كان "صابر عبد الحليم المقموع" قد هيّأ
سيارته للانطلاق من بلدته إلى البلدة القريبة حيث يسكن أبناء عمه، وحثّ زوجته على
الاستعجال، فقد اقترب وقت العشاء، وليس من المناسب أن يصل إلى بيت عمه في وقت
متأخر.
هيّأت الزوجة نفسها وركبت بجوار زوجها
وانطلقا وهما يحملان معهما بعض الهدايا. وما إن غادرا أحياء البلدة وقطعا مسافة
قصيرة على طريق سفرهما حتى فوجئا بحاجز من أكياس الرمل يقوم عليه رجال مسلحون، ولا
يدريان: أهؤلاء رجال أمن تابعون للدولة أم رجال عصابات وقطاع طرق؟. ولم يكن
أمامهما وقت للتفكير أو الخيار.
انزل يا هذا، أنت وهذه التي بجوارك.
وأجاب صابر: ماذا تريدون منا؟ إنها زوجتي ونحن منطلقان لزيارة أقاربنا في القرية
القريبة.
لم يترك لهما الرجل المسلح فرصة للمزيد
من الكلام، وقام بسحب الرجل من السيارة، وجاء رجلان آخران من العصابة، ذوا جثتين
ضخمتين، فأخرجا المرأة وهي تصرخ: ماذا تريدون مني، أنا لست مجرمة. هذه هويتي.
انظروا. لعلّكم تشتبهون بآخرين مطلوبين لديكم.
قال أحدهم، موجها كلامه لصابر: لا حاجة
للكثير من الكلام سنأخذ السيارة وما فيها، وسنعيد إليك زوجتك خلال ساعة واحدة، وكن
مطمئنا. لن نؤذيها. لن نفعل بها غير الذي تفعله أنت بها. ألم تقل: إنها زوجتك؟
وبدأ صابريرجوهم:ياشباب،ما هكذا يعامل
المواطن،أليس هناك قانون؟ أليست عندكم غيرة على نسائكم؟ يردد مثل هذه العبارات عسى
أن يكفّوا عنه وعن زوجته ويدَعوهما في حال سبيلهما. لكن طيش الرجال المسلحين دفعهم
إلى المزيد من الحماقة فسحبوا المرأة بعيدا إلى بيت يبعد عن الطريق نحو عشرة
أمتار،وانقضّوا على صابر ركلاً وضربا وشتماً،حتى وطئ أحدهم صدره وكاد يخنقه،ثم داس
في بطنه،فوجد صابر نفسه في حالة دفاع هزيلة فعضّ ساق هذا الذي يدوس في بطنه وراح يصرخ
:يا أولاد الكلب،يا أولاد الحرام،اتركوني..
وسمعهم ينادون شيخا،لم يتبيّن له اسمه،
لعلهم نادوا :شيخ حسون،أو اسما مشابها ،وظهر أمام صابر شيخ طويل القامة،بجبة
وعمامة، تبدو عليه بعض الأناقة. لا يدري من أين جاء.لعله كان في البيت الذي تراءى
له بجوار الطريق.قال الشيخ،موجها كلامه للرجال المسلحين: دعوا الرجل وابتعدوا.ثم
قال للرجل:لقد كنت أرقب ما جرى بينك وبين هؤلاء.لقد كان تصرفك معهم غير حضاري وغير
شرعي، بل لقد ارتكبت جريمة بحق الرجل الذي عضضت ساقه، وقد تصاب ساقه بالتهاب خطير
وتتحمل أنت مسؤوليته أمام القضاء. وبغض النظر عما يحاسب عليه القضاء في مثل جريمتك
هذه ،ألست مسلما ؟ألا تعلم أن إيذاءك لأخيك المسلم حرام،وكل المسلم على المسلم
حرام:دمه وماله وعرضه؟ وهب أن هذا كله قد أسقطنا عنك عقوبته، إن هناك حدّا من حدود
الله لا نستطيع أن نسقطه عنك ،وذلك أنك قلت لهؤلاء الرجال:يا أولاد الحرام. يعني
أنك ارتكبت جريمة القذف فاتهمت أمهاتهم بالزنى.أي إنك قذفت عددا من المؤمنات
الغافلات بكلمة واحدة،وإن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يلقي لها بالا يهوي بها في نار
جهنم أربعين خريفا. إنكم أيها الإرهابيون التكفيريون الصهاينة تزعمون أنكم تريدون تطبيق الإسلام وأنتم أبعد ما
تكونون عن الإسلام.ولا بد أن تلقوا جزاءكم عند رفاقنا في الدنيا فضلا عما ستلقونه
عند ربكم.فويل لكم مما صنعته أيديكم. قال صابر:وكيف وصمتني بهذه الصفات والاتهامات
ولم يصدر مني أي تصرف يدل على ذلك؟.أهكذا تطلقون الاتهامات؟قال الشيخ:هاهي زوجتك
محجبة، طبعا هي الآن ليست محجبة،وضحك ضحكة فاجرة ثم تابع:ولقد وجد الرفاق في
سيارتك مصحفا وسجادة صلاة.قال:وماذا في الأمر؟.هل أصبح اقتناء المصحف والسجادة من
أدلّة الإرهاب ؟ قال الشيخ :نحن لا نحاسب الإنسان على الصلاة، وكثير من رفاقنا
يصلّون، ولابد أنك رأيت سيادة الرئيس الرفيق يصلي العيد على شاشة التلفزيون ،ولكن
اقتناء هذه الأشياء في السيارة دليل الفتنة،وهو ما يميّز الإرهابيين.إنهم يزاودون
على الشعب بالمظاهر الكاذبة.قال صابر:لا أريد الاستمرار معك بهذا الكلام،إنما بالي
مشغول عند زوجتي ،أريد أن تعود إلي، وأطمئن عليها،وخذوا السيارة إن شئتم.قال الشيخ
:لن تتأخر عليك طويلا لقد أوشكوا أن يقضوا حاجتهم منها. وشعر صابر بالمرارة والقهر
أمام هؤلاء المجرمين.فصرخ صرخة عالية كأنه يستنجد أو يفرّغ قهره،وهنا شعر بيد
تهزّه فاستيقظ مبهوراً وحمد الله أنه كان في حلم مزعج،ولم يكن في يقظة.إنه كابوس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق