خنجران لهدف واحد – بقلم: د. أحمد محمد كنعان

لقد عمل الغرب بقيادة الولايات المتحدة لقيام الكيان الصهيوني (= إسرائيل) في فلسطين العربية  كي تكون خنجراً في خاصرة العرب تتولى تمزيق الوطن العربي فلما أخفقت هذه الخطة بحث الغرب عن خطة بديلة تكمل المؤامرة فوجدتها في إيران التي عاشت طويلا تتطلع للثأر من العرب والمسلمين ، فساهم الغرب في إنجاح "ثورة الخميني" عام ١٩٧٩تمهيداً لإثارة الخلاف التاريخي ما بين إيران والعرب المسلمين، وهذا ما جعل العرّاب الأمريكي "هنري كيسنجر" يصرح مستبشراً بنجاح تلك الثورة المشبوهة قائلاً : (لقد بدأت الآن حرب المائة عام بين الشيعة والسنة) في إشارة سافرة لتحويل الحقد التاريخي الفارسي إلى حرب دينية طائفية تستهدف تمزيق العرب والمسلمين من الداخل!!

 وقد استكمل الغرب هذه المؤامرة بالاتفاق النووي الذي وقع قبل شهور ما بين الدول الغربية الخمس وإيران، ذلك الاتفاق الذي أعطى الضوء الأخضر لإيران لاستكمال تمزيق الدول العربية الإسلامية التي  يرى الغرب أنها  تتمتع بإمكانيات متميزة يمكن أن تعرقل مشاريعه الاستعمارية في المنطقة، وهذه الدول بالدرجة الأولى ( العراق وسوريا والسعودية ومصر وتركيا ) وهي الدول التي تتمتع بمواقع جغرافية استراتيجية ومكانة جيوسياسية خاصة وتضم زهاء مائتي مليون نسمة وتمتلك مخزوناً استراتيجياً هائلاً من النفط والغاز وخامات أخرى تؤهلها لترتقي إلى مصاف الدول الكبرى (كما فعلت تركيا مثلاً) فما الذي فعله الغرب بهذه الدول لإضعافها وتمزيقها :

١- العراق : ورطته الولايات المتحدة بحرب عبثية استمرت ٨ سنوات عجاف ضد إيران بزعامة الخميني انتهت بإضعاف الجيش العراقي الذي كان يعد  رابع أقوى جيش في العالم حسب بعض المحللين العسكريين وقضت الحرب على مليون عراقي ، وأسفرت عن انهيار العملة العراقية ، ولم تقف الولايات المتحدة عند هذا الحد من تدمير العراق بل استدرجت  الرئيس العراقي صدام حسين إلى احتلال الكويت لتجعل من ذلك ذريعة للهجوم على العراق واحتلاله  ثم الانسحاب وتسليمه إلى العدو التاريخي إيران التي أجهزت عما ما تبقى  من قوة العراق حتى لا تقوم له قائمة بعد ذلك !!؟

٢- سوريا : بعد انطلاق الثورة الشعبية العارمة في عام ٢٠١١ ضد تسلط آل أسد بزعامة بشار الأسد وجرائمهم على مدى نصف قرن دأبت الولايات المتحدة على توفير الغطاء العسكري لبشار والميليشيات المساندة له من إيران وحزب الله ، وذلك بحظر السلاح النوعي عن الثوار والتواطؤ مع الروس لاستخدام  حق الفيتو في مجلس الأمن لمنع أي قرار أممي لوقف جرائم بشار الذي راح يدمر البلد ويقتل المدنيين بشتى أنواع الأسلحة بما فيها الأسلحة المحرمة دولياً ما وضع سوريا على الطريق إلى دولة فاشلة مهددة بالتقسيم على أساس عرقي وطائفي .

٣- السعودية : بالتواطؤ بين الولايات المتحدة وايران ومساعدة الحوثيين استدرجت الولايات المتحدة السعودية الى المستنقع اليمني الذي يتوقع المحللون السياسيون أن لا تخرج السعودية منه سالمة لا قدر الله ، وسوف تكون له تبعات خطيرة على المدى  الطويل .

٤- مصر : بعد نجاح ثورة الشعب المصري في ٢٥ يناير ٢٠١١ والخلاص من حكم العسكر الدكتاتوري الذي أضعف مصر، وانتخاب حكومة مدنية ديمقراطية لأول مرة منذ الخلاص من الملكية ، عادت الولايات المتحدة إلى دعم العسكر وتحريضهم للانقلاب على الحكومة الشرعية بقيادة حزب العدالة والحرية ورئاسة محمد مرسي لتعيد البلاد إلى قبضة العسكر الذين لم يتأخروا في تقديم مراسم الولاء للولايات المتحدة وربيبتها إسرائيل فبدأ الانقلابيون بتضييق الخناق على المقاومة الوطنية الفلسطينية في غزة ، وزج آلاف الوطنيين المصريين في السجون وإصدار أحكام الإعدام عليهم بالجملة ، ثم إغراق مصر في جملة من الأزمات الاجتماعية والاقتصادية الطاحنة التي  تنذر بانهيار شامل لا قدّر الله ، ووضعها على الطريق إلى دولة فاشلة !!!؟

٥- تركيا : يبدو أن النجاحات الكبيرة التي حققها حزب العدالة والتنمية بزعامة رجب طيب أردوغان لم يرق للولايات المتحدة وحلفائها الذين راحوا ينذرون من عودة الخلافة العثمانية التي أعادت للإسلام سلطانه على الدنيا، ولهذا سارعت الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون إلى تنفيذ المؤامرة تلو المؤامرة لإفشال برامج العدالة والتنمية ، فبدأت تدعم المتمردين الأكراد جهاراً نهاراً بالأسلحة والمال والخبرات والمعلومات الاستخباراتية ، وقد رأينا ذلك من خلال سلسلة التفجيرات التي وقعت في أنقرة واسطنبول وغيرها من المدن التركية  وثبت أن وراءها بعض الأكراد في محاولة يائسة لزعزعة السلم الأهلي وقطع الطريق على المشاريع العملاقة التي يواصل حزب العدالة والتنمية تنفيذها !!!

هذه الحقائق التي باتت واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار تظهر مقدار الحقد الذي يضمره الغرب ضد كل ما هو عربي إسلامي، وقد أدرك المجاهدون الأبطال هذه الحقائق فوقفوا بالمرصاد لهذه المؤامرات، وعقدوا العزم على إفشالها مهما تطلبت من تضحيات، ويبقى على هذه الدول العربية الإسلامية أن تجمع كلمتها، وأن تساند هؤلاء المجاهدين، إن كانت جادة حقاً في وقف الهجمات الاستعمارية التي لا تستهدف هذه الدول وحدها وإنما تستهدف الأمة كلها ... والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .

                                                                                       

د.أحمد محمد كنعان