تمر الأمة العربية والإسلامية اليوم
بحالة من الفرقة والتمزق لم يسبق أن مرت بها عبر تاريخها الطويل، فمن جهة نجدها واقعة
تحت سلطة أمراء الظلم والجور والطغيان الذين تسلطوا عليها من فوق، ومن تحت نراها
وقد تمزقت إلى أحزاب وجماعات وطوائف متناحرة يقتل بعضها بعضا دون رحمة ! وهكذا حق
عليها قوله تعالى : ( قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَىٰ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ
أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ... الآية) سورة الأنعام 65 .
ومما يؤيد قولنا هذا قول ابن
عباس رضي الله عنهما في رواية عن عكرمة : "عذابا من فوقكم أي من الأمراء ، ومن تحت أرجلكم من العبيد
والسفلة" هؤلاء السفلة الذين لعبت بهم الأهواء
المختلفة فنشروا في الأمة الأفكار والمذاهب المنحرفة التي أثمرت المر والعلقم،
ومزقت الأمة إلى أحزاب وجماعات وطوائف متناحرة راحت كل منها تذيق غيرها العذاب؛ وهذا
ما نراه اليوم من قتل وذبح وتعذيب للمسلمين على أيدي منتسبين للإسلام !
وتزداد الصورة قتامة بغياب المصلحين أو الطائفة
الثالثة التي يفترض فيها أن تفصل بين المتخاصمين، تلك الطائفة الحكيمة التي
انتدبها تعالى بقوله : ( وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ
فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَىٰ ٱلأُخْرَىٰ
فَقَاتِلُواْ ٱلَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيۤءَ إِلَىٰ أَمْرِ ٱللَّهِ فَإِن
فَآءَتْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا بِٱلْعَدْلِ وَأَقْسِطُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ
يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ) سورة الحجرات 9 .
وها هو ذا الدم المنتسب إلى الإسلام
يسيل أنهارا، بينما تقف الطائفة المنتظرة موقف المتفرج، بل الأدهى أنها لا تتورع
عن التحريش بين المتخاصمين، وتزويدهم بأدوات الدمار؛ وهذا ما جعل الأمة تقع في فخ
متاهة خطيرة، وضعتها على الطريق نحو الدمار والغياب عن الخارطة إذا لم يتدخل حكماء
الأمة المخلصين لوقف هذا المصير المظلم الذي إن جاء - لا قدر الله - لن ينجو منه
أحد ممن شارك في الدمار ومن لم يشارك؛ مصداقا لقوله تعالى: (وَاتَّقُوا
فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ۖ وَاعْلَمُوا
أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) سورة الأنفال 25 .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق