، وتدفعنا إلى الاعتقاد أن مستقبل العلاقات بين أنقرة
وواشنطن وحلف الناتو باتت مهزوزة، إلى درجة الشك في أن واشنطن وحلف الناتو قد
يتخليان عن أنقرة، وبالتالي تركها وحيدة أمام الحلف الروسي الإيراني السوري، وقد
عقدت هذه الدول لقاء لوزراء دفاعها في طهران للتنسيق بينها ولتوزيع الأدوار في
سورية، بقصد القضاء على الثورة الشعبية التي ما تزال عصية على تحالف هذه الدول
لأكثر من خمس سنوات.
تركيا التي تأخرت كثيراً في اتخاذ
قرار جريء ضد النظام السوري عندما كان وحيداً، معتمدة على الوعود الأمريكية
والأوروبية التي لم تكن إلا سراباً وجعجعة، ولم تستفد من تهالك النظام السوري
وتراجعه أمام الثوار، وقد تقلصت رقعة الأراضي السورية الخاضعة له إلى 20%،
وبالتالي فإن تركيا ستجد اليوم أمامها فاتورة باهظة من التكاليف، لحماية أراضيها
من التمدد الكردي على حدودها، والمدعوم من حليفتها أمريكا والناتو، لدرجة المشاركة
البرية مع وحدات ما يسمى "قوات سورية الديمقراطية" تقاتل إلى جانبها في
مواجهة تنظيم الدولة.
وحدات الحماية الكردية لا يقتصر
نشاطها في محاربة تنظيم الدولة فقط، بل ذهبت بعيداً في حربها لفصائل المعارضة
المسلحة، والتي تقاتل منذ وقت طويل تنظيم الدولة، حيث تمكنت وحدات الحماية الكردية
بدعم من روسيا وأمريكا من السيطرة على معظم الريف الشمالي لمدينة حلب، التي
أنهكتها الغارات الروسية والنظام، وقطّعت أوصالها ودمرت معظم أحيائها وشردت وهجرت
سكانها، وتعمل على حصارها لتركيع الثوار، الذين لا يزالون يقاومون بشراسة وبطولة
قل نظيرها، والذين رغم قلة ما بأيديهم من عتاد وسلاح يلحقون بالنظام وحلفائه
الخسائر الفادحة والهزائم المفجعة، ويغنمون من سلاحه وعتاده الشيء الكثير، بما في
ذلك الدبابات الحديثة التي كان آخرها دبابة ت90 أحدث الدبابات الروسية.
أنقرة تنظر بحذر إلى الدعم غير
المحدود الذي تقدمه واشنطن لقوات سورية الديمقراطية التي تقاتل الفصائل الثورية في
مارع وتنظيم الدولة في منبج، وكل هذا قريباً من حدودها، وتعتبره تهديداً لأمنها القومي
لا يمكن لها السكوت عنه، أو القبول به لأنه يدعم المشروع الانفصالي الكردي الذي
تقاومه وتمنع وقوعه لأنه يهدد تركيا أرضاً وشعباً.
الكرة اليوم في ملعب أنقرة وعليها
حزم أمرها في مواجهة الأحلاف المعادية التي تريد قهرها وإذلالها وفرض أجندتها
عليها، ولم يعد لها من حليف إلا الفصائل الثورية السورية، التي وحدها يمكن أن تفشل
كل هذه المخططات التي تريد تقسيم المنطقة وتقاسم كعكتها، وبالتالي فإن على تركيا
تزويد هذه الفصائل بالأسلحة النوعية التي أحجمت عن إدخالها إلى سورية لأكثر من خمس
سنوات، وأن تضع يدها بيد السعودية وقطر اللتين تعلنان دائماً عن استعدادهما لتحمل
المسؤولية تجاه سورية، والتحصن بالحلف الإسلامي في مواجهة الحلف الروسي الإيراني
السوري.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق